إطلاق النار في أميركا مستمر ما لم تتخذ إجراءات صارمة

لا يبدو أن «الأمنيات والصلوات» قد أسفرت عن انخفاض قابل للقياس في معدلات العنف المسلح، فعلى مدى سنوات من جرائم القتل الجماعي في الولايات المتحدة، أصبحت الأمنيات والصلوات دليلاً على عدم الرغبة في معالجة أسباب المشكلة والقضاء عليها، وبات التبرير بأنه خلال فترة الحداد لا ينبغي إبداء أي ملاحظات موضوعية، وفي يوم الإثنين الماضي، بعد إطلاق النار رقم 273 في أميركا، قدم الرئيس دونالد ترامب التعازي المعروفة، من خلال تغريدة تقول: «تعازينا الحارة وتعاطفنا معكم».

نحن الأميركيون

إذا كان اسم القاتل عربياً، فسيكون الحادث حلقة جديدة من «الجهاد». كم عدد المرات التي تطرق فيها ترامب إلى حادث «سان برناردينو» في خطاباته، ووصفه بأنه تهديد إرهابي لأراضينا. وإذا كان مكسيكياً، فإنهم (السياسيون) سيبرهنون على مخاطر الهجرة، وأن المكسيك «لا ترسل أفضل الناس»، وإذا كان من المهاجرين غير الشرعيين، فإنهم سيشعروننا بالحاجة الماسة إلى إجراءات أكثر صرامة. وإذا كان القاتل من السود، فإنني أرتجف بمجرد التفكير في العواقب، «هكذا نحن الأميركيون».

• قصة رد أستراليا على مذبحة بورت آرثر هي الأكثر شهرة. لقد دفعت حكومة المحافظين نحو إصلاحات مهمة لقانون الأسلحة، ولم تتكرر في هذا البلد أي حلقة عنف منذ ذلك الحين.

وباء من العنف المسلح

وسط وباء لا مثيل له من العنف المسلح، باتت كلمات التضامن والتعازي غير مجدية، لقد كان بحوزة قاتل لاس فيغاس، الذي قضى على نحو 58 شخصاً، 19 بندقية وكميات كبيرة من الذخيرة، وقد أكد خطاب ترامب صباح الإثنين هذه المراوغة، حيث وصف القتل الجماعي في لاس فيغاس بـ«الشر»، واستخدم هذا المصطلح أربع مرات في خطابه، ولم يشر الرئيس إلى الأسلحة النارية، أو الاضطرابات العقلية، أو الإرهاب المحلي، بل ألقى المسؤولية على «الشر الخالص».

وبعيداً عن عشرات الأشخاص الذين قتلوا والمئات الذين أصيبوا بجروح في لاس فيغاس، فإن الآلاف من الأشخاص الآخرين، وإن لم يكونوا مصابين بشكل واضح أو مباشر، قد تغيرت حياتهم إلى الأبد، إنهم الأطفال والآباء والأمهات، والأزواج والزوجات، والإخوة والأخوات، لقد فقدوا شخصاً قريباً في حياتهم، على الفور وبشكل دائم، وبقية أيامهم ستكون مختلفة بسبب هذه المجزرة.

إن القتلى والجرحى وأسرهم وأصدقاءهم يستحقون بالطبع معظم التأييد والتعاطف، ولكن يجب على مواطنيهم التفكير في اثنتين من الحقائق المظلمة اللتين تسلط عليهما الضوء من خلال هذه المأساة، الأولى هي أن أميركا لن توقف حوادث إطلاق النار، والثانية أن المآسي ستستمر، ونحن نعلم جميعاً أن ذلك يجعل موجة الحزن أسوأ مما هي عليه الآن.

قبل خمس سنوات، وبعد ما حدث من إطلاق النار على حشد من الناس، الذي كان مروعاً في تلك اللحظة، كتبت مقالاً -الحديث للكاتب- بعنوان «اليقين بمزيد من حوادث إطلاق النار». وكان التركيز على المذبحة في مسرح سينمائي في أورورا، بولاية كولورادو، وبعد أن عبرت عن تضامني مع الضحايا، قلت: «النقطة المحزنة والمروعة هي يقين الأميركيين الذي لا شك فيه بأن الحادث سيتكرر مرة أخرى، وأنه سيحدث في أميركا مرات عدة قبل حدوثه في أي مكان آخر».

