الحكومات الأوروبية مطالبة بدمج متناسب للاجئين السوريين
منذ بدء الحرب الأهلية السورية في مارس 2011، نزح أكثر من ستة ملايين سوري داخلياً، بينما فر ما يقدر بنحو 5.6 ملايين شخص من البلاد. وفي الاتحاد الأوروبي، طلب نحو مليون من هؤلاء اللاجئين اللجوء إلى بلدان مختلفة، مع التركيز على ألمانيا، لتكون الوجهة الرئيسة.
وقد ركزت الاستجابة لأزمة اللاجئين، من المنظمات الدولية وحكومات البلدان المضيفة إلى حد كبير، على توفير المساعدات الإنسانية؛ وتقول منظمات دولية، من بينها «أوكسفام»، و«أطباء بلا حدود»، إن الاستجابة الدولية فشلت في مواكبة الاحتياجات المتزايدة للاجئين. وبالنظر إلى أن الصراع السوري استمر بالفعل منذ سبع سنوات، ومع عدم وجود حل قصير الأجل في الأفق، فإن تطوير استراتيجية تعالج قضايا اللاجئين على المدى الطويل في البلدان المضيفة، أمر ضروري.
في أواخر عام 2016 وبداية العام الذي يليه، أجرت مؤسسة «رند» غير الحكومية دراسة كجزء من مبادرة التقدم العالمي، لتقديم نظرة عامة عن أوضاع اللاجئين، وغير المواطنين في البلدان المضيفة، وكذلك لتلخيص السياسات والتشريعات المتعلقة باللاجئين. واستكشفت الدراسة الحالات في سبع بلدان، بما في ذلك تركيا، الوجهة الرئيسة للاجئين السوريين؛ إضافة إلى ألمانيا والمملكة المتحدة، وهما من البلدان ذات الدخل المرتفع وتغيرت فيهما نظرة الجمهور بشأن اللاجئين مع مرور الوقت؛ واليونان وإيطاليا، وهما بلدان حدوديان استقبلا عدداً كبيراً من اللاجئين؛ وكندا وأستراليا اللتان يوجد بهما عدد كبير من اللاجئين، رغم كونهما بعيدتين عن سورية، وقد شهدتا أيضاً بعض النجاح في دمج المهاجرين واللاجئين.
في سياق تزايد تدفقات اللاجئين من سورية، بات سكان البلدان الأوروبية يعتقدون أن وجود اللاجئين يمكن أن يزيد احتمال وقوع هجمات إرهابية، إضافة إلى انتزاع وظائف ومزايا اجتماعية من السكان المحليين، وفقاً لمسح المواقف العالمية، الذي قام به مركز «بيو» للأبحاث لعام 2016. في اليونان وإيطاليا، على سبيل المثال، ذكرت أغلبية المشاركين أن بلدانهم ستكون مكاناً أسوأ للعيش فيه، إذا كان هناك عدد متزايد من الأشخاص من مختلف الأعراق والمجموعات العرقية والجنسيات، الذين يعيشون هناك. ووافق معظم المشاركين في ألمانيا واليونان وإيطاليا والمملكة المتحدة، على القول بأن اللاجئين سيزيدون احتمال وقوع الإرهاب في بلدانهم.
عزلة اجتماعية
• في سياق تزايد تدفقات اللاجئين من سورية، بات سكان البلدان الأوروبية يعتقدون أن وجود اللاجئين يمكن أن يزيد احتمال وقوع هجمات إرهابية، إضافة إلى انتزاع وظائف ومزايا اجتماعية من السكان. • يتطلب التعامل مع اندماج اللاجئين السوريين في البلدان المضيفة حلولاً في مجالين رئيسين: أولهما الاعتراف بأن الاندماجين الاجتماعي والاقتصادي مترابطان؛ والثاني زيادة توظيف اللاجئين. |
لقد أثرت الأزمة بشدة في تركيا أيضاً، لأن معظم السوريين الذين يعيشون في المدن يقيمون في الأحياء الفقيرة ويواجهون العزلة الاجتماعية، ما يزيد عمق الانقسام الثقافي الموجود بالفعل بين اللاجئين والمواطنين المحليين. وﻗد ﺗزداد اﻟﻣواﻗف اﻟﺳﻟﺑﯾﺔ تجاه اﻟﻼﺟﺋﯾن ﻣﻊ ﻧﻣو اﻷﮐواخ اﻟرﯾﻔﯾﺔ والمخيمات اﻟﻣؤﻗﺗﺔ، ليزداد بذلك الضغط على اﻟﺣﮐوﻣﺔ ﻟﺗوﻓﯾر اﻟوظﺎﺋف اﻟﮐﺎﻓﯾﺔ، واﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﺗﺣﺗﯾﺔ، واﻟﻧﻘل واﻟﺗﻌﻟﯾم واﻷﻣن، وﻏﯾرھﺎ ﻣن اﻟﺧدﻣﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻷﺧرى ﻟﻼﺟﺋﯾن.
