في خضم الانتخابات العامة
مرشحة إيطالية تتعرض للتهديد والتحرش
ستنطلق الانتخابات العامة في إيطاليا، غداً، وعندها سيتقرر مصير البلاد بانتخاب حكومة جديدة، ورئيس وزراء جديد. تجدر الإشارة إلى أن الحملة الانتخابية ظلت صعبة بشكل خاص على رئيسة البرلمان السابقة، لورا بولدريني، البالغة من العمر 56 عاماً، والمرشحة عن حزب الجناح اليساري، إذ ظلت بولدريني تتعرض لهجمات شخصية، وتحرشات ومضايقات جنسية في كثير من الأحيان، لكنها لم تشعر بالقلق كثيراً عندما تعرضت لتهديدات بالقتل، وعندما تلقت رصاصة في البريد.
الانتخابات تشهد عودة رئيس الوزراء السابق، سيلفيو برلسكوني، البالغ من العمر 81 عاماً، كقوة سياسية، وهو المعروف بتورطه في فضيحة جنسية مع قاصر، وتلقيه إدانة جنائية بتهمة الاحتيال الضريبي، وهو أيضاً أحد المعارضين لبولدريني. |
بولدريني، رئيسة البرلمان الإيطالي السابقة، وأرفع امرأة سياسية في البلاد، تعرضت لمستوى من التحرش، لدرجة أن خصومها وصوفوه بالمتطرف للغاية، حتى بالمعايير الإيطالية، والجزء الأكبر منه تعليقات ومضايقات جنسية على «فيس بوك»، وظلت هذه المضايقات متواصلة بلا هوادة، منذ توليها مهام منصبها في عام 2013، وبدأت في نشر أسماء مضايقيها على صفحتها الخاصة. وانتشرت عبارات على جدران المدن في جميع إيطاليا، مثل «الموت لبولدريني»، فخشيت على حياتها، وصارت لا تذهب إلى أي مكان إلا تحت حراسة أمنية مشددة.
تعيش بولدريني في روما، لكنها تنظّم حالياً حملة في ميلانو، قبل الانتخابات المزمع إجراؤها غداً، حيث تقيم في منزل غير معروف على أحد شوارع المدينة، ويظل موقعه من الأسرار الأمنية. ويبدو أن الانتخابات المقبلة واحدة من أكثر الأحداث اضطراباً في تاريخ إيطاليا الحديث، حيث تعرضت، قبيل تنظيمها، مجموعة من المهاجرين لإطلاق نار من مواطن أبيض، كما كانت هناك هجمات على الأحزاب الفاشية والجماعات اليسارية، واشتبك بعض المتظاهرين المناهضين للفاشية مع الشرطة في تظاهرات عنيفة.
استمرت التهديدات ضد بولدريني فترة طويلة، وظلت تتصدر الأخبار كثيراً، ففي الأسبوع الماضي ذكرت بولدريني لموقع «بوزفيد نيوز» الواسع الانتشار، أن ما يقلقها أكثر من أي شيء آخر هو تأثير هذه التهديدات على ابنتها، البالغة من العمر 24 عاماً «والدتها مهددة بقطع الرأس، أو بوضعها وسط مجموعة من الناس لاغتصابها»، وتتساءل: «هل يمكن أن تتخيل ماذا يعني ذلك لابنتي؟». لكنها تقول إن هذا الوضع جعلها غير خائفة، وأن عليها أن تتحدى حتى خصومها السياسيين الأكثر عدوانية «أنا لا أشعر بعدم الارتياح، لأنني إذا ظللت أتمعن في ما جرى لي في حياتي، فكم من المواقف المخيفة التي سأفكر فيها على الدوام، لهذا يجب ألا أشعر بالخوف».
