السلام لن يتحقق في أراكان إلا بتدخل دولي واسع
مساعي الأزهر لإقامة مؤتمر عالمي في ميانمار لوقف مذابح الروهينغا تصطدم بضمانات تأمينه
كشف عضو مركز الأزهر الشريف للحوار والمشرف بمرصد الأزهر الدكتور كمال بريقع، أن الأزهر خطط لإقامة مؤتمر عالمي على أرض ميانمار، لوقف مذابح أقلية الروهينغا المسلمة، لكن جهوده تعطلت لعدم تمكنه من الحصول على ضمانات كافية لتأمين المؤتمر. وأكد بريقع أن مدخل الأزهر لحل الأزمة يتسم بالوعي والمسؤولية، حيث تم دعوة كل الأطراف لحل الأزمة، ولم يدع فقط مسلمي ميانمار، كما أنه ركز على الجوانب المختلفة للأزمة، وعلى المداخل الحقوقية والإنسانية والسياسية، وليس فقط على البعد الديني للقضية، حتى يتسنى له مخاطبة دولة ميانمار وأطراف المجتمع هناك، وأن يتفاعل مع القوى والأطراف الدولية.
جاء ذلك في ندوة عقدتها نقابة الصحافيين المصريين نهاية الأسبوع الماضي، وحضرها إضافة لبريقع، مسؤول الملف الآسيوي بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام د.محمد فايز فرحات، والناطق الرسمي باسم اتحاد مسلمي بورما الدكتور عمر الفاروق، ونخبة من المثقفين والصحافيين.
وقال بريقع في مداخلته بالندوة، إن تجربته الشخصية كممثل لمرصد الأزهر ولجنة الحوار، وبالتعاون مع الأمم المتحدة، في حد ذاتها نموذج للأوضاع الصعبة التي يعانيها مسلمي الروهينغا، فقد أحجمت السلطات في ميانمار في البداية عن التعاون معهم، ومع الامم المتحدة لتحري الأوضاع على الأرض على شاكلة ما تفعل من تضييق على الصحافيين والمعونات الإنسانية، ثم سمحت لهم بالدخول، لكنها فرضت قيوداً على زيارة أماكن معينة، وعلى دخول أشخاص معينين، ومع ذلك تمسكنا بمنطق التواصل والحوار مع الممثلين الرسميين لدولة ميانمار، واقترحنا استقبال ممثلي كل الديانات الموجودة هناك، البوذية والمسيحية واليهودية والإسلامية، ولم نشارك في اختيارهم أو إبداء تحفظات على أيٍّ منهم، ورغم ملاحظتنا لتحفظهم وعدم رغبتهم في الاستطراد في الكلام وتقديم معلومات، ورغم الخلفية الرسمية لمعظمهم، واصلنا الحوار كي نصل الى نتيجة، فمسؤولية الأزهر لوقف المذابح في إطار حدود دوره كبيرة، وكنا في طريق إقامة مؤتمر عالمي على أرض ميانمار لوقف المذابح، لولا عدم تمكننا من الحصول على الضمانات الكاملة لحماية وتأمين المشاركين».
أزمة متشابكة
أزمة مسلمي الروهينغا متشابكة، ولها خلفيات سياسية واجتماعية واقتصادية وتاريخية، وعلى من يشتبك معها أو يسعى لتقديم حل إدراك ذلك. |
وشدد بريقع على أن «أزمة مسلمي الروهينغا متشابكة، ولها خلفيات سياسية واجتماعية واقتصادية وتاريخية، وعلى من يشتبك معها أو يسعى لتقديم حل إدراك ذلك، فإقليم أراكان الذي تقيم به الروهينغا من أكثر الاقاليم فقراً، وهذا بعد اقتصادي، وهو يعاني انخفاضاً كبيراً في نسبة التعليم، وهناك واقع المعسكرات الداخلية المزري التي تقيمها الحكومة، وهناك واقع التعدد اللغوي، لكن سواء كان سبب المأساة دينياً أو عرقياً أو سياسياً أو تاريخياً، فعلينا أن نوقف هذه المذابح والأوضاع غير الإنسانية، وأن نستدعي الضمير الإنساني العالمي في مبادراتنا».