لايزال هذا صحيحاً الآن، وأتوقع أن يكون صحيحاً بعد خمس سنوات من الآن، أنا متفائل بشأن معظم جوانب مرونة أميركا وقدرتها على التكيف، ولكن ليس بشأن قرار أميركا الضمني بالسماح باستمرار عمليات القتل هذه، نعم إنه قرار، هناك مجتمعات متقدمة أخرى لديها عنف مسلح، اسكتلندا في عام 1996، وأستراليا في عام 1996 أيضاً، والنرويج في عام 2011. ولكن فقط في الولايات المتحدة، تتكرر هذه الحوادث مراراً.

القصة الأكثر شهرة

قصة رد أستراليا على مذبحة بورت آرثر هي الأكثر شهرة، لقد دفعت حكومة المحافظين نحو إصلاحات مهمة لقانون الأسلحة، ولم تتكرر في هذا البلد أي حلقة عنف منذ ذلك الحين، قصة رد فعل اسكتلندا على مذبحة «دنبلان» أقل شهرة ولكنها مهمة أيضاً، كان إطلاق النار في المدينة، عام 1996، نسخة اسكتلندية من رعب «نيوتاون» في أميركا، إذ قتل مسلح 16 طالباً ومعلماً، قبل أن يطلق النار على نفسه.

وكصحيفة اسكتلندية تلاحظ «صنداي هيرالد» ما حدث بعد ذلك، قائلة، «يبدو أن الإجراءات التي أدرجت بعد عام 1996 تعمل بشكل جيد»، متابعة «في العام الذي ارتكبت فيه مجزرة دنبلان، بلغت جرائم القتل ذروتها لتصل إلى 84 في جميع أنحاء المملكة المتحدة، وهو رقم قياسي، واليوم انخفضت عمليات القتل بالأسلحة النارية إلى ثلث ذلك تقريباً»، واليوم، تمثل الأسلحة النارية 2% فقط من جميع جرائم القتل في اسكتلندا، وقد انخفضت وفيات الأسلحة بشكل كبير، منذ تطبيق حمل الأسلحة الشخصية.

لا يسمح أي مجتمع بتكرار هذه الحوادث المروعة، الجميع حول العالم يعلم أن ذلك يحدث في الولايات المتحدة، وهذا هو أسوأ جانب من الهوية الوطنية الأميركية.

وهنا الحقيقة المظلمة الأخرى حول أميركا التي يذكرنا بها إطلاق النار في لاس فيغاس، إن هوية مطلق النار لا تؤثر في عدد الأشخاص الذين ماتوا أو كيف أصيبت عائلاتهم ومجتمعاتهم بجراح خطيرة. لكننا نعلم أن كل شيء عن التغطية الإخبارية والاستجابة السياسية سيكون مختلفاً، اعتماداً على ما إذا كان القاتل اتضح أنه «مجرد» رجل أميركي أبيض مع اسم لا علاقة له بالمهاجرين.

وهذا هو شأن معظم مطلقي النار عشوائياً، من تشارلز ويتمان في جامعة تكساس في عام 1966 فصاعدا، ومنذ حادثة جامعة تكساس، يوصف القتلة بأنهم «منزعجون» أو «مستاؤون» أو «غاضبون»، وجرائمهم انعكاساً لمعاناتهم ولا دخل لأي اتجاه أو قوة أكبر في تصرفاتهم وأفعالهم. إنهم شباب «مضطربون»، مثل المراهق الأبيض الذي أطلق الرصاص على زملائه في «ويست بادوكاه» بولاية كنتاكي، في عام 1997، أو الفتيان الأبيضان اللذان ارتكبا مجزرة في «كولومبين» بولاية كولورادو، بعد ذلك بعامين، أو المراهق الذي ارتكب الفظائع في «نيوتاون»، بولاية كونيتيكت.

ماذا عن الستيني الأبيض الذي هاجم ملعب الكونغرس، الصيف الماضي، أو الرجل الذي تقول التقارير إنه في أواسط الستينات، وقام بالفعل المروع في لاس فيغاس، قبل يومين. أشار تقرير إخباري حول حادثة ملعب الكونغرس، إلى أن المهاجم «استسلم للغضب».

هؤلاء الجناة كانوا بالفعل غاضبين ومضطربين نفسياً، في حين لم تُعرف بعد القصة الكاملة لقاتل الاثنين، فمن الممكن أن يثبت أن لديه دوافع أو اتصالات تتجاوز كل ما يحدث في ذهنه، ولكننا نعلم أنه إذا كان القاتل من غير البيض مع اسم «عادي»، فإن المسؤولية عن جرائمه لن تقتصر عما يدور في ذهنه أو شخصيته المضطربة.

جيمس فالاوز كاتب ومحلل سياسي

الأكثر مشاركة