مع ازدياد أمد الحرب في سورية
روسيا تتخوّف من الغوص في وحول أفغانستان ثانية في الشرق الأوسط
وجّه مبعوث الرئيس الروسي الخاص لسورية، ألكسندر لافرينتييف، رسالة واضحة لا لبس فيها إلى 1393 سياسياً وزعيم قبيلة وزعيماً دينياً اجتمعوا في سوتشي، الأسبوع الماضي: «توصلوا إلى صفقة في الحال».
وبينما تسعى روسيا لإحداث اختراق في عملية السلام السورية المتعثرة، لم يكلف هذا المبعوث الرئاسي السوري نفسه حتى لمصافحة أيدي الضيوف، وبعد يوم من المفاوضات المضطربة أعلن لافرينتييف أن المشاركين السوريين في منتجع البحر الأسود، وافقوا على تشكيل لجنة لإصلاح الدستور. وقال إن الاتفاق «سيسهم في إنعاش عملية جنيف»، مشيراً إلى المفاوضات التي نظمتها الأمم المتحدة بهدف حل النزاع السوري المستمر منذ سبع سنوات.
وتبدو روسيا على عجلة من أمرها لإبرام اتفاق سياسي، بعد أن نجح تدخلها العسكري في ترجيح كفة الموقف لمصلحة الرئيس السوري، بشار الأسد، ما جعل موسكو أهم لاعب أجنبي في الأزمة التي تعتري البلاد. وتؤكد محادثات سوتشي، التي قاطعتها المعارضة السورية الرئيسة، مدى التحديات التي يواجهها الكرملين.
في سبتمبر 2015، تدخل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في الصراع السوري بحملة عسكرية، متعهداً بأنها ستكون حاسمة وسريعة. وبعد عامين ونصف العام تقريباً، وجد نفسه يغوص في أوحال أعمق من أي وقت مضى. ومن جانب آخر، أصبح الأسد أكثر صعوبة في السيطرة عليه في أعقاب نجاحه العسكري المدعوم من روسيا، وظلت الحكومات الغربية تنحي باللائمة على موسكو، متهمة إياها بالتحريض على سفك الدماء كلما استمرت الاشتباكات بين الحكومة السورية ومعارضيها. الشهر الماضي، أعلن بوتين أن التدخل الروسي في سورية أدى غرضه، وأن المهمة قد «أنجزت»، وأن «داعش» تم سحقه، وأن القوات الروسية ستبدأ العودة إلى ديارها. ومنذ ذلك الحين تعرضت قاعدة حميميم الجوية الروسية، في شمال غرب سورية، للهجوم مرتين على الأقل. وظل نظام الأسد يقصف بقايا الثوار بدعم جوي روسي، حيث قتل اكثر من 190 شخصاً في محافظة إدلب، الشهر الماضي.
الجدول الزمني للتدخل الروسي في سورية تدخلت روسيا عسكرياً في سبتمبر 2015 لدعم نظام الأسد، بعد ما يقرب من خمس سنوات من ثورة السوريين على حكمه. وفي أكتوبر2015 شكر الأسد الرئيس الروسي على دعمه العسكري، مشيداً بدور هذا الزعيم في التدخل لـ«محاربة الإرهاب»، وتحويل المد في هذه الحرب الأهلية لمصلحته. وفي نوفمبر 2015 أطلقت تركيا النار على مقاتلة روسية، وأسقطتها فوق الحدود السورية - التركية. واتهم بوتين في وقت لاحق أنقرة بتقديم الدعم العسكري للثوار. وفي نوفمبر 2016 أدى هجوم للنظام السوري، مدعوم من قبل القوات الجوية الروسية، لطرد الثوار من معقلهم الأخير في شرق حلب، ما جعل الكفة في الحرب ترجّح لمصلحة الأسد، إلا أن هذه الحملة قضت على عشرات المدنيين. وفي يناير 2017، توسطت روسيا وإيران وتركيا لعقد الجولة الأولى من محادثات أستانا بين الحكومة والمعارضة، واجتمعت الأطراف الرئيسة في الصراع السوري بالعاصمة كازاخستان، لإجراء مفاوضات تهدف إلى توطيد وقف إطلاق النار على الأرض. وفي نوفمبر 2017 في لقاء مع الأسد بمنتجع سوتشي على البحر الأسود، زعم بوتين أن الحملة العسكرية الروسية قد انتهت، وشكر الرئيس السوري الجيش الروسي على «إنقاذه لبلادنا». وفي ديسمبر 2017 أكد بوتين أن «داعش» قد هُزم، وادعي أن «المهمة قد أنجزت» في سورية. • تعتبر الحملة في سورية هي المرة الأولى التي ينخرط فيها الجيش الروسي، في مهمة تتجاوز كثيراً شواطئه، ولا تقتصر على عمليات قتال فحسب، بل تشمل أيضاً جهود وساطة ودعماً إنسانياً. |
كما شنت تركيا هجوماً ضد الميليشيات الكردية المدعومة من قبل الولايات المتحدة في بلدة عفرين، الواقعة على الحدود الشمالية الغربية السورية. ويقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط بالأكاديمية الروسية للعلوم، بوريس دولجوف: «رئيسنا على حق في القول إن (داعش) قد تم القضاء عليه، لكن جميع الصراعات الأخرى تزداد سوءاً»، ويضيف: «الحكومة تبالغ نوعاً ما في قدرة السوريين على إيجاد حل بأنفسهم، وتعتقد أن القضاء على (داعش) يعني أن الجزء العسكري من الصراع قد انتهى، ومع ذلك فإن الأطراف (المتحاربة) تراهن مرة أخرى على القوة»، وقد أفشلت الاضطرابات جهود موسكو في الاستفادة من الصراع السوري لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي تهيمن عليها الولايات المتحدة تقليدياً. حتى مستشارو الكرملين يعترفون بأن دور روسيا في سورية قد تخللته مشكلات مماثلة لتلك التي واجهتها الولايات المتحدة بعد غزو العراق وأفغانستان. إن أي اقتراح بأن روسيا قد تتعثر في نزاع طويل الأمد، من شأنه أن يستدعي للذاكرة الحرب الكارثية للاتحاد السوفييتي في أفغانستان.