التحديات التي يواجهها الجيل الأول من المهاجرين في الاتحاد الأوروبي، بينما يحاولون إيجاد فرص عمل مناسبة، تشمل نقص المهارات اللغوية، وعدم القدرة على نقل المؤهلات من بلد إلى آخر. الجنسية والدين والخلفية الاجتماعية، تمثل، أيضاً، حواجز تحول دون الحصول على وظائف في اليونان وإيطاليا.
وتؤثر المعايير التي وضعتها الدول المُضيفة، في ما يتعلق بعمالة غير المواطنين، في قدرات هؤلاء الأفراد على الحصول على فرص عمل، حيث يجب عليهم أولاً تلبية المتطلبات الأساسية لهذه البلدان. على سبيل المثال، تعتبر ألمانيا «رغبة الفرد في الالتزام بأسلوب الحياة في البلد المضيف»، بالغة الأهمية، بينما تؤكد المملكة المتحدة على التحدث باللغة الرسمية. ويجب على الدول المضيفة النظر في دمج هذه الملايين من اللاجئين اجتماعياً واقتصادياً، لأن اللاجئين سيبقون على الأرجح في البلدان المضيفة سنوات عدة. ومن دون الاندماج، فإن الافتقار إلى فرص العمل يجعل اللاجئين عرضة، لأن يصبحوا طبقة مستهدفة من التمييز والتعرض للتطرف الديني.
وعلى الرغم من أن مؤشرات التوظيف تشير إلى أن المقيمين من غير المواطنين في الدول الأوروبية يحصلون على أجور جيدة عندما يعملون، أظهرت البيانات أن غير المواطنين لديهم مستويات أعلى من البطالة، بالمقارنة مع المواطنين في ألمانيا واليونان وإيطاليا وبريطانيا. وفي تركيا، يتنافس الأتراك والسوريون على وظائف منخفضة المهارات، ويعمل معظم اللاجئين بشكل غير رسمي.
التزام سياسي
على الرغم من هذه الحواجز، فإن الالتزام السياسي الخاص بالدعم العام والمشاركة المجتمعية - بما في ذلك الرعاية الخاصة للاجئين - قد حدد إعادة توطين اللاجئين السوريين. وقد أسهمت مشاركة مختلف الجهات في كندا، التي أعادت توطين أكثر من 25 ألف لاجئ سوري، في دمجهم بنجاح في المجتمع الكندي.
كما قامت ألمانيا والنمسا والسويد بتحسين سياسات سوق العمل النشطة، وتنفيذ تدابير الاندماج الإلزامي، بما في ذلك زيادة التمويل لدورات اللغة، ووضع آليات لتقييم المهارات المكتسبة سابقاً.
وقد قبلت ألمانيا أكبر عدد من اللاجئين السوريين، ويرجع ذلك جزئياً إلى التغييرات التشريعية. وفي أكتوبر 2015، قدمت الحكومة الألمانية العديد من القوانين المتعلقة بإجراءات اللجوء. وعدلت الدولة قانون اللجوء وقانون الإقامة، الذي يوفر قواعد للقبول والتعامل مع طلبات اللاجئين. وشملت التغييرات الأخرى تسريع عملية طلب اللجوء، والحد من العبء المالي على الولايات والبلديات، وتحسين سلامة اللاجئين القصر. ومع ذلك، ولأن بعض البلدان نفذت أيضاً إجراءات للحد من تدفق طالبي اللجوء (غير المصرح به)، فمن الصعب تحديد ما إذا كانت هذه القوانين قد زادت عدد اللاجئين المقبولين.
