إسرائيل تخشى المتظاهرين العزل
في 30 مارس 2018، تظاهر نحو 30 ألف شخص في غزة. وقامت القوات الإسرائيلية بإطلاق النار على المراهق الفلسطيني عبدالفتاح عبدالنبي، الذي كان يركض بعيداً عن السياج الفاصل بين غزة وإسرائيل، لمساعدة مراهق آخر كان يركض بعيداً عن السياج أيضاً. لكن الجنود الإسرائيليون ظلوا يطلقون عليه النار حتى قتلوه. وفي اليوم ذاته قتل الجنود الإسرئيليون المزارع الفلسطيني عمر سمور (27 عاماً)، بينما كان يقوم بجمع الخضار من حقله. وتم قتله بقذيفة دبابة بزعم أنه بدا «مثيراً للريبة»، وبعد أسبوع زحف المتظاهرون بأعداد كبيرة أيضاً. ومنذ بدء تظاهرات الزحف الكبير من أجل العودة، قتل الإسرائيليون 31 فلسطينياً، وجرحوا نحو 2700 آخرين، بمن فيهم خمسة من الصحافيين.
• 96 % من المياه في غزة غير صالحة للشرب، في حين أن 80% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، وارتفع معدل البطالة إلى نحو 40%، • وهو الأعلى في العالم، وبات النظام الصحي على شفير الانهيار، كما أن 40% من الأطفال يعانون فقر الدم، وسوء التغذية. إسرائيل ليست مشكلة الفلسطينيين فقط في حقيقة الأمر، إن إسرائيل ليست مشكلة الفلسطينيين فحسب، فعلى الرغم من أن إسرائيل استعمرت فلسطين، فإنها شاركت في قمع شعوب أخرى من الملونين في شتى أنحاء العالم. ولطالما كان للحكومة الإسرائيلية ومؤسستها الأمنية تاريخ طويل في دعم الأنظمة القمعية في أميركا الوسطى والجنوبية، حيث قامت بتطوير سياسات وأشكال من التقنيات القمعية، كما أنها عملت على تدريب شرطة الولايات المتحدة. وبالنسبة للفلسطينيين، وجميع الشعوب الأصلية التي تطالب بالعدالة، يتعين عليهم استعادة أراضيهم في نهاية الأمر. ويدرك جميع الفلسطينيين ذلك، والإسرائيليون أيضاً، لذلك فإن الإسرائيليين يرفضون الخوض في أي نقاش يتعلق بحقوق الفلسطينيين في أراضيهم، وذلك عن طريق إطلاق النار على العزل والصحافيين والمزارعين منهم. ويشكل عدم شرعية إسرائيل كدولة، وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين وكذلك نسلهم، والمحفوظ قانونياً، القضية المركزية التي ترفض إسرائيل أن تراها. أما بالنسبة للذين يقولون إن الحقائق على الأرض تجعل إلغاء الاستعمار في فلسطين غير ممكن، فعليهم أن يتذكروا أن الفرنسيين اعتقدوا ذلك بشأن الجزائر. وكان الرئيس الفرنسي السابق تشارلز ديغول، قال ذات يوم «الجزائر ستظل دائماً فرنسية»، في وقت كان فيه المشروع الفرنسي الاستيطاني في الجزائر في أوج قوته، لكن وجودهم انتهى عام 1962. وفي نهاية المطاف، فإن الشعب الفلسطيني سيحرر نفسه، وإذا كان المرء يرفض تفوق البيض، وكان يهمه حياة السود والسمر، فعليه أن يرفض شرعية إسرائيل كدولة استعمارية استيطانية. ويقوم بدعم مقاطعة إسرائيل، ورفض الاستثمار فيها، وفرض العقوبات ضدها. |
لماذا يطلقون النار
والسؤال الملح هناك: لماذا يطلق الجنود الإسرائيليون النار على المراهقين الهاربين من السياج إضافة إلى الصحافيين، والمزارعين الفلسطينيين؟ بالطبع إن إسرائيل هي أقوى دول غرب آسيا وأكثرها تسليحاً، فَلِمَ الخوف؟ في واقع الأمر إن الحكومات الاستعمارية تكون في أضعف حالاتها، عندما تستخدم القوة الصرفة ضد السكان الأصليين لديها. وإسرائيل الآن تخشى ما خشيته جميع المشروعات الاستعمارية، وهو إطلاق التساؤلات بشأن شرعيتها، إذ إن الاحتجاجات الجماهيرية في غزة، توضح أن إسرائيل ليست شرعية وإنما استعمارية، بنيت على عمليات إبادة السكان الفلسطينيين أصحاب البلد الأصليين (حيث ارتكبت المذابح والطرد القسري وسرقة الأراضي)، وفي عام 1948 تم استعمار 78% من الأراضي الفلسطينية بالعنف، لإنشاء ما بات يعرف بإسرائيل. وفي عام 1967 تم احتلال الـ22% الأخرى.
ويتألف معظم سكان غزة من لاجئي فلسطين التاريخية. وتحول بعضهم إلى لاجئين مرات عدة، بسبب الاستعمار الإسرائيلي. واستمرت سرقة الأراضي في الضفة الغربية والنقب والقدس، لبناء مزيد من المستوطنات اليهودية الصرفة. وفي الأسبوع الماضي، أجبر المستوطنون المسلحون المزارعين الفلسطينيين على مغادرة أراضيهم، في قرية تقع جنوب بيت لحم.
