دعوة إلى إحالة الجرائم ضد اللاجئين إلى المحكمة الجنائية الدولية
الدول المتقدمة تُعسكر حدودها لمنع تدفق المهاجرين
قدمت المقرر الخاص للأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج القضاء تقريراً جديداً إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي. وركزت أغنس كالامار في تقريرها على «الموت غير المشروع للاجئين والمهاجرين». وفي السنوات الأخيرة، ركز مكتبها بشكل حصري تقريباً على مكافحة الإرهاب، ولاسيما الوفيات الناجمة عن هجمات الطائرات بدون طيار. وكما تشرح المسؤولة الأممية، فإن التقرير يتعلق بـ«جريمة دولية باتت أمراً عادياً بالنسبة للكثيرين، ما يجعلها مأساة خطيرة جداً ومزعجة». والخلاف مثير للدهشة، ونعتقد أنه تاريخي حقاً، على الأقل في ما يتعلق بتقارير هيئات الأمم المتحدة.
• تزداد الاتهامات الموجهة للوكالة الأميركية للهجرة والجمارك «إيس» بممارسات «تشبه التعذيب» في إطار إجراءاتها لترحيل المخالفين لقوانين الإقامة في الولايات المتحدة. • في مراكز الاحتجاز البحرية في أستراليا، على وجه الخصوص، ترتكب حرب بوسائل إجرامية ضد الكفاح من أجل المساواة. • شكوى جنائية أجرينا أول دراسة عن اليونان. وفي وقت لاحق، بحثنا الممارسات الأسترالية وقدمنا بالفعل إلى المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية شكوى جنائية دولية، موجهة في المقام الأول ضد موظفي الحكومة الأسترالية. ولم يكن لهذا العمل أن يتم دون دعم مجموعة كبيرة من كبار المحامين الدوليين، بإشراف من كلية القانون بجامعة ستانفورد، وشبكة العمل القانونية العالمية. ونحن نعتقد أن جميع سكان العالم الأغنياء يشنون الحرب ضد الكفاح من أجل المساواة، التي يخوضها السكان الأقل حظاً. في مراكز الاحتجاز البحرية في أستراليا، على وجه الخصوص، وهو موضوع الشكوى، ترتكب هذه الحرب بوسائل إجرامية. وإذا اختارت المحكمة الجنائية الدولية حالة واحدة للتحقيق فيها، فقد تكون المراكز الأسترالية هي الأكثر فظاعة. إن محاولة نقل العدالة الجنائية الدولية من قضايا الحرب إلى قضايا الهجرة ليست محاولة أخرى لتوسيع نطاق سلسلة من المحاكم التي تعاني ضائقة مالية وغير فعالة؛ بل هي محاولة لتحويل الأولويات السياسية، في المحكمة وخارجها، بعيداً عن البحث عن «وحوش» يرتكبون عنفاً مذهلاً، ونحو معالجة المعاناة المتزايدة بصورة يومية. وأن تصبح هذه الجرائم أمراً عادياً فهذا يعد شهادة على خطورتها وضرورة ملاحقة هذه الجرائم قضائياً. كما ينبغي ألا ينتهي هذا التحول بالتركيز على الجرائم المرتكبة ضد المهاجرين. ومع ظهور نتائج تغير المناخ التي ظهرت أخيراً في بورتوريكو وكاليفورنيا، فإن معركة الأشخاص الأكثر تضرراً من الانبعاثات الناجمة عن تغير المناخ قد بدأت للتو. إن الفشل في معالجة هذه الأولويات الجديدة اليوم سيكون خطيراً للغاية، ويعزز أحلك الروايات للقرن الحادي والعشرين. ومن ناحية أخرى، فإن الأولويات الجديدة، بما في ذلك المساءلة في الانتهاكات والقضايا المتعلقة بالهجرة، ستعكس على نحو أفضل الولاية الأساسية للمحكمة الجنائية الدولية: المعاقبة على الجرائم «التي تهم المجتمع الدولي ككل». |
وتوضح كالامار قائلة: «ينبغي للمحكمة الجنائية الدولية أن تنظر في التحقيق الأولي في الجرائم الفظيعة المرتكبة ضد اللاجئين والمهاجرين، وأسباب وقوع مثل هذه الجرائم، وتلبية متطلبات الولاية القضائية للمحكمة». ومن غير الطبيعي بصفة خاصة أن تقدم هيئة تابعة للأمم المتحدة توصية إلى المحكمة الجنائية الدولية بالحالات التي ينبغي أن تنظر فيها، ولكن هذا هو بالضبط ما اختارت كالامار القيام به.