وبالمقارنة، يواجه المهاجرون واللاجئون في إيطاليا مشاعر سلبية متنامية، وانعدام الالتزام السياسي، وقلة الدعم الشعبي. وعلى الرغم من أن إيطاليا قد سنت تدابير قانونية لتوفير الحماية لطالبي اللجوء، والسماح بدخول المزيد من اللاجئين في السنوات الأخيرة، فإن منظمات مثل «أطباء بلا حدود» ترى أن نظام الاستقبال في إيطاليا للمهاجرين واللاجئين بطيء. ويجب على إيطاليا الآن تكييف تشريعاتها لتدفق اللاجئين فيها، مع إدارة المشاعر السلبية المحلية تجاه المهاجرين.
وفي المملكة المتحدة، اقتصرت السياسة الأولية المتعلقة بالأزمة السورية على توفير المساعدات الإنسانية والإغاثة. لكن في أوائل عام 2014، أعلنت الحكومة البريطانية أنها ستضطلع بدور أكثر نشاطاً، وأنشأت برنامجاً يساعد في استقرار اللاجئين السوريين الأكثر ضعفاً. وكان رد الفعل الشعبي على هذا الجهد إيجابياً إلى حد كبير. وقد أدت البيئة المواتية للاجئين في المملكة المتحدة، وفقاً لمؤشر سياسة دمج الهجرة (مسيبكس)، إلى استنتاج أن المهاجرين قد تكون لديهم فرص نجاح أكبر، عندما تقترن السياسات بدعم السكان الأصليين.
تحديات الاندماج
يتطلب التعامل مع الاندماج الاجتماعي والاقتصادي للاجئين السوريين في البلدان المضيفة حلولاً في مجالين رئيسين: أولهما الاعتراف بأن الاندماجين الاجتماعي والاقتصادي مترابطان؛ والثاني زيادة توظيف اللاجئين مع تقليل الآثار السلبية على السكان المحليين.
أولاً: يعاني اللاجئون السوريون مشكلات اجتماعية واقتصادية، تعزز بعضها بعضاً في الدول المضيفة. وتؤثر القضايا الثقافية والاجتماعية في التكامل الاقتصادي والعكس صحيح. ويجادل بعض المراقبين بأن أزمة اللاجئين السوريين هي قضية انسجام اجتماعي. وفي الوقت نفسه، تشير المنظمات المتعددة الأطراف إلى أن وجود سوق عمل قوية ونزيهة، يعزز التكامل الاجتماعي. وقد تؤدي المنافسة في سوق العمل إلى صراع اجتماعي مع آثار ضارة. وللتعامل مع هذه القضايا، يجب أن يرافق برنامج الاندماج الاجتماعي خطط التكامل الاقتصادي للبلدان المضيفة.
ثانياً: قد يؤدي دمج اللاجئين في أسواق العمل المضيفة إلى زيادة البطالة، وتراجع دخل السكان الأصليين. وفي الوقت نفسه، ينبغي ألا يؤثر دمج القادمين الجدد في فرص العمل المحلية، وإلا ازدادت البطالة والمواقف السلبية تجاه اللاجئين. ويجب أن تأخذ السياسات بعين الاعتبار هذه الأهداف المتضاربة، وتصمم الإجراءات وفقاً للظروف الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية المحلية. ويتعين على الحكومات المضيفة أن تفكر في تسجيل معلومات مفصلة عن اللاجئين ومشاركة هذه البيانات، حتى تتمكن من فهم احتياجات اللاجئين والسكان الأصليين وتحسينها.
إن السياسات الاجتماعية والاقتصادية الناجحة، للتعامل مع أزمة اللاجئين تتطلب التخطيط التعاوني والمراقبة، وجهود التقييم لتنفيذ المبادرات بنجاح. وإن التعاون بين الوكالات في القطاع العام أساسي لنجاح هذه الأنشطة. ويمكن أن يساعد تنسيق وتمكين المكاتب العامة المحلية (على سبيل المثال: المجتمع، والمدينة، والبلدية، والمقاطعة) في تنفيذ سياسات ملائمة في سياقات محددة. ويمكن للشراكات بين الوكالات العامة والمؤسسات الخاصة توفير التدريب على الوظائف واللغات، وتصاريح العمل، وخلق فرص العمل، ضمن أنشطة أخرى، لتحسين اندماج اللاجئين.
أرنيستو أمرال - أستاذ مساعد في قسم علم الاجتماع بجامعة تكساس.