مخطوفو «داعش».. جرح سوري لن يندمل قريباً
خلال نوفمبر 2017، وفي أعقاب تحرير مدينة الرقة السورية من تنظيم «داعش» الإرهابي، كان الصحافي السوري عامر مطر يجلس بمنزله في برلين، وهو يراقب عدداً من الصور في حاسوبه المحمول، والتي جاءت عن مدينته الرقة، مسقط رأسه، على مدار ثلاث سنوات. وأدى تحرير الرقة، عبر حملة قادتها واشنطن إلى مقتل الآلاف من المدنيين، وتشريد 90% من السكان، وتدمير غالبية أحياء المدينة، حتى إن عامر لم يعرف حيّه ولا مدرسته. ولم تُعطِ تلك الصور أي جواب عن السؤال الذي كان يجول في خاطره، وهو مصير شقيقه محمد نور الآن؟
تصوير
في 8 أغسطس 2013 كان محمد يصور تظاهرة خارج المحكمة في الرقة، حيث كان المدنيون يحتجون على القتال الذي اندلع بين فصائل معارضة للنظام السوري، وهي أحرار الشام والجيش السوري الحر وجبهة النصرة التابعة للقاعدة، بعد تحرير الرقة من النظام، وخلال التظاهرة انفجرت سيارة وأدت إلى مقتل عدد كبير من الناس، ومن بقي حياً اعتقلهم أفراد من تنظيم داعش، الذي كان يحارب للسيطرة على الرقة أيضاً.
وبدأ عامر تغطية أخبار المعارضة للنظام السوري في عام 2011، لكنه اعتقل في ذلك العام من قبل قوات الحكومة، وبعد الإفراج عنه سافر إلى ألمانيا، ومن ثم عاد إلى الرقة بعد تحريرها من سيطرة النظام عام 2013، وصادف أن وصوله جاء يوم وقوع الانفجار. وفي صباح اليوم التالي ذهب برفقة أخيه الآخر ميزار للبحث عن أخيه محمد نور، الذي كان في العشرين من عمره. وبعد بحث مُضنٍ في الشارع الذي وقع فيه الانفجار، حيث كانت الجثث لاتزال ملقاة على الأرض، لم يتمكنا من العثور على محمد، وإن تمكنا من العثور على الكاميرا التي كان يستخدمها، وتوجها للبحث في المستشفيات الموجودة في الرقة، ولكن دون جدوى. وبعد مرور أسابيع عدة على الانفجار، تلقى رسالة من شخص مجهول كان معتقلاً في سجون «داعش»، قال إنه شاهد محمد نور داخل السجن.
مصير المعتقلين
• استناداً لما ذكره المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد اعتقل تنظيم «داعش» نحو 7000 سوري في الفترة ما بين 2013 و2017. وكانت أبرز التهم الموجهة إليهم الكتابة ضد «داعش» على مواقع التواصل، والقتال مع الجيش السوري الحر. • على الرغم من هزيمة «داعش» إلا أن الرعب الذي سبّبته هذه المجموعة سيلازم السوريين لسنين عدة، وربما لعقود. |
وانقضت أربع سنوات لم يسمع عامر عن أخيه محمد أي شيء، ولكن بعد تحرير الرقة أخذ يتساءل عن مصير الآلاف الذين اعتقلهم «داعش». وبدأ حملة أطلق عليها اسم «أين معتقلي داعش» وانضم إليه عدد كبير من سكان الرقة، بمن فيهم من يعيشون في المنفى للبحث عن أجوبة لتساؤلاتهم.
واستناداً لما ذكره المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد اعتقل «داعش» نحو 7000 سوري في الفترة ما بين 2013
و2017. وكانت أبرز التهم الموجهة إليهم الكتابة ضد «داعش» على مواقع التواصل، والقتال مع الجيش السوري الحر. وتم إعدام المئات منهم علناً في ساحات الرقة العامة.
