مشكلة ترامب في سورية.. هي مشكلة أوباما أيضاً
الصراع المؤلم في سورية، الذي أزعج الرئيسين الأميركيين السابق باراك أوباما، والحالي دونالد ترامب، يتصاعد بسرعة، حيث يزداد تعقيداً وخطراً، والآن تحتاج الولايات المتحدة إلى توضيح أهدافها الاستراتيجية في سورية، ومواصلة تحقيقها على نحو صارم أكثر من أي وقت مضى.
أخطر ما في الصراع السوري الآن أن اللاعبين الكبار يواجهون بعضهم بعضاً: فإسرائيل مقابل إيران، وأميركا أمام إيران وروسيا، وتركيا مقابل الأكراد. |
ودفعت إيران وروسيا أثماناً فادحة لتمكين الرئيس السوري، بشار الأسد، من القضاء على المعارضة، وستبقى الدولتان في سورية لمؤازرته ودعمه. وتم طرد تنظيم «داعش» الإرهابي من الأراضي التي كان يسيطر عليها، ولكن لم تتم هزيمته بصورة نهائية حتى الآن، في حين أن المأساة الإنسانية التي يعاني منها الشعب السوري مستمرة.
خيارات سيئة
وتبدو الخيارات السياسية المتاحة للولايات المتحدة سيئة أكثر أي وقت مضى، كما أنها محدودة وأقل فاعلية مما سبق. وكانت الضربات التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا قد أرسلت رسالة ضرورية للرئيس السوري، مفادها أن العالم المتحضر لن يسكت على استخدام السلاح الكيماوي، بيد أن أثرها الردعي لا يذكر، لأن الولايات المتحدة، التي تخشى حدوث صراع كبير في المنطقة، أظهرت أكثر من مرة أنها لن تلجأ إلى سياسة تغيير النظام لمعاقبة استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي. وإضافة إلى ذلك تعمدت الولايات المتحدة الغموض حول ما إذا كان الخط الأحمر الذي رسمته للرئيس السوري يتعلق باستخدام غاز الكلورين فقط، الذي لم ترد الولايات المتحدة وحلفاؤها بقوة على استخدامه.
وقال مسؤولون أميركيون، إثر الهجوم الأخير على دوما، إن هذا الخط ربما يتعلق باستخدام غاز الكلورين والسارين الأشد فتكاً بكثير من الأول، وعلى ما يبدو يحتفظ النظام السوري بمستودعات ضخمة منه، على الرغم من اتفاق عام 2013 الذي يقضي بالتخلص منه. وإذا ردت الولايات المتحدة على الهجمات التي يستخدم فيها الكلورين، فإنها يمكن أن تضرب سورية بصورة متكررة.
وأخطر ما في الصراع السوري الآن أن اللاعبين الكبار يواجهون بعضهم بعضاً: فإسرائيل مقابل إيران، والولايات المتحدة أمام إيران وروسيا، وتركيا مقابل الأكراد المدعومين من أميركا. ويمكن أن تتفاقم هذه الأزمات إلى صراعات مستمرة، على الرغم من أن السيناريوهات الأشد سوءاً يمكن تفاديها حتى الآن. ويتعين على الولايات المتحدة أن تكون واضحة حول مصالحها، وصارمة بشأن تجنب توسيع مهمتها.
وهنا، وعلى الرغم من الاختلافات الجلية بينهما، إلا أن إدارتَي أوباما وترامب أثبتتا أنهما متشابهتان تماماً.
ونظراً إلى وعي دروس العراق جيداً، حددت كل إدارة أهدافها الرئيسة في سورية على أنها هزيمة تنظيم «داعش» وليس تغيير النظام، وحاولت كل إدارة تجنب التورط في حرب كبيرة تتطلب بقاء أعداد كبيرة من الجنود الأميركيين في المنطقة، وحضتا على التوصل إلى حل دبلوماسي للحرب الأهلية الدائرة في سورية، وإن كانت إدارة ترامب لم توظف الكثير من الدبلوماسية لذلك. وكلتاهما ميّزتا بين الاستخدام الوحشي للنظام السوري للأسلحة التقليدية، التي أدت إلى قتل مئات الآلاف من الأشخاص، والسلاح الكيماوي، لأنها تنتهك قوانين دولية من مصلحة أميركا الدفاع عنها.