وفي ظل استمرار عسكرة الحدود، فإن توصيتها تعد عاجلة، ولكن إن لم يتم وضعها في السياق يمكن أن يساء فهمها بسهولة. وظهر فرض القانون الجنائي الدولي خلال العدوان والفظائع. هذا النموذج، الذي لايزال يستحوذ على الخيال الشعبي، هو بالطبع كارثة الحرب العالمية الثانية. كانت الحرب العدوانية في صميم الولاية القضائية للمحكمة العسكرية الدولية التي أنشأها المنتصرون المتحالفون. ووجود الحرب ضروري من أجل إصدار حكم على مرتكبي العنف الجماعي.
ابتعدت ممارسة القانون الجنائي الدولي تدريجياً عن التركيز على الحرب، باعتبارها الدافع الأساسي والضروري للمساءلة الدولية، وقامت المحاكمات الجنائية الدولية بتنويع تركيزها. إن المفهوم القانوني للجرائم ضد الإنسانية، التي لها علاقة بالحرب في «نورمبرغ»، لم يعد مرتبطاً بالنزاعات المسلحة، فعلى سبيل المثال، كانت لائحة الاتهام الصادرة في حق الجنرال الرئيس التشيلي، أوغوستو بينوشيه، في عام 1998، قد ربطت المقاضاة الجنائية بالمحاسبة عن مرحلة الاستبداد السابق.
إمكانات كثيرة
وفي الوقت نفسه، كان إنشاء المحكمة الجنائية الدولية مليئاً بالإمكانات. إن الدعم الذي حظيت به لم يكن مرتبطاً فقط بالفظائع الجماعية، وإنما بهدف تحقيق العدالة العالمية أيضاً. الجرائم ضد الإنسانية الواردة في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية لا ترتبط بالضرورة بالحرب، وهي تشمل جرائم مثل الفصل العنصري، وهو نظام حكم وليس طريقة للحرب، وتشمل الأفعال المحظورة عندما ترتكب مثل «هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد السكان المدنيين»، ومجموعة من الممارسات التي قد تحدث في أوقات السلم: التعذيب الذي يمارس في كثير من الأحيان في سياقات إنفاذ القانون، والسجن دون ضمانات إجرائية، أو في ظروف قاسية ولاإنسانية، والاضطهاد، وهو الحرمان الشديد من الحقوق الأساسية عن طريق التمييز، إضافة إلى الترحيل غير المشروع.
وفي حين أن القانون الجنائي الدولي قد وصل إلى خارج مجال الحرب، فإن الحرب والعسكرة قد انتشرتا في العديد من مجالات الحياة المدنية. «ما لا نهاية» الحرب التي غالباً ما يشير إليها المحللون والمراقبون، لا ينبغي أن تشير فقط إلى مدة الحرب. هذا يعكس أيضاً الطرق العديدة التي اتسعت فيها الحرب إلى ما لا نهاية، وأصبحت في كثير من الأحيان تشكل حياتنا اليومية. إن «الموت غير القانوني للاجئين والمهاجرين» ليس سوى جانب واحد من هذا المشهد، ومع تزايد التفاوتات العالمية وتقنيات النقل والاتصالات الجديدة، والكارثة المناخية المتفاقمة، فإن الأشخاص المتضررين يهاجرون إلى مصادر الرزق في «شمال العالم»، حيث بدأ السكان يشعرون بتهديد أكبر من قبل حشود الفقراء (غالباً من أصحاب البشرة السوداء أو الداكنة)، ويخشون الهجوم المسلح.
