المحقق الخاص بمزاعم تورّط روسيا في الانتخابات.. معضلة ترامـــب
تزامناً مع انتشار الشائعات خلال عطلة نهاية الأسبوع بأن البيت الأبيض سيقيل قريباً المحقق الخاص الذي يحقق في التدخل الروسي بالانتخابات الرئاسية الأميركية، روبرت مولر، توقّع السيناتور ليندسي غراهام، على شبكة «سي إن إن»، بأن ذلك سيكون بداية النهاية لرئاسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث أعلن غراهام بوضوح «نحن دولة حكم القانون». نأمل من صميم فؤادنا أن يكون غراهام على حق، لأن حكم القانون هو ما يحمي المواطنين من حكومة تسيّرها عواطف وتحيزات قادتها. بعض القوانين أفضل من غيرها بالطبع، لكن البنية الأساسية للقانون - نظام القواعد المطبقة بشكل عادل للجميع - هي أفضل طريقة لكبح أسوأ مهددات الحرية.
غالباً ما يقال إن الآباء المؤسسين أنشأوا حكومة قوانين، وليس رجال قانون، لكن واقع الأمر هو الأكثر تعقيداً، لأن القوانين لا يمكنها تفسير أو فرض نفسها بنفسها. يشارك القضاة والمحلفون وأعضاء النيابة العامة والوكالات الحكومية (من بين آخرين) في تحويل الكلمات المكتوبة إلى ممارسات مؤسسية، وتوجد احتمالات الخطأ في كل خطوة. هكذا تفعل الأحداث لتحويل القانون إلى أداة ذات فائدة ذاتية أو ميزة حزبية.
مخاوف
• ترامب يمكنه إقالة مولر مباشرة من خلال التذرّع بسلطاته الدستورية بموجب المادة الثانية، التي تخوّله «تجاوز أو إبطال» إجراء وزارة العدل. • إقالة مولر من شأنها أن ترقى إلى فعل يُقاضى عليه الرئيس، إن كان ذلك من دون مبرّر مقنع. |
هذه المخاطر تسببت في مخاوف منذ آلاف السنين، فطوال التاريخين اليوناني والروماني، سخّر المتعصبون القانون كوسيلة لاضطهاد خصومهم. لا يوجد سبب للاعتقاد بأن المسؤولين اليوم في منجى من هذه الدوافع، ولهذا فإن الضوابط والتوازنات ضرورية للغاية. ويتم إطلاق يد المفتشين العامين في جميع أنحاء الفرع التنفيذي للتحقيق، في ادعاءات موثوقة تتعلق بارتكاب مخالفات، وتتم حمايتهم قدر الإمكان من الضغوط الحزبية. وفي الظروف الاستثنائية، يتم تعيين مستشارين ذوي سلطات واسعة النطاق، كما هو الحال في وضع مولر، لرصد تصرفات كبار المسؤولين.
ومع تواتر الإشارات، قبل أيام، بشأن حدوث مواجهة وشيكة بين مولر والبيت الأبيض، أصدر محامي البيت الأبيض، تاي كوب، بياناً أكد فيه أن «الرئيس لا يدرس أو يناقش طرد المحقق الخاص»، إلا أن هذا البيان لم يصل إلى حد التعهد بعدم القيام بذلك. ما زاد الطين بلة أن المحامي الشخصي لترامب، جون دود، اتخذ طريقة مختلفة، فبعد أن أقال المدعي العام، جيف سيشنز، نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، أندرو ماكابي، دعا دود نائب المدعي العام، رود روزنشتاين، إلى اتباع ذلك «المثال الرائع والشجاع» من أجل «وضع نهاية للتحقيق في التواطؤ الروسي المزعوم الذي صنعه جيمس كومي رئيس مكابي»، وادعى دود في البداية أنه أدلى بهذا البيان نيابة عن ترامب، لكنه ذكر في وقت لاحق أنه كان يتحدث عن نفسه فقط، ومع ذلك، اعتقد عدد قليل من المراقبين أنه فعل ذلك انطلاقاً من إرادته الخاصة.
وذكر غراهام، يوم الثلاثاء الماضي، أن إقالة مولر من شأنها أن ترقى الى فعل يقاضى عليه الرئيس، إن كان ذلك من دون مبرر مقنع، ولكن حتى لو لم تكن الاقالة ترقى الى الاطاحة بترامب، فإنها ستتمخض عن عاصفة سياسية من شأنها أن تحبط التقدم في جميع الأمور الأخرى خلال الفترة المتبقية لولاية الرئيس.
علاوة على ذلك، فإن الإقالة نفسها لم تكن أمراً مقبولاً، حيث إن القانون هو الذي يفوض المدعي العام السلطة المباشرة، لإقالة أي محقق خاص. ولكن بسبب انسحاب سيشنز من التحقيق في موضوع روسيا، فإن هذه السلطة تقع الآن على عاتق نائبه، روزنشتاين، فإذا أمره الرئيس بإقالة مولر، فإنه بالتأكيد لن يرضخ لذلك، عندها سيكون على ترامب الاختيار بين التراجع أو إقالة روزنشتاين.
خيار «مذبحة ليلة السبت»
هذا الخيار الأخير هو استخدام ترامب لما يطلق عليه «مذبحة ليلة السبت» الشهيرة التي ارتكبها الرئيس السابق ريتشارد نيكسون، والتي انتهت فقط عندما وافق النائب العام، روبرت بورك، (بصفته المدعي العام بالنيابة)، على تنفيذ أمر الرئيس بإقالة المدعي الخاص، أرشيبالد كوكس. وبسبب تقاعد بعض المسؤولين وخلو هذه الوظائف من شاغليها في وزارة العدل في ولاية ترامب، فإن المسؤول التالي بعد روزنشتاين في سلسلة القيادة هو المحامي العام، نويل فرانسيسكو. وعلى الرغم من أن الكثير منا لا يعرف على وجه اليقين تاريخ هذا الرجل في الوظيفة، فإن سجل فرانسيسكو في الخدمة العامة لا يوحي بأنه سيلتزم بأمر يعتبره غير متسق مع لوائح وزارة العدل السارية.
وتوقع الأستاذ بكلية هارفارد للقانون، جاك غولدسميث، بأن ترامب يمكنه إقالة مولر مباشرة من خلال التذرع بسلطاته الدستورية بموجب المادة الثانية، التي تخوله «تجاوز أو إبطال» إجراء وزارة العدل، لكن خبراء آخرين يختلفون معه، وحتى غولدسميث نفسه يعتقد أن الرئيس، اذا استخدم سلطاته الدستورية فإنه «يرتكب انتحاراً سياسياً» إذا ما أراد أن يسير في هذا الطريق.
في حديثه مع «فوكس نيوز صنداي»، عرض النائب الجمهوري، تري غودي، وهو مدّعٍ عام سابق ورئيس لجنة التحقيق في أحداث بنغازي، على الرئيس بعض النصائح الصريحة: «إذا كنت بريئاً فتصرف على هذا الأساس»، ويضيف «إذا لم تفعل شيئاً خاطئاً، فإنك سترغب قطعاً في أن تسير التحقيقات كما ينبغي لها».
وليام غالستون - كاتب عمود أسبوعي في السياسة والرأي بصحيفة «وول ستريت جورنال»