وعلى الرغم من أن تنظيم «داعش» غادر وأبقى سجونه فارغة، إلا أنه ترك في محاكمه ملفات تحمل أسماء السجناء، والتي كانت تحمل اسم المعتقل والتهمة الموجهة إليه، إضافة الى العقوبة، وكان هناك تنويه إلى الذين تم إعدامهم. وأدرك عامر إنه يجب أن يفعل شيئاً لإيجاد هؤلاء الأشخاص. وقال: «إذا لم نفعل نحن شيئاً، فلن يفعل ذلك أحد آخر»، وبدأ العمل مع فريق من الناشطين في سورية، حيث كانوا يرسلون صور الفيديو للسجون الفارغة، إضافة إلى صور للمفقودين.
وكان خليفة الخضر، الذي يعيش في منطقة الباب بحلب، ضمن هذا الفريق. وقد اعتقله تنظيم «داعش» بينما كان في رحلة من حلب إلى الرقة، حيث تم إيقافه عند أحد حواجز التفتيش، واعتقل لأنه كان يحمل كاميرا. وهو يقول عن معاناته في السجن: «الأمر الأساسي الذي يجب عليك أن تفعله عندما تكون في زنزانة منفردة، هو العمل على أن لا تفقد عقلك. ولطالما كنت أسمع الصراخ وأرى التعذيب، ولكنني لم أتمكن من رؤية من يعذبون السجناء، لأنهم كانوا مقنّعين».
وكانت ظروف السجن لدى «داعش» سيئة جداً، اذ يعيش السجين في حالة من المعاناة المتواصلة.
وبعد ستة أشهر تمكن الخضر من الهرب. ففي أحد الأيام وبعد صلاة الصبح، وهو الوقت الذي يتم فيه جلب المعتقلين من أجل العمل الشاق، تمكن من الهرب عبر إحدى النوافذ في الناحية الخلفية من المبنى، وانطلق من خلال الأزقة الضيقة كي لا يعرفه أحد. وتمكن من الوصول سالماً إلى حلب، ولكنه لم يتخلص من مخاوفه، كما يقول.
ويقوم الخضر الآن بمرافقة قوات الدفاع المدني السوري المعروفين باسم «أصحاب الخوذ البيضاء»، وكانوا ينبشون القبور الجماعية في منطقة الباب والمناطق المجاورة، بحثاً عن الأشخاص الذين أمضوا معهم شهوراً في السجن. وقال الخضر إنه حتى الآن تم نبش 17 قبراً جماعياً، حيث تحولت غالبية الجثث المقبورة فيها إلى هياكل عظمية. وقال الخضر: «لسوء الحظ ليس لدينا أجهزة لتحديد هوية هذه الجثث»، وأضاف «تمنيت لو أستطيع أن أبلغ عائلات هذه الجثث، حتى يتمكنوا من دفنهم باحترام، ولكن من دون مساعدة المنظمات الدولية والأجهزة المناسبة فإن ذلك سيظل عملاً مستحيلاً».
ويقول عامر إنه يعتقد بأن المنظمات الدولية لن تشاركهم في هذا العمل، وأضاف «العديد من منظمات حقوق الانسان اتصلت به وسألته عن الجهود التي يقوم بها، لكنهم توقفوا عن ذلك، وهو أمر مفهوم، إذ إن سورية لاتزال مكاناً خطراً».
وأشار عامر إلى أن عملية تعريف الحمض النووي لجثث القبور الجماعية يمكن أن يستغرق أعواماً عدة. وأضاف «لايزال هناك الكثير من جثث الموتى تحت ركام المباني التي دمرت نتيجة القصف الجوي الذي قادته الولايات المتحدة. وممّا يؤسف له أن عائلتي والعائلات الأخرى لن تستطيع فعل أي شيء إلا الانتظار حتى تقدم منظمات حقوق الإنسان مزيداً من المساعدة».
وسُئل عامر عما إذا كان متفائلاً بهزيمة «داعش» في الرقة، أجاب بصراحة: «على الرغم من هزيمة (داعش)، إلا أن الرعب الذي سبّبته هذه المجموعة سيلازم السوريين لسنين عدة وربما لعقود»
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news