مستغلة الانكفاء الأميركي
روسيا دخلت الشرق الأوسط لتبقى وتواجه الغرب
عندما تدخلت روسيا في سورية في سبتمبر 2015 كان ذلك مفاجئاً للجميع، وكانت موسكو في حالة ضعف كامل، كما أن أحداً لم يخطر على باله أنها يمكن أن تعرض قوتها خارج حدودها في المستقبل المنظور، ولكن عندما قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنقاذ الرئيس السوري بشار الأسد من الحرب الدائرة في سورية تغير كل ذلك.
وإثر ذلك ظهر مفهومان مختلفان تماماً عن قوة روسيا، فقد فهم العديد من المحللين أن عرض القوة الروسي والنفوذ في الشرق الأوسط هو مؤشر إلى التنافس الدولي بين واشنطن وموسكو في الماضي والحاضر والمستقبل، ولكن هناك أيضاً مجموعة من المحللين الذين رفضوا هذه الفكرة، وقالوا إنهم يعتقدون أن روسيا في واقع الأمر ضعيفة ومفلسة مالياً، وأنها تورطت في سورية.
استراتيجية قوية
ولكن في الحقيقة يبدو أن روسيا تملك استراتيجية وقوة مهمة. والسؤال هنا ما الذي ستفعله الولايات المتحدة مقابل ذلك؟ في 26 ديسمبر 1991 تم إنزال المطرقة والمنجل من علم الاتحاد السوفييتي، وبعدها عاش بوتين أياماً رهيبة، ليس لأنه شيوعي أصيل، ولكن لأنه قومي متشدد، والآن حان الوقت كي يعوض ثلاثة عقود من الإذلال عاشتها روسيا، وليس هناك أفضل من الشرق الأوسط كي يبدأ ذلك، حيث الولايات المتحدة أصبحت مكروهة على نطاق واسع حتى من حلفائها.
• يجب على صانعي السياسة الأميركية الاعتراف بأن موسكو لن تخرج من سورية، إذ إن لديها استراتيجية لإضعاف الغرب وشرعت بها في الشرق الأوسط. |
ومنذ أن بدأت موسكو بعرض قوتها في سورية، كرس الروس أنفسهم بديلاً ذا مصداقية عن الأميركيين لحلفاء واشنطن التقليديين في المنطقة، وعن طريق بعض صفقات السلاح والاتفاقات الاقتصادية، والمناورات الدبلوماسية، تمكنت روسيا من جذب تركيا ومصر إلى جانبها وإن لم يكن بصورة شاملة، حتى الإسرائيليون ذهبوا إلى موسكو خلال السنوات الماضية من أجل مصالحهم في سورية، وهذا إنجاز كبير إذ تحول الشرق الأوسط من منطقة تسيطر عليها أميركا بصورة شاملة إلى مكان تتصارع عليه أميركا وروسيا، وأظهرت موسكو في سورية إرادة سياسية وقدرة على البقاء فيها، وهذا أكثر أهمية من مؤشر ضعف اقتصاد موسكو.
وبناء عليه، ما الذي يتعين على الولايات المتحدة فعله بشأن روسيا في الشرق الأوسط؟ قبل أي شيء يجب على صانعي السياسة الاميركية الاعتراف بأن موسكو لن تخرج من سورية، اذ إن لديها استراتيجية لإضعاف الغرب وشرعت بها في الشرق الأوسط.
والخطوة التالية بالنسبة للمسؤولين أن يطرحوا على أنفسهم سؤالين: أولاً ما هو المهم بالنسبة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟ الجواب ببساطة هو احتواء إيران، ومكافحة الإرهاب، والحفاظ على أمن إسرائيل، وضمان عدم سيطرة أي دولة على المنطقة. وثانياً، ما الذي جعل قادة دول المنطقة يتقربون إلى موسكو؟ والجواب هنا أقل وضوحاً وربما مثير للجدل أيضاً.
