الحكومة الإثيوبية تتراجع عن تعهدها بالإصلاح والديمقراطية
عندما استقال رئيس الوزراء الإثيوبي، هايلي ماريام ديسالين، من منصبه الخميس قبل الماضي، بعد نحو ثلاث سنوات من الاحتجاجات المستمرة ضد الحكومة، ذكر أنه فعل ذلك «كجزء من الحل»، ولتلبية مطالب الشعب، لينعم «بالتنمية، والديمقراطية، والحكم الرشيد».
بدأت الاضطرابات تهدد ركناً أساسياً من شرعية الحكومة، والمتمثل في النموذج الإنمائي، الذي حظي بتقدير واسع من المانحين الدوليين. فرض حالة الطوارئ في إثيوبيا لن يؤجل سوى ما هو حتمي. |
لكن لم تكن تلك العبارات دليلاً على محاولة للإصلاح، وإنما محاولة من النظام الاستبدادي لاحتواء أكبر تهديد لحكمه، منذ توليه السلطة قبل 26 عاماً، حيث إنه فرض، في اليوم التالي مباشرة، حالة طوارئ مدتها ستة أشهر. ويقول وزير الدفاع، سراج فيجيسا، إن هذه الإجراءات ستستمر لمدة ستة أشهر، لتهدئة «جيوب المناطق التي يسود فيها العنف». مع حظر الاحتجاجات، وكذلك وسائل الإعلام التي تحرض على العنف.
ويضيف فيجيسا أن حالة الطوارئ هذه ليست تمهيداً لاستيلاء الجيش على السلطة، أو لتشكيل حكومة انتقالية. ولم يذكر أي شيء عن تعيين رئيس وزراء جديد. ويرى العديد من المحللين أن فرض الطوارئ كان تحركاً يائساً من قبل حكومة لا تحظى بشعبية، وفشلت في ملء الفراغ القيادي الذي خلفه وفاة الزعيم الكاريزمي، ميليس زيناوي، الذي هيمن على النظام على مدار عقدين من الزمن، وتكافح الحكومة الحالية لكبح جماح السخط المتزايد بين المواطنين المتعلمين تعليماً جيداً، ولكنهم يشعرون بالإحباط.
ويقول المحلل السياسي الإثيوبي، حسين حسين، بجامعة سانت ماري في مينيابوليس بالولايات المتحدة، إن الأحداث الآن «تبدو كأنها ثورة ضد نظام يبذل كل ما في وسعه للبقاء في السلطة». ويضيف: «الأمور تتغير بسرعة كبيرة، ومن المستحيل الآن أن نقول إلى أين يمكن أن تنتهي»، ويسترسل «البلاد قد تدخل في فترة طويلة من الفوضى، لكنني أرى سيناريو للإطاحة بالحكومة نفسها». قبل ستة أسابيع من هذه التطورات كان المزاج مختلفاً جداً، حيث اعترف زعماء الأحزاب الأربعة المكونة للجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية الحاكمة، بأن الاضطهاد لم يوقف الاحتجاجات، التي يقول عنها ناشطون في مجال الحقوق المدنية: إن أكثر من 1000 محتج لقوا حتفهم جراءها، ودخل عشرات الآلاف منهم المعتقلات. وأطلقت الحكومة سراح أكثر من 6000 معتقل منذ أوائل يناير الماضي، من بينهم بعض السياسيين والصحافيين البارزين.
إلا أن المنعطف، الذي حدث قبل أسبوع، هو علامة على تزايد الضغط الشعبي على النظام. فقد حققت حالة طوارئ تم فرضها منذ أكتوبر 2016 إلى أغسطس 2017، حالة مؤقتة من الهدوء، في المناطق المضطربة بأوروميا وأمهرة. وهذه المناطق هي التي يتزايد فيها الشعور بالاستياء تجاه النخبة الحاكمة، المنتمية لولاية تيغراي الشمالية. ويطغى نفوذ الجبهة الشعبية لتحرير التغراي على الائتلاف الحاكم، على الرغم من أن قومية التغراي لا تمثل سوى 6%، من السكان البالغ عددهم 105 ملايين نسمة. والحزبان، اللذان يمثلان منطقتي أوروميا وأمهرة - ويمثلان معاً أكثر من 60% من السكان - أصبحا أكثر حزماً في مطالبهما بالتغيير، وتدرك الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية الحاكمة أنه لم يعد بإمكانها الاحتفاظ بقبضتها على السلطة من خلال القوة. كما بدأت الاضطرابات تهدد ركناً أساسياً من شرعية الحكومة، والمتمثل في النموذج الإنمائي، الذي حظي بتقدير واسع من المانحين الدوليين، حيث جعلت مجموعة من المبادرات التي تقودها الدولة والاستثمار الأجنبي في قطاعات رئيسة، مثل صناعة الملابس المنخفضة الكلفة، ومشروعات البنية التحتية - جعلت إثيوبيا واحداً من أسرع الاقتصادات نمواً في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ما ساعدها بالتالي على تحقيق نمو مزدوج الرقم في معظم سنوات العقد الماضي.
وكان الاقتصاد تعرَّض لضغوط العام الماضي، وعانى نقصاً حاداً في العملة الأجنبية بشكل خاص. يقول بعض المحللين إن حالة الطوارئ قد تمنح الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية وقتاً كافياً، للسيطرة على التطور السياسي في البلاد، إذا كان رئيس الوزراء المقبل هو مصلح من أوروميا. ويقول المحاضر في العلوم الاجتماعية بجامعة أديس أبابا، بيليت مولا: «إذا انصاعت الأجهزة العسكرية والأمنية للضغط العام، والضغط من داخل الائتلاف لتعيين شخصية ذات صدقية رئيساً للوزراء، فإنها ستهدئ بذلك الوضع الملتهب، خصوصاً إذا كانت هذه الشخصية من المعارضة». ويضيف: «لكنها - أي هذه الأجهزة - إذا سلكت الطريق العسكري، فإنني أستطيع أن أرى الرصاص يتطاير في الجو».
ويعتقد سياسيون معارضون أن تعيين رئيس وزراء إصلاحي التفكير سيكون خطوة أولى فقط. ويقول العضو البارز في الكونغرس الاتحادي للأورومو، مولاتو جيمشو، وهو أحد أحزاب المعارضة البارزة، أن الهدوء لن يعود إلا بـ«التغيير الحقيقي». ويضيف «نحن بحاجة إلى انتخابات حرة، والالتزام بالدستور، والقضاء الذي ليس هو أداة من أدوات النظام. لكن هذا النظام لا يمكنه أن يحدث تغييراً حقيقياً، إذا كان يريد الاستمرار في الحكم، لأنه سيفقد السلطة في يوم ما». ويوافق على هذه الرؤية أستاذ العلوم السياسية الإثيوبي بكلية غوينيت بجورجيا في الولايات المتحدة، يوهانس جدامو، ويقول إن فرض حالة الطوارئ لن يقود سوى إلى زيادة الاستياء تجاه النظام «المشكلة بالنسبة للجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية، هي أن الشعب يريد حقاً تغيير النظام، ويريد أن يذهب النظام برمته»، ويضيف: «حالة الطوارئ لن تؤجل سوى ما هو حتمي».