وسط ضغوط آخذة في التصاعد
حكومة روحاني تحاول تحصين الاتفاق النووي
تسعى إيران إلى استغلال أية فرصة من أجل دعم استمرار العمل بالاتفاق النووي وتحصينه ضد أي احتمالات لتجميده، أو التأثير في تطبيقه خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً في ظل السياسة التي تتبناها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاهه، والتي تقوم في الأساس على اعتباره أحد «أسوأ الاتفاقات في التاريخ»، وعلى اتهام إيران بأنها «تنتهك روحه».
تقاسم أدوار تشير تحليلات إلى أن التهديدات التي أطلقها المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي للإدارة الأميركية تهدف إلى تعزيز المفاوض الإيراني باعتبار أنها تأتي في إطار سياسة «تقسيم الأدوار»، التي تتبناها إيران وتستخدمها دائماً في فترات الأزمات، من أجل توسيع هامش الخيارات المتاحة أمام المسؤولين الإيرانيين في التعامل مع بعض المواقف. لكن السياق العام يشير إلى أن هذا التصعيد الإيراني الجديد يأتي انعكاساً لتزايد القلق لدى دوائر صنع القرار في إيران من احتمال إقدام الإدارة الأميركية على اتخاذ خطوات جديدة، ربما تؤدي إلى عرقلة استمرار العمل بالاتفاق في المرحلة المقبلة، خصوصاً في ظل استمرار غموض الموقف الأميركي من الإقرار بمدى التزام إيران بالاتفاق، وفقاً للرؤية الأميركية، والذي سيتضح في منتصف أكتوبر المقبل. ومن دون شك، فإن هذه الخطوة ربما تؤدي إلى ظهور خلافات داخل دوائر صنع القرار في إيران، بين اتجاهين: الأول، يرى إمكانية الاستمرار في العمل بالاتفاق في حالة ما إذا انسحبت واشنطن منه، على أساس أن إيران تعول في الأساس على علاقاتها مع الدول الأوروبية وليس الولايات المتحدة. والثاني، يدعو إلى استغلال الانسحاب الأميركي للعودة إلى تنشيط البرنامج النووي مرة أخرى، خصوصاً أن التعويل على عدم تأثر الاتفاق بالانسحاب الأميركي لا يستند، وفقاً لرؤية هذا الاتجاه، إلى اعتبارات منطقية، في ظل قوة التأثير الأميركي في الساحة الدولية، والتي يمكن أن تحول دون حصول إيران على عوائد اقتصادية وتكنولوجية تضاهي، طبقاً لرؤيته، التنازلات التي قدمتها في الاتفاق النووي. ويبدو أن هذا التباين سوف يستمر خلال المرحلة المقبلة، لا سيما في الفترة التي سوف تسبق إعلان الإدارة الأميركية عن موقفها من الاتفاق في منتصف أكتوبر المقبل، حيث ستتضح بعدها الخيارات المتاحة لكل طرف في التعامل مع تطورات هذا الملف. - إيران تسعى لاستغلال فرصة انعقاد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل الترويج لموقفها من الاتفاق النووي، ومحاولة تكوين حشد دولي داعم له ومناهض للتهديدات الأميركية المتكررة بالانسحاب منه. - ثمة اتجاهات لها تأثير داخل دوائر صنع القرار في طهران، بدأت في التحذير من إمكانية اتجاه روحاني إلى محاولة فتح قنوات تواصل خلفية مع واشنطن، رغم التصعيد المتبادل بين الطرفين. |
ورغم أن طهران تحاول توجيه رسائل تهديد مستمرة بإمكانية عودتها إلى تنشيط برنامجها النووي في حال ما إذا اتخذت الإدارة الأميركية إجراءات تعرقل استمرار العمل به، حيث ستقرر الأخيرة في منتصف أكتوبر المقبل ما إذا كانت إيران انتهكت الاتفاق أم لا، إلا أنها ترى أن الاتفاق يمثل فرصة لها، لأنه مكنها من الحفاظ على برنامجها النووي، وفي الوقت نفسه أدى إلى رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها وتقليص العزلة الدولية التي كانت تتعرض لها، بسبب الأزمة التي أنتجها هذا البرنامج منذ عام 2002.
ومن هنا، تبذل حكومة الرئيس حسن روحاني جهوداً حثيثة من أجل فرض ضغوط شديدة وتضييق هامش الخيارات المتاحة أمام إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بهدف دفعها إلى عدم الانسحاب من الاتفاق، وهو الاحتمال الذي لم يستبعده ترامب وبعض أركان إدارته خلال الفترة الماضية.
ولذا يبدو أن إيران سوف تستغل فرصة انعقاد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل الترويج لموقفها من الاتفاق النووي، ومحاولة تكوين حشد دولي داعم له ومناهض للتهديدات الأميركية المتكررة بالانسحاب منه.
وفي هذا السياق، أشارت وسائل الإعلام الإيرانية، إلى أن جدول أعمال الزيارة التي يقوم بها الرئيس حسن روحاني إلى نيويورك، لن يقتصر على إلقاء كلمة في الاجتماعات، وإنما سيمتد إلى عقد لقاءات مع بعض المسؤولين الدوليين والشخصيات السياسية وأقطاب من مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام الأميركية والجالية الإيرانية الموجودة في الولايات المتحدة الأميركية.
