بعد قيام إسرائيل بقتل «حلّ الدولتين»
حلّ «الدولة الواحدة» يحظى بزخم جديد بسبب التطورات الأخيرة
ليس اليمين الإسرائيلي، الذي تعاظمت قوته بعد اعتراف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالقدس عاصمة لإسرائيل، هو الطرف الوحيد الذي ينادي بإنشاء دولة واحدة لليهود والفلسطينيين، بين نهر الأردن والبحر المتوسط، إذ بدأت منظمة التحرير الفلسطينية التساؤل عما إذا كان هذا الحل ليس سيئاً بالمطلق، على الرغم من أنها تحمل رؤية مختلفة تماماً لشكل هذه الدولة.
- ثمة تشكك بين الفلسطينيين والإسرائيليين في أن القادة الفلسطينيين، أمثال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وصائب عريقات يمكن أن يتخلوا حقاً عن اتفاق أوسلو الذي كرسوا حياتهم السياسية من أجله. - يرى فلسطينيون أن حلّ الدولة الواحدة، الذي يتمتع فيه اليهود والفلسطينيون بحقوق متساوية، هو الشيء الوحيد الممكن، وسيكون للفلسطينيين سلطة سياسية تتناسب مع تعدادهم. انحياز كامل لم توافق إدارة ترامب على حل الدولة الواحدة، وهي تعمل على خطتها الخاصة بها للسلام، كما أنها تصرّ على أن أي اتفاق نهائي، بما فيه الحدود، يجب أن يتم الاتفاق عليه من قبل الطرفين. لكن قرار الرئيس، الشهر الماضي، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، في تحدٍّ لعقود من سياسة الولايات المتحدة، والإجماع الدولي، ومن دون أي ذكر لحقوق الفلسطينيين في المدينة، اعتبر انحيازاً كاملاً من واشنطن إلى جانب إسرائيل. |
ومع تراجع مكانة حل الدولتين على أكثر من صعيد، يبدو أن كلا الطرفين ينظران بصورة مختلفة إلى فكرة الدولة الواحدة، لكن هذا الحل لطالما كان مثار مشكلات لكلا الجانبين. وبالنسبة لإسرائيل فإن استيعابها لثلاثة ملايين فلسطيني من الضفة الغربية، يعني إما التخلي عن الديمقراطية أو قبول نهاية إسرائيل، وأما بالنسبة للفلسطينيين، غير المستعدين للعيش في ظل نظام أبارتايد أو احتلال عسكري، فهم يرون حل الدولتين هو الأفضل.
ولكن الآن، للمرة الأولى منذ أن أعلنت دعمها لإقامة دولة فلسطينية، إلى جانب إسرائيل عام 1988، تناقش منظمة التحرير الفلسطينية إمكانية البحث عن خيارات بديلة، من ضمنها حل الدولة الواحدة. وقال عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، الدكتور مصطفى البرغوثي: «هذا الخيار مطروح بقوة الآن».
ويرى فلسطينيون أن حل الدولة الواحدة الذي يتمتع فيه اليهود والفلسطينيون بحقوق متساوية، هو الشيء الوحيد الممكن. وسيكون للفلسطينيين سلطة سياسية تتناسب مع تعدادهم، وبالنظر إلى التزايد السكاني فلن يمرّ زمن طويل قبل أن يصبحوا هم الأغلبية، الأمر الذي سيؤدي إلى نهاية المشروع الصهيوني، لكن هذه النتيجة غير مقبولة من قبل اليمين الإسرائيلي، الذي يضغط من أجل ضم الأراضي التي يوجد عليها مستوطنات يهودية في الضفة الغربية، بينما يتم إبقاء الفلسطينيين في الأراضي التي يعيشون فيها الآن.
ويعترف الإسرائيليون، المؤيدون لهذه الفكرة علانية، بأن المناطق الفلسطينية سيكون وضعها السياسي أقل من دولة، ووصف رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مناطق الفلسطينيين بأنها «دولة ناقصة»، وهم يقولون إنه في نهاية المطاف يمكن للفلسطينيين أن يحققوا دولتهم بالاتحاد الكونفدرالي مع الأردن أو مصر، أو كجزء من إسرائيل، أو بصورة مستقلة، ولكن ليس في الوقت الحالي.
ولطالما أيد الطرفان رسمياً فكرة حل الدولتين للصراع، لكنّ كلاً منهما يتهم الآخر بأنه يمتلك خططاً لضم الأراضي الفلسطينية كلها، لكن إعلان ترامب بأن القدس عاصمة لإسرائيل، الشهر الماضي، غير كل هذه الحسابات.
وقال المفاوض الفلسطيني المخضرم، صائب عريقات، إن قرار ترامب كان بمثابة إعلان موت لحل الدولتين، وإنه يتعين على الفلسطينيين أن ينقلوا تركيزهم إلى «حل الدولة الواحدة مع حقوق متساوية»، وحاز موقف عريقات التأييد من قبل القيادة الفلسطينية، وبموجب هذه الفكرة ستتحول الحركة الفلسطينية إلى النضال من أجل الحصول على حقوق مدنية متساوية، بما فيها حرية الحركة، والتجمع، والتعبير، وحق التصويت في الانتخابات العامة، وقال البرغوثي «وثمة احتمال أن يكون رئيس الحكومة فلسطينياً».