مخاوف روسية
ويقول مدير مركز الدراسات العربية والإسلامية بمعهد الدراسات الشرقية بالأكاديمية الروسية للعلوم، فاسيلي كوزنيتسوف: «هناك مخاوف حقيقية في المجتمع الروسي من أفغانستان ثانية»، وفي سورية تتعلم موسكو من تجربتها، وتعتبر هذه الحملة هي المرة الأولى التي ينخرط فيها الجيش الروسي في مهمة تتجاوز كثيراً شواطئه، ولا تقتصر على عمليات قتال فحسب، بل تشمل أيضاً جهود وساطة ودعماً إنسانياً. ويقول كوزنيتسوف: «ما نواجهه في سورية يذكرني بفيديو» بيريسترويكا «ففي الوقت الذي تعتقد أنك جعلت الأرض ثابتة تحتك، تكتشف أنك تغوص مرة أخرى في الوحل، في هذه اللعبة ينبغي أن يدفع اللاعبون ضفدعاً لأرض آمنة من خلال القفز من لوح زنبق إلى التالي، وتظل منصات الزنبق تتحرك، ما يمثل الفوضى السياسية والاقتصادية التي تسببت فيها هذه الإصلاحات التي تم تنفيذها خلال الأيام التي كان فيها الاتحاد السوفييتي يحتضر».
ظلت مشكلات روسيا في سورية على شاشة مفتوحة في سوتشي، ففي غضون دقائق من الإعلان النهائي، ندد زعماء المعارضة السورية بالنتيجة التي توصلت إليها المفاوضات، ووصفوها بأنها مصممة خصيصاً لتناسب الأسد، وأصروا على أن ذلك لا صلة له بالقضية. ومع ذلك يقول المسؤولون الروس إنه من السابق لأوانه التقليل من شأن دبلوماسية موسكو في سورية، ويقول مسؤول كبير في السياسة الخارجية الروسية «ليس صحيحاً أننا زعمنا أن في استطاعتنا حل هذه المشكلة في غضون أشهر»، ويضيف «اعتقد بعض المسؤولين العسكريين أننا كنا نستطيع الدخول والخروج سريعاً إذا فعلنا ذلك على غرار نهجهم - أي نهج العسكريين - لكننا ندرك أن النهج الوحيد الذي تقود إليه الدبلوماسية يمكن أن يحقق حلاً دائماً».
ويقول المحللون الروس إن دفع بوتين لتسريع المفاوضات السياسية يشتمل في جزء منه على الاستهلاك المحلي، ويعتقد الخبير في النزاعات بمجلس الشؤون الدولية الروسي، غريغوري لوكيانوف «إن إعلان النصر كان يهدف إلى خلق انطباع بالنجاح في الفترة التي ستسبق الانتخابات الرئاسية المقبلة»، ويضيف «السرد الذي عرض على الجمهور الروسي يعكس أننا لسنا طرفاً في الصراع، وأن سورية ساحة معركة في الجغرافيا السياسية العالمية، وأن روسيا سادت حيث فشلت الولايات المتحدة». أحد مستشاري موفد الأمم المتحدة في سورية، فيتالي نومكين، يصر على أن موسكو مستعدة لهذه اللعبة الطويلة، وضرب مثلاً على ذلك بالنزاع العربي - الإسرائيلي، والخلاف المستمر منذ أعوام طويلة حول قبرص، قائلاً «كم من العقود مضت على العالم بأسره في محاولة منه لحل هاتين المشكلتين؟»، وأضاف «إننا نعمل مع الجميع، لأننا لا نقسم العالم بين حلفاء وخصوم».
ويقول السفير الروسي السابق في تركيا، فلاديمير سولوتسينسكي «نحن نأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف، لكننا لا نربطها بقيم أو أيديولوجية مثل الولايات المتحدة». ومع ذلك، فقد أثار مسؤول السياسة الخارجية الروسي ملاحظة حذرة عندما أضاف «ربما نقف في سورية في بداية طريق طويل».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news