سكريبال وحلف شمال الأطلسي آخر ضحايا بوتين

إحدى النظريات التي يمكن أن ننحيها جانباً، ولا نكترث لها أبداً، هي أن محاولة قتل العميل الروسي المتقاعد بغاز الأعصاب في بريطانيا، كانت مخططة من قبل شخص يتطلع إلى تشويه سمعة (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين، وتقويض مكانته. فمنذ تلك الخطيئة الأصلية لحقبة بوتين (التفجيرات التي حدثت في احد مجمعات الشقق عام 1999 في روسيا، والتي أسفرت عن مقتل المئات من الروس خلال نومهم، والتي ألقي اللوم بشأنها بشكل غير مقنع على إرهابيين أجانب) ظل السؤال المطروح هو: هل أمر بوتين بذلك؟ أم أن تلك الأحداث تم تخطيطها من قبل «أصدقاء» يحاولون تنظيف مساره؟ ومن ضمن تلك القضايا: من الذي سمح لنظام صواريخ متطور للغاية في أوكرانيا بإسقاط طائرة ركاب ماليزية؟ من رتّب جريمة التسمم المميت عام 2006 في لندن، مستخدماً سلاحاً آخر غريب، ومن هو المنشق الروسي الكسندر ليتفينينكو؟ ومن الذي أمر بتصفية الخصم السياسي المحلي الأكثر احتكاكاً بالسيد بوتين، بوريس نيمتسوف؟ من المسؤول بالضبط عن نمط وكيفية تدخل روسيا في الانتخابات الغربية؟ (تشير الاعتقالات والوفيات غير المبررة في موسكو منذ نوفمبر 2016 إلى أن البعض يرى أن بوتين لم يكن سعيداً بالنتيجة). هذه الأسئلة لها دائماً معنى واحد: صورة بوتين المتقنة التي تقف وراء كل ذلك هي في الحقيقة وهمية. فهو يتدخل في مشروعات استخباراته واعمال رفاقه المجرمين فقط، عندما يضطر إلى ذلك، عندما يرى الخطر مقبلاً عليه بسبب فشله في ممارسة السيطرة.

هناك الآن عدد من المليارديرات والمسؤولين الأمنيين الذين يعتمدون على بقائه في السلطة، ويسعون للإيعاز للمنافسين والجمهور العريض في الداخل، بأنه يتمتع بالقوة والسطوة، حيث إن رسوخ قوته وسطوته في أذهانهم، سيجعلها محصنة ضد أي جهود غربية متخيلة أو حقيقية تسعى لإضعاف موقفه.

المكان المفضل

لطالما كانت لندن المكان المفضل لحلفاء بوتين لتكديس ثرواتهم المسروقة، والتعامل مع منافسيهم. ومنذ الهجوم الذي وقع اخيراً على الجاسوس الروسي المتقاعد، سيرجي سكريبال، يدعو رئيس سابق لسكوتلاند يارد الآن إلى التحقيق في 14 حالة وفاة أخرى غامضة تتعلق بروسيا. لقد أصبح من الصعب على حكومة رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، أن ترتب هذه الفوضى لكي تحتفظ باحترام جمهورها. لقد بدأ مفهوم جديد يحتل مكانه في أذهان الشعب البريطاني، ويتمثل في أن وضعاً أسوأ سوف يظهر للسطح، ما لم يقرر الحلفاء الغربيون رسم خطوط لا يتعداها بوتين.

وستكون أكبر مغامرة له على الاطلاق، بعد فوزه بالانتخابات، تنظيم حملة عدائية ضد عضو لصيق بحلف شمال الأطلسي (ناتو)، لكي يثبت بأن الحلف ليس سوى حقيبة فارغة. هناك سبب للقلق من مثل هذه الحملة. وهذا يقودنا بالطبع إلى (الرئيس الأميركي) دونالد ترامب، الذي تحدث بشيء من العقلانية في هذا الأمر قبل أن يصبح رئيساً، حيث قال إن بوتين يستطيع أن يتدخل في اي شيء في الغرب، لأننا سمحنا له بذلك. ويقول ترامب إن العلاقات مع روسيا ستتحسن فقط، عندما يواجَه بوتين من قبل شخص ما بالقدر نفسه من الحزم.

تفاقم التحدي

وبافتراض أن ترامب يفهم العبارات التي أطلقها، ينبغي عليه أن يفهم أيضاً بأنه فشل هو نفسه الآن في تحقيق النتيجة المرجوة. فعلى الرغم من اختلافاته الكثيرة مع وزير خارجيته السابق، ريكس تيلرسون، لكنه أقال تيلرسون بعد أن تحدث بقوة وبصراحة، بأن التحدي الذي يفرضه بوتين قد تفاقم في زمن ادارة ترامب. بريطانيا هي واحدة من أقرب حلفاء أميركا، وحتى الآن، ظل الرئيس ترامب يتحدث بأدب واحترام على الهاتف مع السيدة ماي، ولكن هل تستطيع الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب أن تقود مساعي مكثفة ومطولة ومكلفة لتغيير مسار روسيا؟

للأسف، تحولت روسيا بقيادة بوتين إلى مسار لا يمكنها أن تعود عنه في ظل بقاء بوتين في السلطة، ولايزال يخطط للاستمرار في السلطة. وبغض النظر عن خطابه هذا الشهر الذي تحدث فيه عن أسلحة تمثل معجزة في روسيا، فقد استطاع في السنوات الأخيرة إنشاء جيش خاص لحمايته الشخصية. ويسعى نظامه حالياً لإحياء مفوضية سوفييتية (أو جستابو جديد) لمراقبة الثقة السياسية للجيش النظامي. وفي هذه الأثناء، يبدو أن أصدقاءه المليارديرات قد آلوا على أنفسهم أن يعتمدوا عليه اعتماداً أبدياً.

هولمان دبليو. جنكينز : عضو مجلس إدارة الصحيفة