ولم يتبق تحت سيطرة الفلسطينيين من أراضي فلسطين التاريخية سوى 4%، وحتى هذا الجزء من الأرض، لا يمتلكون السيادة عليه، إذ إنهم يتعرضون للاعتداءات العسكرية واعتقال قياداتهم السياسية، وليست لهم سيطرة على الجو ولا على المياه الجوفية، كما أن حواجز التفتيش تحدُّ حركة الفلسطينيين.
حصار مطلق
ويخضع قطاع غزة لحصار بحري، وجوي، وتجويع، من قبل إسرائيل منذ 11 عاماً، حيث يتم منع دخول الطعام والدواء ومواد إعادة البناء إلى غزة. وقامت إسرائيل بمهاجمة القطاع ثلاث مرات خلال الـ12 عاماً الماضية، وقتلت أعداداً كبيرة من السكان ودمرت أحياء بأكملها. وبات 96% من المياه في غزة غير صالحة للشرب، في حين أن 80% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، وارتفع معدل البطالة إلى نحو 40% وهو الأعلى في العالم، وبات النظام الصحي على شفير الانهيار، كما أن 40% من الأطفال يعانون فقر الدم وسوء التغذية.
لكن لماذا يكون حصار غزة بمثل هذه الوحشية، ومع ذلك فإنه غير مرئي بالنسبة للغرب؟ لأن حياة السكان السمر والسود غير مهمة بالنسبة لحكومات الولايات المتحدة وأوروبا، طالما أنهم يموتون بهدوء. ويصبح الفلسطينيون مرئيين عندما يموتون أو يقتلون بالرصاص بأعداد كبيرة، إذ إن تجاهل المذابح يؤذي المشاعر الغربية، ومع ذلك فإن تقارير الإعلام الغربي تتحدث عن حالات القتل والإصابات في صفوف الفلسطينيين بلغة المبني للمجهول.
وعلى الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية تريد من العالم أن يصدق أن المقاومة الفلسطينية هي السبب في عدم التوصل إلى السلام، لكن المقاومة الفلسطينية اتخذت تاريخياً الكثير من الأشكال مثل الاحتجاج والإضرابات والمقاطعة والإضراب عن الطعام إضافة إلى المقاومة المسلحة ضد الجيش الإسرائيلي. وفي النقب احتج بدو فلسطين بصورة غير عنيفة ضد سرقة أراضيهم منذ عقود عدة، لكن حكومة إسرائيل استمرت في طردهم بالعنف من أراضيهم، بصورة غير مرئية تقريباً من قبل العالم. وتبذل الولايات المتحدة والدول الأوروبية جهوداً لجعل الخوض في موضوع عدم شرعية إسرائيل عملاً مخالفاً للقانون، في حين أنها تبذل جهوداً كبيرة لمعاقبة كل من يشارك في حملة المقاطعة، وسحب الاستثمارات، والعقوبات ضد إسرائيل، التي بدورها تبذل كل ما بوسعها لقمع جميع أشكال المقاومة الفلسطينية.
أمر غير مستغرب
وفي حقيقة الأمر، إن حكومة نتنياهو الرجعية ليست أمراً جديداً بالنسبة للفلسطينيين. ويصوت الإسرائيليون بأعداد كبيرة خلال الانتخابات. وتحظى سياسات نتنياهو العنيفة والقمعية والعنصرية بدعم كبير من العامة في إسرائيل، وهو أمر ليس مستغرباً في الدول الاستعمارية، التي يكون من مصلحتها إبقاء السكان الأصليين تحت الرقابة.
وفي الواقع، إن الفلسطينيين منتبهون إلى أن المجتمع الدولي قد اتخذ خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن علينا ألا نرتكب الخطأ الكبير في الاعتقاد بأن حركة الاحتجاجات وحدها يمكن أن تحل المشكلات التي يعانيها الفلسطينيون في فلسطين التاريخية. وقالت الناشطة للدفاع عن حقوق السود من منظمة «جيش الدفاع عن السود» في الولايات المتحدة، أساتا شاكور، ذات مرة «لم يحصل أحد في العالم قاطبة، ولا عبر التاريخ، على حريته عن طريق استجداء الحس الأخلاقي لدى من يقمعه ويظلمه». وكما هي حال السكان الأصليين الذين قاوموا الاستعمار عبر التاريخ، كان لابد من الحاجة إلى جميع أنواع المقاومة التي تعمل بالتوازي مع بعضها بعضاً.
وبالنسبة لمسيرة العودة الحالية، ندرك من تجارب سابقة أنه عندما يقتل السكان السود أو السمر من قبل الدولة التي تستعمرهم، فإن العالم الغربي لا يبدي كثير اهتمام، كما أن التغطية الإعلامية الحالية للفلسطينيين ستنتهي سريعاً، وستعود إسرائيل إلى أعمالها التوسعية في مشروعها الاستعماري، في القدس والنقب وبقية أراضي فلسطين التاريخية.
لانا حبش دكتورة فلسطينية في طب العائلة مقيمة في بوسطن