كما تتوقع تقارير عدة أن يعقد اجتماع للجنة الخاصة بالاتفاق النووي، وتضم وزراء خارجية إيران ودول مجموعة «5+1» لمناقشة تطورات الاتفاق.
ملفات رئيسة
سيكون الاتفاق النووي هو المحور الأساسي في المباحثات التي سوف يجريها الرئيس حسن روحاني في نيويورك، حيث يتوقع أن تسعى إيران إلى استثمار تأكيد الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في 11 سبتمبر الجاري، على التزامها بالاتفاق من أجل الدعوة إلى استمرار العمل به ومحاولة الرد على الاتهامات الأميركية المتواصلة بانتهاكه. كما أن الحرب ضد الإرهاب ستكون محوراً مهماً في تلك المباحثات، حيث تحاول إيران استغلال تحرير مدينة الموصل من تنظيم «داعش»، وتراجع سيطرته على بعض المناطق الرئيسة في سورية، من أجل الترويج لدورها، باعتبار أنها، وفقاً لمزاعمها، كانت طرفاً مشاركاً في تلك التطورات، في ظل علاقاتها مع الأطراف المعنية بالحرب ضد التنظيم في كل من العراق وسورية، وهي ادعاءات لا تتطابق مع المعطيات الموجودة على الأرض، التي تشير إلى أن السياسة التي تبنتها إيران، كانت أحد أسباب انتشار التنظيمات الإرهابية في بعض دول المنطقة.
خطوة مضادة
لكن المساعي التي يبذلها روحاني من أجل الترويج للسياسات الإيرانية، خصوصاً إزاء قضايا الاتفاق النووي والحرب ضد الإرهاب، تواجه عقبات لا تبدو هينة. وتكمن المفارقة هنا في أن تلك العقبات لا تنحصر فقط في الضغوط والاتهامات، التي تواصل الولايات المتحدة الأميركية توجيهها لإيران، سواء في ما يتعلق بانتهاك الاتفاق النووي أو دعم الإرهاب، وإنما تمتد أيضاً إلى الداخل، اذ يبدو أن ثمة اتجاهات لها تأثير داخل دوائر صنع القرار في طهران بدأت في التحذير من إمكانية اتجاه روحاني إلى محاولة فتح قنوات تواصل خلفية مع واشنطن، رغم التصعيد المتبادل بين الطرفين.
وربما تكون هذه الاتجاهات استندت إلى تصريحات روحاني نفسه قبل وصوله إلى نيويورك من أجل تبرير موقفها، حيث دعا روحاني الولايات المتحدة الأميركية إلى «حفل العشاء» في إشارة إلى الاستفادة من الاتفاق النووي بدلاً من الانسحاب منه، وقال في هذا السياق: «إن الولايات المتحدة ينبغي أن تنضم إلى الدول التي تدعم الاتفاق النووي»، مضيفاً: «إن الأميركيين بإمكانهم اختيار المسار الصحيح، ودخول الغرفة التي يقدم فيها الطعام. لن تكون لدينا مشكلة في ذلك».
ومن هنا ربما يمكن تفسير تعمد المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، توجيه تهديدات جديدة ضد الولايات المتحدة الأميركية، بالتزامن مع مشاركة روحاني في اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك. إذ حذر خامنئي، في 17 سبتمبر الجاري، من أن «أي تحرك خاطئ في ما يخص الاتفاق النووي سيواجه برد من جانب الجمهورية الإسلامية»، مجدداً وصف الولايات المتحدة الأميركية مرة أخرى بأنها «الشيطان الأكبر»، وهو الشعار الذي دعت بعض التيارات المؤيدة للانفتاح على الخارج، إلى استبعاده بعد عقد مفاوضات سرية وعلنية مع واشنطن، مهدت إلى الوصول للاتفاق النووي.
تحذيرات المرشد ربما لا تكون جديدة، لكنها كانت متعمدة في هذا التوقيت تحديداً، بهدف قطع الطريق على أي محاولة من جانب فريق روحاني للوصول إلى تفاهمات أو فتح قنوات تواصل مع الإدارة الأميركية بشكل قد لا يحظى بقبول من جانب القيادة العليا في الدولة.
ويبدو أن ذلك يعود أيضاً إلى استيائها من التلميحات التي أبداها بعض المسؤولين الإيرانيين في الفترة الأخيرة، وأشاروا فيها إلى أن عقد مباحثات مع مسؤولين أميركيين مازال احتمالاً قائماً، حتى رغم اتساع نطاق الخلافات بين الجانبين.
إذ قال وزير الخارجية محمد جواد ظريف خلال مشاركته في مناقشة لمجلس العلاقات الخارجية بنيويورك في 18 يوليو 2017، أنه لم تجرِ أية محادثات بينه وبين وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، لكنه أضاف أن «ذلك لا يعني أنه لا يمكن أن تجري اتصالات».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news