بعد عقد واحد من انكفاء الولايات المتحدة عن قيادة العالم
زيادة الإبادات الجماعية والمجاعات وتراجع الديمقراطية
ربما يكون ذلك من قبيل المصادفة، ولكن الحقيقة أنه بعد تراجع الولايات المتحدة عن قيادة العالم خلال العقد الماضي، اكتسب العديد من التوجهات الدولية زخماً ساماً، إذ تتراجع الديمقراطية بصورة ثابتة، استناداً إلى منظمة «دار الحرية»، التي وثقت دراستها السنوية حدوث انحدار في الديمقراطية للسنة الـ12 على التوالي، كما أن المجاعات تهدد أكبر عدد من الأشخاص من أي وقت مضى، إذ إن هناك عشرات الملايين يتعرضون لخطر المجاعات في دول مثل جنوب السودان والصومال، وغيرهما.
التغطية على الجرائم بهدف تغطية جرائمهم، قام الجنرالات البورميون بمنع معظم المنظمات الإنسانية من دخول المنطقة، وكذلك منع الصحافيين ومحققي الأمم المتحدة. وكان الصحافيان العاملان في وكالة «رويترز» للأنباء، اللذان كشفا أدلة على وقوع هذه الأهوال التي ارتكبها الجيش البورمي، وعلى وجود القبور الجماعية التي تم دفن الضحايا فيها، قد تم اعتقالهما، وسيحاكمان في رانغون أكبر مدن الدولة. |
والأسوأ من كل ذلك، فقد بات من السهولة بمكان على أي نظام حاكم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، دون أي مساءلة أو محاسبة من أي طرف كان.
وتتجه المأساة السورية نحو عامها الثامن، حيث تم ضرب الأطفال بالقنابل الكيماوية، وقصف المشافي، وقتل من فيها، دون وازع من ضمير. والآن تُظهر دولة مثل ميانمار (بورما سابقاً) كيف أن المجازر يمكن أن ترتكب بسرعة وشمولية، دون أن يواجه مرتكبوها أي جزاء ومساءلة من أحد.
ووقعت المجازر الوحشية البورمية قبل نحو خمسة أشهر، عندما قام عدد من عناصر ميليشيات تابعة لأقلية الروهينغا التي تخضع للظلم منذ زمن طويل، في ولاية راخين في جنوب بورما، بمهاجمة بعض مواقع الشرطة. وفي غضون بضعة أيام، شن الجيش البورمي حملة تطهير عرقي على المنطقة، حيث قام بتكتيكات وحشية ضد مدنيي الروهينغا، لم تسمع مثلها أذن ولا رأتها عين، حيث قاموا بذبح الأطفال، وحرق القرى، واغتصاب النساء بصورة جماعية، وبحلول شهر ديسمبر كان الجيش قد طرد نحو 645 ألفاً من الروهينغا عبر الحدود إلى بنغلاديش.
وعلى الرغم من ذلك، فإن العديد من الصحافيين العاملين في منظمات إخبارية غربية، ومجموعات لحقوق الإنسان، قد قاموا بجهود جبارة لوصف ما حدث للروهينغا عن طريق التدقيق في صور الأقمار الاصطناعية، وإجراء مقابلات مع الناجين من المجازر، الذين يعيشون في المخيمات البائسة في بنغلاديش. وعلى الرغم من أن ما هو معروف عن المجازر عبارة عن شذرات موزعة، إلا أنه مروع. وقامت منظمة «هيومن رايتس ووتش» لحقوق الإنسان بإحصاء 354 قرية تم تدميرها بصورة كلية أو جزئية، وإحداها هي قرية تولا تولي، التي كانت موطناً لنحو 4300 شخص عندما وصل إليها الجيش البورمي في 30 أغسطس.