وسرعان ما تم عسكرة الحدود في مواجهة المهاجرين على خطوط الصدع بين العالمين «المتقدم» و«النامي»، ومنذ عام 2009 على الأقل أطلقت وكالة حماية الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي «فرونتكس» عملية مراقبة للحدود في اليونان، وقد عززت الوكالة عمليات المراقبة، بما في ذلك عن طريق استخدام الطائرات بدون طيار، وتشرف الوكالة على ظروف الاحتجاز التي تعتبرها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان غير إنسانية.
أمن الحدود
تعزز أستراليا أمن حدودها البحرية من خلال عملية بحرية بقيادة لواء، وفي إجراءات تدعو للسخرية أدخلت أستراليا طوافات بدون نوافذ وغير قابلة للغرق، من أجل إعادة اللاجئين إلى الشواطئ الأجنبية، وفي عام 2015 حصلت الدول الأوروبية على الضوء الأخضر من مجلس الأمن الدولي، لاستخدام القوة ضد المهربين في البحر الأبيض المتوسط، وهو إجراء غير عادي يشير بوضوح إلى عسكرة لم يسبق لها مثيل في الرقابة الحدودية، وكما هي الحال في أجزاء أخرى من حياتنا، فقد سارت العسكرة جنباً إلى جنب مع الخصخصة، وقد وقعت أستراليا اتفاقات مع بلدان مثل ناورو، وبابوا غينيا الجديدة، واستخدمت شركات خاصة مثل «جي 4 إس» و«فيروفيال» لإدارة مخيمات احتجاز لاإنساني، ولأجل غير مسمى. وقد استخدم الاتحاد الأوروبي تركيا - وفي الآونة الأخيرة الميليشيات الليبية - لضمان عدم عبور المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط.
في غضون ذلك، تزداد الاتهامات الموجهة للوكالة الأميركية للهجرة والجمارك «إيس» بممارسات «تشبه التعذيب» في إطار إجراءاتها لترحيل المخالفين لقوانين الإقامة في الولايات المتحدة، كما تدار بعض مرافق الاحتجاز التابعة لها من قبل جهات خاصة. وتثير المسؤولة الأممية كالامارد ملاحظة بالغة الأهمية عندما تخلص إلى أن هذه الممارسات قد ترقى إلى مستوى الجرائم الدولية، وهي تتضمن أفعالاً محظورة تشكل، بطريقة منهجية وواسعة النطاق هجوماً على المهاجرين.
وتأثير ذلك على السكان الأكثر عوزاً في العالم هائل، بدءاً من الوفيات الناجمة عن الغرق، وصولاً إلى الأمراض العقلية والاعتداءات في مخيمات اللاجئين حول العالم. وكما تقول المقرر الخاص، وهي محقة، عندما ترتكب جرائم خطيرة من هذا القبيل في مجال اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، ينبغي للمحكمة أن تتحرك. ومع ذلك فإن القانون الدولي لا يعترف بوجود جريمة عامة أو جريمة دولية، وهو ما يمكن أن يوحي به تقرير كالامار.
يقتضي تطبيق القانون الجنائي الدولي من المدعين العامين التحقيق في «الحالات» التي تستدعي ذلك، وعلى مدى السنوات القليلة الماضية كنا نعمل على المساعدة في توضيح الحاجة إلى مثل هذا التحقيق، وتوضيح المكان الذي يمكن أن يتم فيه هذا التحقيق.
أيونيس كالبوزوس و إتامار مان باحثان متخصصان في القانوني الدولي
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news