العمل الحقيقي يبدأ الآن بالنسبة للمستشارة ميركل
توقعت المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، أن الانتخابات الأخيرة ستكون الأصعب خلال مسيرتها المهنية الطويلة في عالم السياسة الألمانية. وتمكنت الكتلة التي تقودها ميركل من هزيمة زعيم الحزب الاجتماعي الديمقراطي، مارتن شولتز، بهامش واضح، بيد أن هذا النصر كان ثمنه مرتفعاً.
وفقد كلا الحزبين الألمانيين، اللذين يعتبران الأكبر في الحياة السياسية الألمانية، الكثير من أنصارهما لمصلحة حزب «البديل لألمانيا» الشعبوي اليميني، الذي أصبح أول حزب يميني مهم يدخل البرلمان الألماني منذ عهد النازية.
انتصار باهت
مجتمع التعايش في مجتمع التعايش الألماني يحاول المفاوضون من الأحزاب المختلفة التغلب على نقاط الخلاف بينهم، لكن خلال ظروف أفضل من الحالية بكثير، استغرقت مفاوضات التوصل إلى حكومة ائتلاف عام 2013 لمدة شهرين، والآن لا أحد يريد أن ينسب الفشل إليه، ناهيك عن إجراء انتخابات جديدة، وهو الخيار الأخير، الأمر الذي سيجعل مهمة ميركل أكثر تعقيداً من كل المرات التي شكلت فيها حكومتها. انتصار المستشارة ميركل في الانتخابات تركها أمام تحدٍّ ضخم يتمثل في الرد على حزب البديل لألمانيا، الذي اعتمد في جلب الزخم لنفسه وتعزيز موقعه حزباً يمينياً، على معالجة ميركل لقضية اللاجئين القادمين إلى ألمانيا في عامَي 2015 و2016، حيث أدخلت نحو مليون لاجئ إلى ألمانيا، معظمهم من المسلمين. |
وعلى الرغم من أن المستشارة المخضرمة، التي تعرف بـ«أم البلاد»، حققت انتصارها وبقيت في السلطة لفترة حكم رابعة، إلا أن الصورة التي ظلت ماثلة للحملة الانتخابية هي صورة أنصار حزب «البديل لألمانيا» المحتجين، الذين سخروا من أنصار ميركل خلال الانتخابات، كما أنهم كانوا يتعاملون معهم بعدوانية. وعلى الرغم من أن تعداد هذا الحزب قليل، إلا أنه تمكن من فرض نفسه في مشهد الحملات الانتخابية، وأدخل لهجة أكثر قسوة وشدة على المشهد السياسي الألماني، وبشّر بعهد جديد للسياسة في برلين.
وفي واقع الأمر فإن انتصار المستشارة ميركل في الانتخابات تركها أمام تحدٍّ ضخم يتمثل في الرد على حزب البديل لألمانيا، الذي اعتمد في جلب الزخم لنفسه وتعزيز موقعه حزباً يمينياً، على معالجة ميركل لقضية اللاجئين القادمين إلى ألمانيا في عامي 2015 و2016 حيث أدخلت نحو مليون لاجئ إلى ألمانيا، معظمهم من المسلمين.
ويتعين على المستشارة ميركل أيضاً أن تحشد وتنظم قواها المحافظة المحبطة، وتشكل إدارة جديدة في ظروف غاية في الصعوبة، بعد أن تعهد الحزب الاجتماعي المسيحي بأنه سيكون في موقع المعارضة، الأمر الذي يجعلها مجبرة على تشكيل حكومتها بالمشاركة مع حزبي «الخضر» و«الديمقراطي الحر».
وتواجه ميركل أيضاً قضايا دولية ضاغطة، بدءاً من كوريا الشمالية، والخلاف مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وانتهاء بخطط إصلاح منطقة عملة اليورو، التي يطرحها الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون. ومن الواضح أن ميركل (63 عاماً) ستواجه مزيداً من الصعوبات في حكومتها المقبلة. وفي هذا العام منيت بخسارة كبيرة من أنصارها نتيجة تأييدها دخول اللاجئين إلى ألمانيا، في الوقت الذي كان شولتز، الذي عين حديثاً زعيماً للحزب الاجتماعي الديمقراطي، يكسب مزيداً من الدعم. وبات حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي «حزب ميركل» في حالة حرب مع حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي في ولاية بافاريا الألمانية.