ولطالما اعتمد قادة دول المنطقة في أمنهم على الولايات المتحدة، ولكن خلال العقد المنصرم شعر هؤلاء القادة بأنه لم يعد بإمكانهم الاعتماد على واشنطن، ولذلك كان عليهم البحث عن بديل آخر هو روسيا الآن، وبناء عليه فإن أفضل شيء يمكن أن يقوم به الأميركيون لمواجهة الوجود الروسي في الشرق الأوسط هو التخلي عن المشاحنات الحزبية، التي تضعف استقرار الولايات المتحدة، وإذا لم يفعل الكونغرس والبيت الأبيض ذلك سريعاً فسيجدون أنفسهم مجبرين على التنازل عن جزء كبير من الشرق الأوسط لموسكو، وهو أمر يعتبر أحد أكبر الأخطاء في السياسة الخارجية الأميركية.
التزام تجاه الأصدقاء
وإضافة إلى ذلك يجب على واشنطن أن تؤكد التزامها بأمن أصدقائها وحلفائها، خصوصاً إذا كانوا يدعمون المصالح الأميركية في المنطقة، وهذا ليس بمجرد الكلام وإنما بالفعل، إذ ينبغي نشر قوات أميركية في سورية ضد تنظيم «داعش» وإيران، وهذا يعني إعادة المساعدة العسكرية لمصر ودعم دول المنطقة بحيث تكون غير مضطرة إلى طلب المعونة من روسيا. ويعني أيضاً استخدام القوة الأميركية لتدمير قدرات الإيرانيين، والحوثيين في اليمن الذين يهددون الأمن في السعودية بالصواريخ التي يطلقونها عليها.
وفي حقيقة الأمر إذا كانت روسيا أكثر قوة مما كانت عليه في العقود الماضية، فإن ذلك لا يعني أنها قوية، اذ إنها تعرض عضلاتها على ميليشيات ضعيفة وغير مسلحة جيداً، ناهيك بقتلها للأطفال الأبرياء، وما حدث للمرتزقة الروس الذين قتلوا جميعاً في شهر فبراير الماضي هو أكبر دليل على أنهم ليسوا أهلاً لمواجهة الجيش الأميركي.
عمليات الخداع
وللتركيز على هذه النقطة، يتعين على الولايات المتحدة كشف عمليات الخداع التي قامت بها روسيا، إذ إن ثمة مرات قليلة احتجت فيها واشنطن على مناورات روسيا غير الآمنة في الهواء والبحار، ويتعين على الولايات المتحدة الرد بعنف على ذلك. بالطبع ثمة مخاطر من التصعيد، ولكن هناك مساوئ أيضاً من الظهور بمظهر الضعفاء في وجه الاستفزاز الروسي. وفي النهاية فإن الولايات المتحدة ستقدم لنفسها فوائد كثيرة إذا شاركت في حملة حرب المعلومات الخاصة بها، وركزت على عدد السوريين الذين قتلهم الروس، وعدد المسلمين الذين قتلهم بوتين في شيشانيا، وعدد المتطرفين الذين يظهرون جراء تصرفات موسكو.
وإذا كانت الولايات المتحدة قد دخلت في عصر تنافس القوى العظمى، فقد حان الوقت الآن بالنسبة لها لمعالجة هذا الوضع بصورة جدية، وينبغي تحرير بوتين من وهم أن الشرق الأوسط هو المكان الملائم كي يبدأ فيه بإضعاف الغرب والولايات المتحدة. وكان الأميركيون قد عملوا على احتواء موسكو، ومنعوها من فرض نفوذها في المنطقة، فليس هناك أي سبب للاعتقاد بأنهم عاجزون الآن عن فعل ذلك من جديد. ولكن يجب أن يكون لديهم الحكمة لمعرفة ما هو المهم حالياً في العالم، والجرأة الكافية لمواجهة التحديات، اذ إن ذلك لم يعد جلياً بالنسبة لقادة الشرق الأوسط.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news