زيارة بنس للشرق الأوسط إمعــان في انحياز واشنطن لإسرائيل
لقي نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، استقبالاً حاراً من قبل أعضاء الحكومة الإسرائيلية، الذين عاملوه كصديق عزيز. وأثنى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على الزيارة بالقول، «على مدى سنوات، كان لي شرف الوقوف هنا مع مئات القادة، ورحبت بهم جميعاً، في العاصمة الإسرائيلية، القدس»، متابعاً «هذه هي المرة الأولى التي أقف فيها هنا، حيث يتم التأكيد بأن القدس عاصمة إسرائيل». ومن جهته، عبّر بنس عن سعادته باعتراف بلاده بالقدس عاصمة لإسرائيل، إلا أنه أردف قائلاً، «ولكن أيضاً، أتطلع إلى التحدث معكم (الإسرائيليين) بالتفصيل عن فرصة السلام». عندما اعترف الرئيس دونالد ترامب، بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتعهد بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب في ديسمبر، قال «أقدمت على ذلك مقتنعاً، وسنخلق فرصة للمضي قدماً في مفاوضات حسنة النية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية».
- زيارة بنس إشارة أخرى إلى أن إدارة البيت الأبيض تعتزم الوقوف إلى جانب إسرائيل في الشرق الأوسط، حيث أهمل بشكل واضح المسيحيين والأقليات الدينية الأخرى، وهي قضية أخرى تحظى بالقاعدة الإنجيلية في الإدارة. - لغة بنس القوية حول السلام، تكشف أن رحلته المحدودة تعتبر تذكيراً بأن دور أميركا كوسيط في الشرق الأوسط، أصبح أكثر تعقيداً في ظل حكم ترامب، بما في ذلك القضايا التي تعتبر حاسمة بالنسبة للرئيس. |
محاولة لتأمين سلام
قد تكون زيارة نائب الرئيس الأميركي لإسرائيل محاولة لتأمين سلام لم يتحقق لأكثر من 70 عاماً. ولكن زيارته تؤكد مدى انحراف الإدارة الأميركية بعيداً عن تسهيل ذلك المستقبل. وخلال خطابه أمام الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، أكد بنس مجدداً التزام الإدارة بنقل السفارة الأميركية، ووعد بأنها ستفتتح العام المقبل. ولكن في الأسابيع التي انقضت منذ أن أصدر ترامب إعلانه الأولي، استبعد قادة في الشرق الأوسط إمكانية المصالحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، في هذه الظروف. وبعد إعلان ترامب، أعلن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، رفضه الاجتماع مع نائب الرئيس الأميركي. وخلال خطاب بنس في الكنيست أول من أمس، طرد جميع الأعضاء العرب تقريباً بعد رفع علامات الاحتجاج.
وقد تكون الإدارة الأميركية قوضت، أيضاً، أهدافها في المنطقة.
في الأصل، كان من المفترض أن تركز رحلة بنس على الاضطهاد المسيحي، وفقاً لصحيفة «واشنطن بوست». لكن الزعماء الدينيين المؤثرين في مصر، بمن فيهم تاوضروس الثاني والبطريرك القبطي وشيخ الأزهر، أحمد الطيب، رفضوا الاجتماع معه. وتحدث زعماء مسيحيون فلسطينيون؛ من بينهم منيب يونان، الرئيس السابق للاتحاد اللوثري العالمي، ضد زيارة نائب الرئيس.
بالنسبة للغة بنس القوية حول السلام، فإن رحلته المحدودة تعتبر تذكيراً بأن دور أميركا كوسيط في الشرق الأوسط، أصبح أكثر تعقيداً في ظل حكم ترامب، بما في ذلك القضايا التي تعتبر حاسمة بالنسبة للرئيس.
صديق صهيون
وقد رفعت اللافتات المؤيدة لزيارة المسؤول الأميركي الرفيع، في «جيفات رام»، الحي المقدسي الذي يوجد فيه مكتب رئيس الوزراء، والمحكمة العليا ومبنى الكنيست. وكتب على واحدة من تلك اللافتات: «مرحباً بكم، نائب الرئيس بنس. أنت صديق حقيقي لصهيون!».
هذه اللافتة كشفت الكثير عن سبب وجود بنس في إسرائيل. اللافتة من إنتاج «أصدقاء صهيون»، وهي منظمة بقيادة يهود أميركيين تتلقى التمويل من قبل المسيحيين الإنجيليين، إلى حد كبير. بالإضافة إلى ما تعنيه لإسرائيل، فإن الرحلة هي أيضاً انعكاس للدائرة الدينية الخاصة لنائب الرئيس، في أميركا، التي تهتم بعمق بالعلاقة الأميركية مع إسرائيل.
يبدو أن سياسة إدارة ترامب في الشرق الأوسط قد شُكلت، على الأقل جزئياً، من قبل هذه القاعدة الدينية المؤثرة بشدة. وقد دعم أعضاء المجلس الاستشاري الإنجيلي للرئيس قراره بنقل السفارة، ودفعت الجماعات المسيحية الإدارة إلى الدفاع عن قضايا الحرية الدينية العالمية. وغالباً ما يتم إرسال بنس كممثل لهذه المجتمعات، وذلك جزئياً، لأنه يشارك توجهاتهم. وقال المحلل السياسي، ماكاي كوبينز، إن بنس يشرح وجهات نظره عن إسرائيل من خلال «الكتاب المقدس»، «إن دعمي لإسرائيل ينبع إلى حد كبير من إيماني الشخصي»، وفقاً لما صرّح به لدورية «كونغرس كوارتيرلي»، في عام 2002. وأثناء خطابه أمام الكنيست يوم الاثنين، أوضح نائب الرئيس أن «شعب الولايات المتحدة يُكنّ دائماً مودة خاصة وإعجاباً بأهل الكتاب».