قضية اللاجئين
وبذلت المستشارة ميركل جهوداً جبارة خلال حملتها الانتخابية، معتمدة على سمعتها الكبيرة كشخصية سياسية عالمية، ومديرة ناجحة للاقتصاد الألماني المزدهر. وكما كانت الحال في حملات انتخابية سابقة فقد ركزت على أفكار محددة، حيث لم تجد غضاضة في سرقة سياسات الحزب الاجتماعي الديمقراطي، مثل وضع حد أدنى للأجور.
وتعاملت ميركل بحذر مع قضية اللاجئين، حيث تعهدت أن تدفق اللاجئين إلى ألمانيا لن يتكرر، وقدمت رؤية لألمانيا يكون اللاجئون قد اندمجوا في المجتمع مثل مواطني الولايات الألمانية المختلفة، وتجنبت ذكر «حزب البديل من أجل ألمانيا» بالمطلق.
لكن هذه الاستراتيجية أدت إلى إغضاب العديد من المحافظين، ويقول مدير مكتب برلين للمركز الأوروبي للعلاقات الخارجية، جوزيف جانينغ: «هذه النتيجة ستزيد من صعوبة الأمور بالنسبة لميركل، حيث تزايدت انتقادات المحافظين في حزب ميركل».
وكان شولتز قد سهّل الأمور أمام ميركل عندما فشل في اتخاذ مواقف واضحة، إذ إن انتقاده الشديد لانعدام المساواة الاجتماعية، كان فشلاً في ظل عدم اقتناع معظم الألمان بهذا الادعاء. ومما زاد في فشل ادعاءاته أن الحزب الاجتماعي الديمقراطي، كان شريك المستشارة ميركل في الحكومة، أي أن الحزبين شريكان في المسؤولية عن السياسات التي انتهجتها الحكومة، بما فيها ما يتعلق بالمهاجرين. وأظهرت المناظرات التلفزيونية بين شولتز وميركل أن الطرفين كانا يتناقشان كشريكين وليسا كخصمين، وكانت نسبة الانتصار المتدنية التي حققها حزب ميركل إضافة إلى دخول حزب «البديل لألمانيا» من العوامل الأساسية التي أسهمت في التقليل من وهج انتصار ميركل.
وعلى الرغم من أن ميركل لا تتحدث علناً عن الموضوع، إلا أنها تفكر دائماً في إرثها الذي ستتركه بعد تقاعدها من العمل في السياسة، والمقارنات التي ستتم بينها وبين اثنين من القادة الذين حكموا ألمانيا لفترات طويلة من حزبها، وهما كونراد أدنوار، الذي يعزى إليه بناء ألمانيا الغربية بعد تدميرها في الحرب العالمية الثانية، وهلموت كول الذي أشرف على توحيد ألمانيا الغربية مع الشرقية.
ويتوقف الآن استمرار صعود نجم المستشارة ميركل على عملية اندماج اللاجئين في المجتمع الألماني. ويقول الأستاذ في علم السياسة بجامعة مينتس الألمانية، يورغن فولتر: «قضايا اللاجئين ستطغى على أعمال البرلمان المقبل».
وإضافة إلى ما سبق فإن ارتفاع أسهم حزب «البديل لألمانيا» جعل من الصعوبة بمكان على المستشارة ميركل، بناء ائتلاف حكومي ملائم. وترغب المستشارة الحذرة في العودة إلى ائتلاف مع الحزب الاجتماعي الديمقراطي، لكن هذا الأخير أوضح تماماً بعد النتائج الكارثية التي حققها في الانتخابات أنه سيقف في صف المعارضة في البرلمان الألماني. ولكن إنشاء ائتلاف يتكون من حزب ميركل وحزبَي «الخضر» و«الليبرالي الديمقراطي الحر»، سينطوي على صراعات داخلية في الحكومة، بين الليبرالي الديمقراطي الذي يؤيد سياسات التجارة والأعمال، وحزب «الخضر» الذي يدافع عن البيئة على حساب الأعمال.