بريطانيون تائهون بعد خروج بلادهم مـن الاتحــاد الأوروبي
أنا مواطن بلا وطن، أو هذا ما يعتقده ملايين آخرون مثلي بما فعله «خروج بريطانيا» من الاتحاد الأوروبي، أو ما يسمى «بركسيت». مُنعت من التصويت في استفتاء عام 2016 بشأن عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، لأنني عشت طويلاً خارج البلاد في الاتحاد الأوروبي. وبموجب قانون أقرته حكومة توني بلير العمالية، فإن الأشخاص الذين يعيشون في الخارج منذ أكثر من 15 سنة يفقدون حق الانتخاب.
قالت رئيسة الوزراء تيريزا ماي خلال مؤتمر حزب المحافظين في أكتوبر 2016، في خطاب بعنوان «النخب الدولية»، مقابل «الجماهير في الشوارع»: إذا كنت تعتقد أنك مواطن في كل العالم فأنت مواطن بلا وطن، وأنت لا تفهم ما تعنيه المواطنة». |
لهذا السبب أتقدم بطلب لكي أصبح مواطناً فرنسياً، البلد الذي أقيم فيه، والذي يسمح لمواطنيه بالتصويت أينما كانوا، وبغض النظر عن المدة التي قضوها في الخارج. أنا لا أسعى للحصول على الجنسية الفرنسية في نوبة غضب، بسبب اعتقادي بأن مواطني بلدي قاموا باختيار خاطئ، ولا بدافع من الاعتبارات المادية مثل الرعاية الصحية، والضرائب، وحقوق الإقامة أو الملكية العقارية. بصفتي زوج مواطنة فرنسية يحق لي الحصول على الرعاية الصحية العامة، ولديّ الحق في الإقامة هنا إلى أجل غير مسمى، كما أني أدفع الضرائب في فرنسا على أي حال.
لا، أنا ببساطة أريد أن أصبح مواطناً كاملاً في بلد ما، وعندما أختلف مع الحكومة أريد أن أتمكن من التصويت المضاد، لكن بدلاً من ذلك أقصتني حكومتي. كما قالت رئيسة الوزراء تيريزا ماي خلال مؤتمر حزب المحافظين في أكتوبر 2016، في خطاب بعنوان «النخب الدولية» مقابل «الجماهير في الشوارع»: «إذا كنت تعتقد أنك مواطن في كل العالم فأنت مواطن بلا وطن، وأنت لا تفهم ما تعنيه المواطنة».
في أي ديمقراطية فإن حق التصويت هو جوهر المواطنة. ربما بسذاجة لم أكن أتخيل أنه يمكن نزع هذا الحق مني، على الرغم من كوني مراسل الشؤون الدولية في الخارج وظفته شركة مقرها المملكة المتحدة، فنادراً ما أتيحت لي الفرصة لممارسة حق التصويت. كانت المرة الأولى التي أدليت فيها بصوتي في استفتاء عام 1975، عندما قرر البريطانيون بأغلبية الثلثين البقاء في المجموعة الاقتصادية الأوروبية بعد عامين من الانضمام إليها.
وبعد 41 عاماً طُلب من البريطانيين اتخاذ القرار نفسه مرة أخرى. فقط هذه المرة كانت المخاطر أكبر بكثير، لأننا كنا قد اندمجنا في الاتحاد الأوروبي اقتصادياً وسياسياً وفي أمننا القومي.
حرمان المواطنة
ومع ذلك، مثل العديد من المغتربين البريطانيين البالغ عددهم 5.5 ملايين، حُرمت الإدلاء بصوتي، وكان هذا الحرمان من المواطنة أكثر إثارة للقلق منذ أن شاركت في عمل يومي لشرح كيفية عمل الاتحاد الأوروبي مع البريطانيين وغيرهم من القراء حول العالم، كمحرر للشؤون الأوروبية في وكالة «رويترز». أفترض أن ذلك جعلني أحد هؤلاء «الخبراء» الذين قال فيهم المحافظ مايكل غوف، المدافع بشدة عن خروج بريطانيا من الاتحاد، «الناس في هذا البلد لديهم ما يكفي»، مشيراً إلى عدم حاجته إلى المغتربين.
الحصول على الجنسية الفرنسية لن يغير هويتي بشكل أساسي، مثل الملايين من الأوروبيين، أنا متنوع ثقافياً مع هويات متعددة، أنا بريطاني وأوروبي مع ارتباط ثابت بشمال شرق إنجلترا.
عشت أكثر من نصف عمري خارج المملكة المتحدة، معظمه في فرنسا وبلجيكا، ولكن أيضاً في ألمانيا وإسرائيل وفلسطين وإيران. زوجتي وأولادي وأحفادنا فرنسيون. أشعر بالأُلفة في العديد من الأماكن، ولا سيما قرية في «بروفانس» الفرنسية، كانت منزلنا العائلي منذ 40 عاماً.