عزاء مرير
ويرى الفلسطينيون أن حل الدولة الواحدة هو عزاء مرير، بعد عقود من النضال من أجل تأسيس الدولة بموجب اتفاقات أوسلو، التي يعتقد البعض أنها كانت بمثابة كسب الوقت من قبل إسرائيل لقضم مزيد من الأراضي الفلسطينية. وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا، أسعد غانم، الذي كان يعمل مع مجموعة من الفلسطينيين والإسرائيليين على فكرة حل الدولة منذ بعض الوقت: «عندما ندعم حل الدولتين فإننا ندعم نتنياهو، وحان الوقت لنا نحن الفلسطينيين لنقدم بديلاً لذلك».
وثمة العديد من الجهود التي تبذل الآن، وهناك مجموعة تطلق على نفسها «الحركة الشعبية من أجل دولة ديمقراطية واحدة»، يقودها أحد قادة «فتح» السابقين، راضي جاراي، الذي قبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي لمدة 12 عاماً، لإدانته بمساعدة إطلاق الانتفاضة الأولى عام 1987. وتخطط هذه المجموعة للقيام بحملة إعلامية تهدف إلى شرح الفكرة للفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية، وقال راضي مشيراً إلى شعبه «إنهم يعتقدون أن الدولة الواحدة تعني أنهم سيحملون الهوية الإسرائيلية ويعيشون تحت نظام الابارتايد، لكن فكرتنا هي العيش في دولة ديمقراطية يتمتع سكانها بحقوق متساوية».
ويقول حمادى جابر، منظم مجموعة يطلق عليها «مؤسسة الدولة الواحدة»، معلقاً «على الأقل 30% من الفلسطينيين يؤيدون فكرة الدولة الواحدة»، وتحظى الفكرة بدعم أقوى وسط الشبان، كما يقول منظم استطلاعات الرأي، خليل الشقاقي، خصوصاً الطلاب والمهنيين الذين طالبوا بتغيير الاستراتيجية منذ بدء الربيع العربي.
ويرى اليمين الإسرائيلي أن التخلي عن حل الدولتين يناسبه تماماً، لأنه يعتقد أنه يخلصه من تهديد على المدى البعيد. وينظر كثيرون إلى الوضع مع غزة التي انسحبت منها إسرائيل بصورة أحادية عام 2005، ويتخيلون قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية تسيطر عليها منظمة حركة «حماس»، حيث ستتساقط الصواريخ على مطار بن غوريون من الشرق، بدلاً من سقوطها على المزارع والمدارس في الجنوب.
المعضلة الديموغرافية
ولكن اليمين الإسرائيلي لم يوضح تماماً كيف ستتغلب دولة واحدة على المعضلة الديموغرافية، إذ إن استيعاب ثلاثة ملايين فلسطيني من الضفة الغربية، سيؤدي إما إلى نهاية إسرائيل أو تدمير الديمقراطية الإسرائيلية، إذا لم يحصل الفلسطينيون على حقوق متساوية. وحتى مع وجود أغلبية يهودية بسيطة لن يكونوا قادرين من الناحية السياسية، على منع الفلسطينيين من الحصول على مواطنة وحقوق كاملة، في دولة واحدة ذات سيادة. وقال عضو البرلمان الإسرائيلي عن حزب نتنياهو، ياؤوف كيش: «أنا لن أعطي مواطنة كاملة لأعداد كبيرة من العرب في الضفة الغربية»، وقال كيش إنه مستعد لمنح المواطنة الكاملة لنحو 30 ألفاً من الفلسطينيين سكان الضفة الغربية، الذين يعيشون في مناطق يريد من إسرائيل أن تفرض سيادتها عليها. ولكن مثل هذه المواقف لن تعجب الفلسطينيين. لكن على الرغم من وجهتي النظر المتباعدتين جداً بشأن حل الدولة الواحدة، إلا انهما متفقتان على أن حل الدولتين لم يعد ممكناً.
تكاليف باهظة
ولكنّ ثمة تشككاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين في أن القادة الفلسطينيين، أمثال السيد عريقات ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، يمكن أن يتخلوا حقاً عن اتفاق أوسلو الذي كرسوا حياتهم السياسية من أجله، لكن إذا تم انتخاب حكومة إسرائيلية أكثر ليبرالية، فإنها ستعمد إلى إحياء حل الدولتين للسلام بين الدولتين، ولكن التكاليف والصعوبات السياسية لانسحاب الإسرائيليين من الضفة الغربية تتزايد مع دخول كل مستوطن جديد إلى المناطق الفلسطينية. وأشار البرفسور دانييل كورتزر من جامعة برنستون الأميركية، الذي عمل سفيراً في مصر إبان إدارة الرئيس بيل كلينتون، وفي إسرائيل خلال إدارة الرئيس، جورج بوش الابن، إلى أن ثمة 120 ألف عامل فلسطيني يذهبون إلى إسرائيل يومياً، وتقدم قوات الأمن الفلسطينية مساعدات أمنية لإسرائيل من أجل حماية سكانها، كما أن وجود السلطة الفلسطينية يجعل إسرائيل في حل من القيام بالتزاماتها كقوة محتلة لرعاية اللاجئين. وقال كوتزر «ربما ستقولون إن الحل لن يحدث، ولكن يجب على الطرفين أن يعودا إلى رشدهما».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news