خطوات لابد من اتخاذها
تبقى مثل هذه الأهداف المحددة بدقة أقل المقاربات سوءاً للقضية السورية، من وجهة نظر الولايات المتحدة، حتى عندما تتطلب من الأميركيين تحمّل ما لا يحتمل من منظور أخلاقي وإنساني. وأدت هذه المقايضات الصارخة إلى جعل السياسة نحو سورية هي الأكثر صعوبة وتعقيداً وألماً لسنوات عدة. وسيظل الطريق إلى الأمام محفوفاً بالمخاطر، وغير مُرضٍ إلى حد كبير، ويجب أخذ الخطوات التالية في عين الاعتبار:
• أولاً يتعين على أميركا وحلفائها الحفاظ على المعدلات الحالية من القوة، حيث يوجد نحو 2000 جندي أميركي، لدحر «القاعدة» و«داعش» في المنطقة، ويتعين على الولايات المتحدة مع حلفائها إعادة إنشاء حكم فعال في المناطق المحررة، وهذا سيسمح للولايات المتحدة بإحباط الطموحات الإيرانية الرامية إلى السيطرة على مناطق من سورية والعراق ولبنان، والحفاظ على نفوذ في المناطق الرئيسة المنتجة للنفط.
• ثانياً يتعين على الولايات المتحدة مواصلة رفضها الإطاحة بالأسد عسكرياً، إذ إن أثمان هذه المحاولة كانت دائماً تتجاوز الفوائد الواضحة منها. والآن، ومع إمعان روسيا وإيران في دعمهما للأسد، ستزداد مخاطر الإطاحة به كثيراً. ويتعين على الولايات المتحدة تجنب صراع مباشر مع روسيا، ومنع حدوث مواجهة بين إسرائيل وإيران أو وكيلها «حزب الله»، ونزع فتيل الصراع بين تركيا والأكراد السوريين، الذين قدموا المساعدة للولايات المتحدة ضد «داعش».
• ثالثاً يجب على الولايات المتحدة مواصلة تقديم مساعداتها السخية للسوريين داخل سورية والدول المجاورة لها، ووقف سياسة النفاق اللاإنسانية التي ترفض قبول جميع اللاجئين السوريين.
وفي نهاية المطاف، يتعين على الولايات المتحدة أن تجدد دفعها نحو تحقيق تسوية عن طريق المفاوضات للصراع في سورية، وعلى الرغم من تناقص النفوذ الأميركي في سورية، إلا أن وزنها الدبلوماسي لايزال كبيراً.
ورقتان
وعلى الرغم من أن إيران والرئيس السوري ليست لديهما الرغبة في المفاوضات، إلا أن الولايات المتحدة لديها ورقتان مهمتان يمكن أن تلعب بهما. الأولى نفوذها الكبير على مناطق كبيرة في شمال سورية وشرقها، من خلال شركائها الأكراد، والثانية قدرتها التي لا تُنافس مع حلفائها الأوروبيين والخليجيين، على دعم إعادة بناء سورية وإعادة اللاجئين، ومن دون المال الأميركي فإن روسيا وإيران لن تعملا على إنفاق المال لإعادة بناء الدولة المنهارة.
وكبديل آخر، إذا ربطنا جميع المساعدات الغربية والعربية في سورية، في مرحلة ما بعد الصراع، بالانتخابات الحرة والنزيهة لحكومة سورية جديدة تحت المراقبة الدولية الدقيقة، فإننا نحتفظ بجزرة قد تصبح جذابة على نحو متزايد لمؤيدي الأسد.
وبالطبع فإن هذه الخطوات لن تعمل على إنهاء الحرب الأهلية في سورية، وتعيد الأعداد الضخمة من القتلى إلى الحياة، ولن تهدئ ضميرنا الأخلاقي الجمعي، إلا أنها يمكن أن تجعل الولايات المتحدة مركّزة على أهداف واضحة وقابلة للتحقيق، وتجنب التجاوز الاستراتيجي والعناية بحكمة بمصالحنا الوطنية الأساسية.
مستشارة الأمن القومي الأميركي سابقاً سوزان رايس