أميركا غائبة عن الشرق الأوسط منذ فترة طويلة
إذا كنت تريد لمحة عن عالم ما بعد أميركا، فانظر إلى سورية. قال الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في الآونة الأخيرة: «دعوا الآخرين يعتنون بها الآن». وقد يغير رأيه لفترة وجيزة بعد الهجوم المزعوم بالأسلحة الكيماوية الأسبوع الماضي. وبعد ست سنوات من إعلان سلفه، باراك أوباما، أن بشار الأسد يجب أن يرحل، فإن الدكتاتور الأكثر وحشية في العالم، أكثر أمناً من أي وقت مضى. وإن مستقبل سورية ستتم تسويته من قبل روسيا وإيران وتركيا، حيث تريد الدولتان الأولى والثانية الحفاظ على الرئيس السوري في السلطة.
أميركا لم تعد تعرف أيَّ دور تلعبه، فهي لا تدعم المزيد من الديمقراطية في الشرق الأوسط، ولا تعارضها. |
ومهما كان رأي ترامب في المنطقة، في المناسبات النادرة التي يُجبَر فيها على القيام بذلك، فمن المرجح أن يتغير. وحتى لو كانت الصواريخ الأميركية لطيفة وجديدة و«ذكية»، كما قال ترامب على «تويتر»، يوم الأربعاء، فسيتم استئناف فك الارتباط في البلاد.
ويعتبر ترامب أحد الأعراض، وليس سبباً للتعب الأميركي عالمياً. نقطة التحول الرئيسة في الشرق الأوسط جاءت في لحظتين مع بداية هذا القرن: الأولى كانت عندما حاول بيل كلينتون، دون جدوى، التوسط في صفقة بين إسرائيل والفلسطينيين. ولأن الصفقة ظلت عالقة، كانت هناك شكوى عربية عميقة ضد الولايات المتحدة، وأقوى عذر للمنطقة للقمع المحلي. الفكرة القائلة بأن ترامب يستطيع إخراج صفقة الدولتين من القبعة، كانت بعيدة المنال قبل أن يقول إنه سينقل السفارة الأميركية إلى القدس. إنها مزحة.
والثانية هي هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية. لقد تغيرت سياسة الولايات المتحدة منذ ذلك الحين. سورية هي نتيجتها الأكثر دموية. ولكي نكون منصفين إزاء ترامب، فهو لا يكاد يكون مسؤولاً عن أيٍّ منها. إن القرار في عهد جورج بوش الابن بحل الجيش العراقي وطرد المنتسبين لحزب البعث، قد أرسى جذور تنظيم «داعش». قرار باراك أوباما بسحب القوات الأميركية من العراق عام 2011، أعطى التنظيم المتطرف الفرصة لملء الفراغ. إن قراره في عام 2013 بعدم إنفاذ تهديد «الخط الأحمر» ضد استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية، أعطى فرصة لتدخل روسيا. هرع رئيسها فلاديمير بوتين لملء الفراغ. باتت الولايات المتحدة لاعباً هامشياً في سورية منذ ذلك الحين. إن إطلاق صواريخ أميركية، مرة أخرى، سوف يغير القليل.
كل واحد من هذه الأخطاء كان متجذراً في خطأ سابق. كان أوباما يرغب في التراجع عن حروب بوش المفضلة. ويريد ترامب الآن محو كل ما فعله أوباما. والنتيجة هي أن أميركا لم تعد تعرف أيّ دور تلعبه. فهي لا تدعم المزيد من الديمقراطية في الشرق الأوسط، ولا تعارضها. ترامب هو مثال لخسارة بلاده الاهتمام بما يجري. ينبغي ألا يكون من المفاجئ أن اللاعبين في المنطقة - حتى إسرائيل - ينظرون إلى أماكن أخرى لملء الفراغ. لقد أمضى رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، قدراً كبيراً من الوقت في موسكو، في السنوات القليلة الماضية.
وعلى الرغم من أنه لا يلام على هذه التركة، فإن ترامب جعل الأمر أسوأ. تبنى ثلاث سياسات محددة في الشرق الأوسط في حملته: الأولى هي حل المشكلة الإسرائيلية - الفلسطينية على أساس الغرور، بدلاً من فهم المتناقضات. ويعتقد أنه قادر على النجاح حيث أخفق الآخرون. والثانية هي الانسحاب من اتفاقية أوباما النووية مع إيران، واصفاً إياها بأنها «أسوأ صفقة على الإطلاق». مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي الجديد، جون بولتون، هو خصم للصفقة أقوى حتى من رئيسه. والثالثة هي «القضاء على داعش»، ثم الانسحاب من سورية.
هذه هي النتائج غير المقصودة - ولكن المتوقعة - لأفعال ترامب. سوف تصل ارتداداتها خارج الشرق الأوسط. لماذا يجب على كيم جونغ أون، دكتاتور كوريا الشمالية، إبرام صفقة نووية مع ترامب، في وقت يعتزم فيه الأخير تفكيك صفقة إيران؟ إلى من يجب أن يتحول العرب السُّنة اليائسون في سورية، إذا استعاد نظام دمشق سيطرته؟ وما مدى سهولة الأمر بالنسبة لتنظيم «داعش» لجذب مجندين جدد؟ كيف يمكن لروسيا أن تترجم وجودها المتزايد في الشرق الأوسط إلى نفوذ أكبر خارج المنطقة؟ مثل هذه الأسئلة لا تبرز في حسابات ترامب. اهتمامه محلي أكثر. لقد فقد الرأي العام الأميركي رغبته في القيام بأي شيء محفوف بالمخاطر في الشرق الأوسط. كان هذا صحيحاً قبل أن يتولى ترامب السلطة.
إدوارد لوس كاتب ومحلل سياسي