هذا يجعلني مواطناً مؤهلاً ضمن من يسميهم الكاتب البريطاني ديفيد غودهارت، «مواطنون في أي مكان»، إنهم يشكلون قبيلة من المتعلمين والمتنقلين والمتحمسين، الذين ابتعدوا عن مواطنهم الأصلية عندما ذهبوا إلى الجامعة، ولم يعودوا أبداً. وتأكيداً لوصفه، أنا ديمقراطي اجتماعي علماني ليس لدي مشكلة مع الهجرة والتنوع الاجتماعي.
ووفقاً لنظرية غودهارت عن انقسامات القيمة الجديدة في الديمقراطيات المتقدمة، فإن الأمن والألفة والشعور بالتغيير أصبح أكثر من اللازم، وبسرعة كبيرة هناك بعض الحقيقة في ذلك. إنني أكره القومية بشدة، إذ أعتقد أنها تؤدي في نهاية المطاف إلى التصادم المسلح، كما لاحظ الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران، محقاً، في خطابه الأخير أمام البرلمان الأوروبي. سواء كان ذلك تحت ستار «أميركا أولاً» أو «بركسيت»، فإن القومية تتجاوز مجرد تأكيد الحق في تقرير المصير، على أساس جغرافي أو عرق مشترك، إنه ينطوي على إحساس جماعي خطير بالتفوق على الشعوب الأخرى، أو الأجناس، أو العقائد، أو الأديان الأخرى.
بول تايلور كاتب عمود في مجلات ومواقع أوروبية
فرص كامنة
لدي شعور دائم (الكلام للكاتب) بالتضامن مع مجتمعات الطبقة العاملة في منطقتي الأصلية، التي دُمرت بسبب موت صناعات الفحم والفولاذ، وبناء السفن قبل انضمام بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي، ومعظمهم لم يحصل أطفالهم على الفرص التعليمية والاقتصادية نفسها التي حصلت عليها، لكنني أعتقد أن فرصهم تكمن في التعليم والتدريب على المهارات والاستثمارات العامة المستهدفة، وليس في إغلاق الحدود أو تقييد التجارة، أو مغادرة الكتلة الأوروبية.
هاجر أجدادي من دول البلطيق وبولندا في أواخر القرن التاسع عشر، هرباً من الفقر والعنف ضد اليهود، وبفضل الاتحاد الأوروبي يحق لأحفادهم في الوقت الحاضر العمل في أي مكان في الكتلة، بموجب قواعد حرية الحركة. لقد كانوا بالضبط من «المهاجرين الاقتصاديين» الفقراء في أوروبا الشرقية، الذين يريدون تغيير أوضاعهم.
أسهم هؤلاء منذ الأيام الأولى في بناء بريطانيا، وفي مجالات مختلفة مثل الأعمال التجارية، والطب والقانون والنشاط الأكاديمي، لقد أعطتهم الجدارة البريطانية بعد الحرب الكثير من الفرص، وأصبح عمي، الذي ولدت أمه في ليتوانيا لعائلة من المتدينين اليهود، رئيساً لقضاة إنجلترا، وكان والدي محامياً ترأس أيضاً هيئة الصحة في نيوكاسل، وكان والده وأخته طبيبين.
كما واجهوا معاداة السامية البريطانية. كان لقب والدتي قبل الزواج هو «كوهين»، وعندما تقدمت للانضمام إلى نادٍ للتنس في أوائل الخمسينات من القرن الماضي قيل لها إن هناك قائمة انتظار طويلة، وعندما تزوجت والدي بعد ذلك بفترة وجيزة، وأصبحت السيدة تايلور، اختفت قائمة الانتظار بأعجوبة. لم تكن العديد من نوادي الغولف المحلية تقبل اليهود.
فرنسا، الوطن الأم المتوقع الجديد، لديه أيضاً نصيبه من القومية والتعصب ضد المهاجرين، ومعاداة السامية وبعضه عنيف. المزيد من اليهود يغادرون فرنسا خوفاً على سلامتهم، أكثر من سعيهم للحصول على الجنسية للاستقرار هنا.
سألني أحد الأصدقاء عما إذا كنت سأطلب الجنسية الفرنسية إذا كانت مارين لوبان، وهي مرشحة شعبوية مناهضة للهجرة، إذا فازت في الانتخابات الرئاسية في العام الماضي بدلاً من إيمانويل ماكرون، وهو ليبرالي اجتماعي مؤيد لأوروبا؛ كانت إجابتي نعم، لأنني كمواطن ـ فرنسي، يمكنني أن أقوم بحملة والتصويت ضدها. من دون الحق في التصويت كما تعلمت من المملكة المتحدة؛ لا يمكنني إلا أن أكون مجرد مراقب مستاء.
في غضون بضعة أشهر، عندما آمل أن أُغني النشيد للاحتفال بالجنسية الفرنسية، سأكون مواطناً في مكان ما مرة أخرى، أو ربما اكتسبت الجنسية الثلاثية كمواطن من فرنسا وبريطانيا ومواطن في مكان مجهول.