وضعت بولدريني نفسها في صميم قضيتين تمزقان إيطاليا، أولاهما قضية المهاجرين، التي هيمنت على هذه الحملة الانتخابية. وكانت بولدريني مسؤولة سابقة رفيعة المستوى في وكالة الأمم المتحدة للاجئين، وظلت مناصرة صريحة لحقوق المهاجرين، على الرغم من بعض الفصائل العنصرية العلنية، التي تسعى للفوز بمكان في الحكومة المقبلة، من خلال استغلال ردود الأفعال العنيفة ضد ما يقرب من نصف مليون مهاجر وصلوا إلى إيطاليا منذ عام 2015.
ظلت بولدريني هدفاً مفضلاً للسياسيين اليمينيين والمتصيدين على الإنترنت، لكنها منذ البداية، عرّفت نفسها على أنها سياسية تريد أن تطلق ثورة في حقوق المرأة، في بلد يصنف في المرتبة الـ82 من أصل 144 بلداً على مؤشر المنتدى الاقتصادي العالمي للمساواة بين الجنسين، حيث لا يعمل ما يقرب من نصف النساء.
وفي الوقت الذي يدور فيه جدال في جميع أنحاء العالم عن عدم المساواة بين الجنسين، والتحرش الجنسي، تتجه الثقافة السياسية الإيطالية بشأن المرأة في الاتجاه المعاكس.
وتشهد هذه الانتخابات عودة رئيس الوزراء السابق، سيلفيو برلسكوني، البالغ من العمر 81 عاماً، كقوة سياسية، وهو المعروف بتورطه في فضيحة جنسية مع قاصر، وبتلقيه إدانة جنائية بتهمة الاحتيال الضريبي، وهو أيضاً واحد من المعارضين لبولدريني.
ويمضي حزب فورزا إيطاليا، الذي يتزعمه برلوسكوني، بشكل جيد في الاقتراع، وبما فيه الكفاية ليشكل الحكومة المقبلة، إلا أن السياسة الإيطالية أصبحت سباقاً إلى الحضيض، بفعل اثنين من الأحزاب المناهضة للمؤسسية، التي تنمو بسرعة بفضل وسائل الإعلام الاجتماعية، حيث تستقطب ردود الفعل العنيفة ضد الهجرة، وفي إحدى المناسبات قام زعيم أحد هذين الحزبين، وهو ماتيو سالفيني، رئيس حزب ليجا، بسحب دمية جنسية قابلة للنفخ على خشبة المسرح في يوليو 2016، وتحدث معها على أنها شبيهة بولدريني.
وتعتقد بولدريني أن الكراهية تتساوى تجاه المهاجرين والنساء، لأن الفصائل التي تنظم حملات ضد الهجرة، بدعوى أن الوافدين الجدد من إفريقيا أو الشرق الأوسط يغتصبون النساء الإيطاليات، هم أيضاً من يهددون النساء السياسيات بالاغتصاب. وقالت إن الرجال الذين من المحتمل أن يحكموا إيطاليا «يسعون للحصول على الأصوات على جثث النساء»، بينما يزعجون معارضاتهن بالاعتداءات الجنسية دون رقابة. وتقول «إن الذين يكرهون المهاجرين، والذين يكرهون النساء في مواقع السلطة، هم داخل الإطار الثقافي نفسه».
ويصفها منتقدوها بالشريرة، وغير المحببة، ويشيد بها مؤيدوها على أنها ممنهجة، وشجاعة، وغير متهاونة، ولكنْ هناك اتفاق واسع على أنها على الطرف المتضرر من أسوأ ثقافة سياسية في إيطاليا. ويحصل خصومها الأكثر ضراوة على فرصة جيدة للوجود في الحكومة. وتقول «أحياناً أشعر بأنني غير مفهومة، لأن البلاد ليست جاهزة بعد»، وتسترسل «أنا مستعدة للمواجهة، ولا أخفي نفسي، أريد أن أتحدى هذا الوضع، وكلما أتعرض للهجوم والتهديد أمضي أكثر إلى الأمام».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news