وأشار بريقع الى أن هناك دوراً سلبياً للتاريخ الاستعماري البريطاني والياباني في زرع بذور الأزمة وتركها خلفه تنمو، وفي ممارسات «المجلس العسكري البورمي» منذ عام 1962 وإصداره قانون الجنسية، الذي حرم الروهينغا من كل الحقوق التعليمية والصحية والإنسانية.
وخلص بريقع إلى أنه «فعلياً لا يوجد تقدم نحو الحل، وحتى إنسانياً لم تعرض الأمم المتحدة أكثر من أن تقدم المعونة الإنسانية من غذاء وصحة حتى نهاية العام الجاري فحسب، لكن يمكننا القول رغم ذلك أن مسلمي الروهينغا نجحوا في تدويل قضيتهم، وفرضها على الرأي العام العالمي، وفي استصدار تقرير أممي مهم لمصلحة قضيتهم».
ودعا بريقع في نهاية كلمته الإعلام والقوى الفاعلة العربية والإسلامية في خطابها الإعلامي إلى عدم التعميم وإخراج الأديان من القصة، وعدم تصوير الأزمة كصراع ديني رغم وجود بعد ديني في القضية، وقال إن «الإسلام والمسيحية واليهودية وتعاليم بوذا لا تدعو لسفك الدماء، ووجود متطرفين باسم الإسلام لا يعني أن المسلمين إرهابيون، ووجود متطرفين مسيحيين دعوا لحروب صليبية لا يسم المسيحية بالتطرف، ووجود متطرفين بوذيين في ميانمار يرتكبون فظاعات إنسانية لا يعني التعميم ضد كل ما هو بوذي، وهناك رهبان بوذيون عارضوا ذلك، وكتبوا وأعلنوا ذلك في الهند، ونحن علينا حين نخاطب العالم أن نختار اللغة التي تجمع وهي لغة الضمير الإنساني».
3 مداخل للأزمة
من جهته، قال الدكتور محمد فايز فرحات: «هناك ثلاثة مداخل لتناول الأزمة: أولها التاريخي، في الحقبتين الاستعمارية والعسكرية، وما تطور عن ذلك من استخدام المحتلين والجنرالات لأدوات طائفية وعرقية لتمكين سلطتهم، من ضمنها إثارة نوع من التشاحن الإسلامي البوذي وما ارتبط بذلك من صراع حول وضع الإقليم، ومحاولات ضمه لباكستان الشرقية (بنغلاديش) أو ميانمار، وثانيها تطور الدولة في ميانمار وتحولاتها وفشلها في إقامة مجتمع تعددي ناجح، على نحو ما فعلت الهند وإندونيسيا وماليزيا، وإخفاقها حتى بعد وصول زعيمة المعارضة أون سان سوتشي لمقعد رئاسة الوزراء، وهو إخفاق يفسره البعض ببطء التحول الديمقراطي، ويفسره البعض الآخر بوجود مراكز قوى لا يمكن تجاوزها، منها المؤسسة الدينية البوذية والمنظمات اليمينية الدينية المتشددة، وثالث هذه المداخل هو اشتباك الأزمة مع الجغرافيا والمصالح، حيث تطل ميانمار على المحيط الهندي من خلال إقليم أراكان، واعتماد الصين على طريق المضايق الثلاثة بنما – مالاغاي – تايوان لمرور نفطها وتجارتها، ومنافسة الهند للصين في المنطقة، والتزام الأسيان الحياد، وتمزق بنغلاديش بين بديلي الانحياز للروهينغا، وبالتالي تحمل عبء قضيتهم سياسياً واقتصادياً، وإضفاء الشرعية على دعوى ميانمار بـ(بنغالية الروهينغا)، أو الصمت، كل هذه العوامل ساعدت على دعم حكومة ميانمار، ومنحها يداً طليقة في الأزمة».