قبل عقد من الآن كانت الولايات المتحدة تقود الجهود الدولية لإجبار الجيش البورمي على قبول العودة إلى الديمقراطية، ولكن الآن تقف الإدارة مكتوفة الأيدي، ضعيفة، في الوقت الذي يرتكب فيه الجيش نفسه جرائم وحشية دون محاسبة من أحد. |
واستناداً إلى تقرير مفصل لمنظمة «هيومن رايتس ووتش»، نشر الشهر الماضي، فإن المئات من الرجال تم وضعهم في طوابير، وإعدامهم على ضفة النهر، في حين تم نقل النساء على شكل مجموعات إلى المنازل واغتصابهن. وبعد ذلك جرى حرق هذه المنازل، بينما كانت النساء والأطفال محبوسين داخلها. وقال التقرير «وصف الناجون كيف كان الأطفال ينتزعون من أيدي أمهاتهم، ويتم قتلهم، أو يلقون في النار أو في النهر، أو يتعرضون للضرب الشديد أو يذبحون بالسكاكين على الأرض».
والآن، يستعد نظام بورما، الذي تترأسه اسمياً شخصية جعلتها الأقدار السيئة تتقلد جائزة نوبل للسلام، وهي اونغ سان سوكي، لتنفيذ الحلقة الأخيرة من التخريب والتقتيل.
وبعد قتل الكثير من سكان هذا المجتمع المضطهد أصلاً، إذ إن الروهينغا المسلمين لا يحملون جنسية بورما، اتفقت السلطات البورمية مع بنغلاديش على خطة لبدء نقل الناجين المقيمين في مخيمات بنغلاديش، حيث يحصلون على المساعدة، ويمكنهم أن يرووا ما حدث معهم للمحققين، إلى مراكز إعادة التوطين داخل بورما، حيث سيتم عزلهم عن وكالات المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة. ويقول الغالبية العظمى من الروهينغا إنهم لا يريدون العودة إلى راخين بهذه الطريقة، على الرغم من أن عمليات الترحيل من بنغلاديش ستبدأ خلال أيام.
وبالطبع، فإن هذه الخطة غير الإنسانية تثير احتجاجات الأمم المتحدة، وحكومات الدول الغربية. ولكن النظام البورمي كان رده هو ذاته دائماً على كل بيانات الشجب، والمتمثل بالتحدي والرفض. وقال المحقق من منظمة «هيومن رايتس ووتش»، ريتشارد فير: «الحكومة البورمية لا تكترث لأي أحد، وهي تنجو بجرائمها، وليس هناك من يستطيع أن يحاسبها عليها».
وللأمانة، فإن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قامت بجهود رمزية، حيث وصف وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، علناً، حملة النظام البورمي بأنها «تطهير عرقي»، وقال «العالم لا يستطيع الوقوف مكتوف الأيدي، ويشاهد الجرائم والأعمال الوحشية التي ترتكب أمام ناظريه»، وفي الشهر الماضي وضعت وزارة الخارجية أحد الجنرالات الحاكمين في بورما على قائمة منتهكي حقوق الإنسان، بموجب قانون المحاسبة الدولية. وحاولت ممثلة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، نيكي هالي، أن تتخذ أي إجراءات ضد بورما، لكنها فشلت، لأن الصين عارضت ذلك.
ولكن الأمر الذي لم تفعله الولايات المتحدة، هو ما اعتادت فعله في مثل هذه الأزمات، والمتمثل في استخدام قدرتها على الإقناع من أجل دفع دول العالم للضغط على بورما وبنغلاديش معاً. ولم يقل الرئيس ترامب أي شيء على العلن بشأن الروهينغا، حتى عندما حضر قمة دول جنوب شرق آسيا «أسيان» في الفلبين، في شهر نوفمبر الماضي. وأضاعت إدارة ترامب فرصة هذه القمة لحشد جيران بورما ضد هذه الأعمال الوحشية. ولم تعمل مع الدول الأوروبية لفرض عقوبات جماعية على ضباط الجيش البورمي، والمسؤولين الآخرين عن الأعمال الوحشية. ولكن الأغرب من ذلك، وهو الأمر الذي لا يمكن تصديقه، أنه لايزال يجري دعوة الضباط البورميين إلى تدريبات عسكرية، تحت رعاية أميركية في تايلاند، خلال العام الجاري.
وقبل عقد من الآن، كانت الولايات المتحدة تقود الجهود الدولية لإجبار الجيش البورمي على قبول العودة إلى الديمقراطية. ولكن الآن تقف الإدارة مكتوفة الأيدي، ضعيفة، في الوقت الذي يرتكب فيه الجيش ذاته الجرائم الوحشية دون محاسبة من أحد، وهذا أحد المعايير التي تؤكد تغير العالم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news