التنافس الروسي الأميركي في سورية يخلّف تداعيات إقليمية ودولية
ساد طقس مشمس طوال أيام عدة، أخيراً، وكأنه احتفاءً بتخفيف التوتر حول احتمال أن يؤدي هجوم الولايات المتحدة الصاروخي على سورية، إلى صراع بين أميركا وروسيا. ربما كان أهم درس في الضربة، هو أن قنوات خفض النزاع العسكرية بين واشنطن وموسكو لاتزال تعمل. وبعيداً عن التوترات السياسية والعسكرية الأخيرة، توافدت حشود من السياح حول جدران الكرملين وكاتدرائية القديس باسيل في الساحة الحمراء، وإلى المركز التجاري القريب.
• موسكو تقدّر علاقتها مع طهران، ولن تستطيع، ولا يمكنها، دفع الإيرانيين خارج سورية، كما يطالب فريق ترامب. • تشكيل قوة عربية لتحلّ محل القوات الأميركية، منسوبة إلى مستشار الأمن القومي الجديد جون بولتون، فكرة لا معنى لها. |
وفي العاصمة الروسية موسكو، عاد الحديث يتردد حول ما إذا كانت الضربة الأخيرة ضد أهداف سورية، قد أظهرت ضعفاً أميركياً؛ أو ما إذا كانت ستعجل بعقد قمة بين الرئيس دونالد ترامب وفلاديمير بوتين. وما يشجع موسكو هو أن ترامب رفض للتو فرض عقوبات جديدة على روسيا، ويريد سحب القوات الأميركية من سورية، لكن ثمة شيئاً واحداً واضحاً جداً لدى خبراء الشرق الأوسط في روسيا، هو أن التنافس بين واشنطن وموسكو حول سورية له آثار تتجاوز حدود الشرق الأوسط.
أخبرني رئيس تحرير صحيفة «روسيا - الشرق الأوسط» في موقع «المونيتور»، ماكسيم سوشيكوف، أنه بالنسبة لروسيا، فإن الأمر يتعلق بدرجة أكبر بإنشاء نظام عالمي جديد، ووضع قواعد تعامل جديدة، وقول «لا» للتغير في هذا النظام.
دخلت روسيا الصراع السوري في عام 2015 لمنع إسقاط بشار الأسد، الديكتاتور الصديق لموسكو، تماماً كما تمكنت الولايات المتحدة من الإطاحة بمعمر القذافي في ليبيا في عام 2011، وتم إسقاط الرئيسين الآخرين (زين العابدين بن علي وحسني مبارك) خلال ثورات ما يعرف بالربيع العربي. وألقى بوتين باللوم في كل هذه الاضطرابات على مكائد واشنطن، وهذا غير صحيح.
إنقاذ الأسد
كان الهدف الأول لبوتين هو إنقاذ الأسد، خشية أن يسفر سقوطه عن فوضى سياسية وتمكين المتشددين. وبحلول عام 2015، ونظراً لعدم رغبة الولايات المتحدة في مساعدة المتمردين العلمانيين في وقت مبكر من الثورة السورية، فربما كان بوتين على حق. لكن عندما حققت روسيا نجاحات غير متوقعة، تطورت أهداف جديدة، مثل الدمى الخشبية الروسية التي تخفي الواحدة منها الأخرى. وفي ذلك يقول خبير السياسة الروسية في الشرق الأوسط في مجلس الشؤون الدولية الروسي، يوري بارمين، معلقاً: «لقد كان كل ذلك هدفاً وفرصة. في البداية كان إنقاذ الأسد، ثم فكروا بالباقي».
بمساعدة إيران والميليشيات الشيعية التي توفر القوات البرية، تم وقف تقدم الثوار السوريين. وبات لدى روسيا قاعدة جوية رئيسة في سورية، وقاعدة بحرية دائمة على شرق البحر الأبيض المتوسط، في طرطوس. وهذا يجعل جزءاً من البحر تحت الرقابة الروسية، حيث لا يستطيع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، العمل فيه دون أن يلاحظه أحد، كما يقول بارمين. ويرى بوتين أن الشرق الأوسط هو مفتاح الكثير من الأشياء؛ منها إخراج الأميركيين، والتحكم في النفوذ، وسياسة الطاقة، وأيضاً التجارة والسياحة.
قوة جديدة
ويعترف زعماء آخرون في الشرق الأوسط بروسيا كقوة جديدة في المنطقة، ويزورون موسكو بانتظام. وهو ما يقودنا إلى الشيء الأكبر الذي تمثله سورية للولايات المتحدة.
روسيا ترى الولايات المتحدة قوة عالمية متدهورة، كما يقول سوشيكوف. وبقدر ما قد تعنيه سورية لترامب، فإن انسحاب 2000 جندي أميركي في منطقة شمال شرق سورية سيؤكد ذلك التصور لموسكو. وسيفتح الباب أمام عودة ظهور تنظيم «داعش» في سورية والعراق، كما أنه سيقنع طهران بأن واشنطن غير قادرة على ردع التوسعات الإيرانية في سورية والشرق الأوسط.
فكرة بلا معنى
إن فكرة تشكيل قوة عربية لتحل محل القوات الأميركية، منسوبة إلى مستشار الأمن القومي الجديد جون بولتون، فكرة لا معنى لها. إن مثل هذه القوة لا تستطيع إبعاد «داعش»، وسوف يتم رفضها من قبل سورية وإيران والأكراد، وربما تركيا. هذا يعيدنا إلى السؤال، عما إذا كانت نهاية أزمة ضربة الصواريخ قد تعجل بعقد قمة، من شأنها أن تخدم أهداف أميركا وروسيا.
قد تحدث القمة، مع كل ذلك، لكن المصالح الأميركية والروسية في سورية متباينة للغاية، لذا هناك صعوبة في تصور نتيجة ناجحة لمثل هذا اللقاء. بداية، فإن موسكو تقدر علاقتها مع طهران ولن تستطيع، ولا يمكنها، دفع الإيرانيين خارج سورية، كما يطالب فريق ترامب. وإذا ابتعد ترامب عن الاتفاق النووي مع إيران، فمن الصعب تخيّل أي صفقة سورية.
والنتيجة الأكثر احتمالاً أن تترك روسيا تتصارع مع كيفية إبقاء القوى المتباينة في سورية مع بعضها بعضاً. وهل يمكن لموسكو منع إيران من إثارة حرب مع إسرائيل من خلال حشد الأسلحة الإيرانية في سورية؟ وهل ستوقف تركيا عن غزو الأراضي الكردية؟ وهل يمكن الضغط على الأسد لوقف استخدام الأسلحة الكيماوية، الأمر الذي قد يؤدي إلى ضربة أميركية أخرى؟
يأمل كل خبير روسي حول الشرق الأوسط تحدثت معه أن تتجنب موسكو تحمّل أعباء «عراب جديد» في الشرق الأوسط.
ترودي روبن كاتب عمود في مجلة «فيلادلفيا إنكواير» و«شيكاغو تربيون».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news