سيناريوهان لحل الأزمة
حدد مسؤول الملف الآسيوي بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام الدكتور محمد فايز فرحات سيناريوهين لحل الأزمة: الأول هو تدويلها، وبالتالي تدخل العالم لوقف المذابح، وهذا مسار لم يتحقق منه حتى اللحظة سوى صدور تقرير الأمم المتحدة، الذي وصف ما يجري بأنه «نموذج لعملية تطهيرعرقي»، لكن غير معروف إن كان مجلس الأمن سيتبنى هذا التوصيف. والسيناريو الثاني هو «عسكرة القضية»، وركوب الجماعات المتطرفة عليها، وقد اتضحت خطورة ذلك بعد صدور بيان تنظيم القاعدة الأخير الذي دعا مسلمي العالم لدعم القضية، وإلى الجهاد لنصرة الروهينغا، بما يفتح الباب لعمل هذه التنظيمات على أرض أراكان، خصوصاً أن هذه التنظيمات تقع حالياً في مأزق، وقد تلتقط خيوط هذه القصة قوى عالمية تحاول أن تستغل الأزمة لمصلحتها، خصوصاً تلك التي تسعى لفتح جبهة استنزاف للصين.
بدوره، قال المتحدث باسم مسلمي بورما عمر الفاروق، إن هناك خلفية دينية للصراع، وإن المهوّسين يصل بهم الأمر لحرق معالم إسلامية، لكن الأحداث لا تقع بين أتباع أديان وإلا لقضى البوذيون على الروهينغا، إنما الصراع مع الشرطة والسلطة، مؤكداً أن السلام لن يتحقق في بورما من دون تدخل دولي قوي يوقف عملية التطهير العرقي ضد مسلمي الروهينغا، مشيراً إلى أنه لا توجد دولة قانون هناك.
وكشف فاروق عن مقتل 4000 مسلم من الروهينغا منذ اندلاع الأحداث المأساوية في إقليم أراكان، حتى إن الهاربين من الموت تغرق بهم السفن قبل الوصول إلى أي مكان يقصدونه بحثاً عن الأمان.
وقال إن الجيش يزرع الألغام على الحدود مع بنغلاديش للتخلص من الروهينغا ومنعهم من الهرب أو العودة، لتشويه قضيتهم والإفلات بجرائمهم من المجتمع الدولي. ونوه فاروق إلى أن السلطات في ميانمار تحاول إثبات ــ لكن لم يثبت حتى الآن ــ انتماء أي من مسلمي بورما للتنظيمات الإرهابية مثل «داعش» أو «القاعدة»، ولا توجد أي قيادات إرهابية تنتمي للروهينغا ضمن عناصر الجماعات الإرهابية المعروفة.
وأشار فاروق إلى أن دولة أراكان المسلمة أقدم من دولة بورما، حيث نشأت دولة في أراكان على يد نراميخلة سليمان شاه في عام 1430م، بتعاون حاكم البنغال المسلمة السلطان جلال الدين شاه، وتعاقب على حكمها 48 ملكاً وسلطاناً، وأن هناك أسماء عربية لخمس مدن أراكانية.
هذا وشهدت الندوة تجاذبات بين مناقشين اعتبروا الصراع دينياً وآخرين اعتبروه عرقياً، وتدخلت المنصة لحسم التجاذبات بالقول: «أياً كانت الخلفيات فإن ما يحدث مأساة إنسانية، ويجب أن يتدخل العالم لوقفها»، كما دعا مشاركون الدول العربية والإسلامية والأزهر الشريف ومنظمة التعاون الإسلامي والمنظمات الحقوقية إلى دور أكثر فاعلية لحل الأزمة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news