لكن إدارة ترامب ومن يدعمها من الإنجيليين، لم يعطوا بالضرورة الأولوية لعملية السلام التقليدية، كما أظهرت الضغوط على العلاقات الخارجية الأميركية خلال زيارة بنس إلى الشرق الأوسط.
وخلال أول محطتين من زيارة نائب الرئيس، استمع إلى «قلق الرئيس عبدالفتاح السيسي العميق بشأن نقل السفارة»، وفي الأردن أبلغه الملك عبدالله أن الأميركيين بحاجة إلى إعادة بناء «الثقة»، مضيفاً أن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني الملتهب يشكل «مصدراً رئيساً محتملاً لعدم الاستقرار».
وفي الوقت نفسه، يبدو أن سعي ترامب إلى «الصفقة النهائية» بين إسرائيل والفلسطينيين، لديها فرصة ضئيلة للمضي قدماً، على الأقل من خلال اللاعبين التقليديين. وخلال خطاب استمر ساعتين في مدينة رام الله بالضفة الغربية، قبل أسبوع من وصول بنس، أعلن عباس أن «صفقة القرن» هي «صفعة هذا القرن»، وأكد أن السلطة الفلسطينية لن تقبل بواشنطن كمفاوض سلام، وقال «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين».
إلى ذلك، قرر ترامب تجميد 65 مليون دولار عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة الفلسطينيين، وترك الكثيرين يشعرون بالقلق.
ومن ناحية أخرى، أعربت الحكومة الإسرائيلية عن سعادتها بإعلان نقل السفارة. وعندما سأل صحافيون نتنياهو، يوم الاثنين الماضي، عن موعد نقل السفارة الأميركية إلى القدس، قال مازحاً «الأسبوع المقبل»، وأضاف أن «الحكومتين تريدان القيام بذلك»، وأن الأمر «مهم جداً» بالنسبة إليه. كما انتقد نتنياهو رئيس السلطة الفلسطينية، «لدي رسالة لأبومازن.. ليس هناك بديل للقيادة الأميركية في العملية الدبلوماسية»، متابعاً «كل من ليس له استعداد لإجراء محادثات مع الأميركيين حول السلام، فهو لا يريد السلام».
في حين أن زيارة بنس هي إشارة أخرى إلى أن إدارة البيت الأبيض تعتزم الوقوف إلى جانب إسرائيل في الشرق الأوسط، إذ إن خط سيره يهمل بشكل واضح المسيحيين والأقليات الدينية الأخرى المضطهدة، وهي قضية أخرى تحظى بالقاعدة الإنجيلية في الإدارة. وقد أكد بنس التزامه بهذه القضية مرات عدة، خلال العام الماضي، حيث أعلن في مايو الماضي أن «حماية الحرية الدينية هي أولوية للسياسة الخارجية لإدارة ترامب».
في أعقاب إعلان ترامب خطة السفارة، باتت عملية النقل أكثر صعوبة. ومع تأخير زيارة نائب الرئيس إلى ديسمبر، ثم تأجيلها مرة أخرى إلى يناير، تقلص برنامجه وانتقل للتركيز على الإرهاب والأمن. وتقول نينا شيا، التي تعمل في قضايا الحرية الدينية في معهد «هدسون»، في مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست»، «آمل أن تكون هذه أخبار غير صحيحة». وخلال كلمته أمام الكنيست دعا بنس إسرائيل والدول الأوروبية إلى الانضمام إلى الولايات المتحدة، في تقديم مساعدات للأقليات الدينية في الشرق الأوسط، حتى تتمكن جميع الأديان من الازدهار مرة أخرى في المناطق التي عاشت فيها طويلاً. ولم تحظ هذه المسألة إلا باهتمام قليل مقارنة بالموضوعين الرئيسين في خطاب بنس: القدس عاصمة إسرائيل، والإرهاب، كونه العدو الأكبر.
لذلك أصبحت رحلة المسؤول الأميركي فرصة لنتنياهو كي يثني على «صديقي العزيز مايك» أمام أعضاء الكنيست. وفي مراسم تحية صباح الاثنين، وقف الرجلان جنباً إلى جنب، أمام صفوف الجنود الإسرائيليين الذين يحملون بنادق طراز «إم 16»، واستمعا لفرقة عسكرية عزفت النشيدين الأميركي والإسرائيلي.
عاد بنس إلى بلاده بعد أن حصل على شيء واحد على الأقل ذهب من أجله: التأكيد على أن الحكومة الإسرائيلية مسرورة بإدارة ترامب. قال نتنياهو للكنيست يوم الاثنين، «إن أميركا ليس لديها صديق أفضل من إسرائيل»، متابعاً «وإسرائيل ليس لديها محاولة صديق أفضل من الولايات المتحدة». أما بنس فقد أجاب «أنا هنا لأنقل رسالة واضحة: أميركا تقف إلى جانب إسرائيل».