العالم يهتم بفضيحة «أوكسفام» ويتجاهل وباء الكوليرا
في 12 يناير 2010 ضرب زلزال مدمر جزيرة هاييتي، وقتل 220 ألفاً من سكانها، وتميزت تلك الحادثة بأنها كانت فشلاً مريعاً ورهيباً من قبل الأطراف الخارجية، التي جاءت لتقديم العون والمساعدة للناجين من ذلك الزلزال. ومن بين هؤلاء جنود الأمم المتحدة القادمون من نيبال، التي كانت تعاني وباء الكوليرا في حينه، فجلبوا معهم المرض، ونقلوه إلى أنهار الجزيرة التي كانت تزود الهاييتيين بمياه الشرب.
وأسهم هذا الوباء، غير المعروف في الجزيرة، في قتل 7568 شخصاً خلال عامين من وقوع الزلزال، وهو الأمر الذي لم يكن معروفاً من قبل. ورفضت الأمم المتحدة الاعتراف بمسؤوليتها عن انتشار الكوليرا في الجزيرة، على الرغم من أن التقارير التي وضعها خبراء الأمم المتحدة أنفسهم عام 2012 تظهر أن انتشار الكوليرا من معسكرات الجنود النيباليين كان متوقعاً، ويمكن تجنبه. ولم تعترف الأمم المتحدة بمسؤوليتها عن انتشار وباء الكوليرا إلا في عام 2016، لكنها رفضت دفع تعويضات.
ويشعر كثيرون بالاستغراب والخجل معاً، عند مقارنة قلة الاهتمام التي أظهرتها وسائل الإعلام الدولية، والسياسيون، والكثير من المشاهير بكارثة وباء الكوليرا، التي كانت من صنع البشر، ونجم عنها مقتل الآلاف من الهاييتيين، بالغضب الهستيري الذي تم التعبير عنه جراء قيام موظفي «منظمة أوكسفام» الخيرية البريطانية بالذهاب إلى بائعات الهوى الهاييتيات عام 2011. وعلى الرغم من أن ما فعله رجال «أوكسفام» لم ينجم عنه وقوع ضحايا، إلا أنه تم استخدام ألفاظ قوية جداً لإدانته.
وبالطبع لا يمكن الدفاع عن سلوكيات هؤلاء الموظفين وكان من المفروض ألا يتصرفوا على هذه النحو، بالنظر إلى الدور المنوط بهم خلال وقوع تلك الكارثة، ولكن في واقع الأمر لم يتساءل أحد عما كانت تفعله «أوكسفام» في ذلك الوقت في هاييتي، إذ إنها كانت تعمل على وقف انتشار الوباء في أنحاء هاييتي، كما أنها كانت تقدم مياه الشرب لنحو 315 ألف شخص أصبحوا مشردين بسبب الزلزال. وأشار بيان صدر عن المنظمة في حينه، إلى أنها تواصل بذل الجهود لتعزيز البنية التحتية من أجل المرافق الصحية ومياه الشرب.
ولكن ما الذي أدى إلى مثل هذا الهيجان الإعلامي؟ يبدو أن الإعلام ينجذب بشدة نحو توجيه انتقادات لاذعة ضد كل من يفترض به أن يكون مثالاً في الأخلاق والسلوك الجيد، كالمنظمات الخيرية والأشخاص المصلحين وأمثالهم، عندما يرتكبون أخطاء يمكن أن تعتبر شيئاً عادياً بالنسبة للآخرين.
ومن السهولة بمكان انتقاد المنظمات الخيرية التي تقدم المساعدات، لأنه عادة ما يكون هناك تفاوت كبير في مستوى معيشة موظفي هذه المنظمات، ومستوى معيشة الشعب الذي جاؤوا لمساعدته. وأحياناً يكون مثل هذا التفاوت كبيراً جداً، كما هي الحال بالنسبة لموظفي المساعدات الذين عملوا في العاصمة الأفغانية كابول عام 2010، الذين كان بعضهم يحصلون على راتب يراوح بين 250 ألفاً و500 ألف دولار سنوياً، في دولة يعيش 43% من سكانها براتب يبلغ دولاراً واحداً يومياً. ومع ذلك من النادر أن يتم انتقاد مثل هذه الرواتب الضخمة التي تعطى لموظفي المنظمات الخيرية، أو المبالغة في الإنفاق الإداري لمثل هذه المنظمات.
ولكن كل هذه الأسباب لا يمكن أن تفسر الغضب الإعلامي غير المسبوق على «أوكسفام»، وربما أن التفسير الأنسب لذلك هو المزاج الذي أصبحت عليه وسائل الإعلام، إثر الادعاءات التي ظهرت ضد قطب الإنتاج السينمائي في هوليوود، هارفي وينستين، التي تفيد بأنه كان يتحرش ويعتدي على النساء منذ عقود عدة، مستغلاً سلطته لكونه يستطيع أن يجعل من الممثلة نجمة أو أن يدمر حياتها الفنية. وظهرت هذه القصة منذ أكتوبر الماضي، حيث أثارت موجة من الاتهامات ضد الرجال الذين يعملون في مناصب عليا، ويستغلونها للتحرش بالنساء. ويبدو أن قصة موظفي «أوكسفام» تأتي في هذا السياق، حيث يستخدم الرجال سلطاتهم لاستغلال النساء.
باتريك كوكبيرن
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news