على الرغم من تقدّمه في الانتخابات
الولايات المتحدة متردّدة في دعــم أي حكومة يشكلها مقتدى الصــــدر
ظلّ زعيم تحالف «سائرون» العراقي، مقتدى الصدر، لسنوات عدة، عدواً عنيداً للأميركيين خلال الاحتلال الأميركي الطويل للعراق، وألقت وزارة الدفاع الأميركية باللائمة عليه بشأن مئات القتلى من أفراد القوات الأميركية، فضلاً عن فظائع ارتكبها ضد مدنيين عراقيين. إلا أن تقدمه المفاجئ في الانتخابات البرلمانية العراقية أجبر المسؤولين الأميركيين على التفكير في الدخول في علاقة جديدة غير مألوفة مع من كان عدواً في وقت ما، الذي سار الى النصر من خلال منصة دعت إلى مهاجمة الفساد المستشري في العراق وطرد إيران، والجيش الأميركي، من العراق.
الصدر يعقّد المهمة
قوميون ظلّ الشيعة العراقيون تاريخياً غاضبين من النفوذ الإيراني، ورفضوا استيراد نمط الحكومة الدينية لجارهم. وكان والد الصدر، الراحل محمد صادق الصدر، رجل دين قومياً، ظل يروّج لهوية الشيعة كعراقيين وعرب. فإذا كان الصدر وأنصاره يأملون في إحراز أي تقدم ضد الفساد المستشري، كما تعهّد خلال الحملة، فإنهم سيحتاجون إلى دعم الولايات المتحدة للحصول على مساعدة من صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والمؤسسات الدولية الأخرى. لقد عانى العراق نقصاً مزمناً في الطاقة، وانعدام الأمن لمدة 15 عاماً، ويحتاج إلى ما يقدر بمبلغ 88 مليار دولار لإعادة بناء المناطق التي دمرتها الحرب التي دامت أربع سنوات ضد «داعش». حزب العبادي شريك محتمل في الائتلاف مع الصدر. وإذا أضيف الفصيل الكردي الفائز، فإن النتيجة ستصب في مصلحة أميركا. استطاع ائتلاف الصدر «سائرون»، في النظام البرلماني العراقي المعقد، التقدم في الانتخابات، لكنه لم يفز بأغلبية تسمح له بالسيطرة الكاملة. |
ومن المحتمل أن يعقّد دور الصدر المتوقع كصانع للملوك، بعد انتخابات نهاية الأسبوع، المهمة العسكرية الأميركية، التي تتمثل حتى الآن إلى حد كبير في التدريب وإزالة الألغام في أجزاء من البلاد، التي تم انتزاعها من تنظيم «داعش». وتجاهل وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، سؤالاً عما إذا كان يشعر بالاستياء من فوز الصدر، لكنه تحول بدبلوماسية الى القول إن «الشعب العراقي خاض تجربة الانتخابات، إنها عملية ديمقراطية في وقت كان فيه كثير من الناس يشككون في أن العراقيين يمكنهم أن يتولوا مسؤولية بلادهم بأنفسهم، لذا سننتظر ونرى النتائج».
ويضيف: «ونحن نقف مع قرارات الشعب العراقي». الجدير بالذكر أن ماتيس كان يقود قوات مشاة البحرية في محافظة الأنبار العراقية، خلال أكثر السنوات عنفاً في حرب العراق.
وتقول المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، هيذر نوايرت، عندما سألتها وسائل الإعلام عن المخاوف بشأن فوز الصدر: «ندرك جيداً مقتدى الصدر وخلفيته وموقعه الآن». ويعتقد بعض المسؤولين الأميركيين أن الصدر، رجل الدين الشيعي البالغ من العمر 44 عاماً، أصبح الآن أقل معاداة للولايات المتحدة مما كان عليه الحال عام 2003، عندما قاتلت ميليشياته «جيش المهدي» قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وفجر مناطق سنية.
وفي ابتعاد واضح عن ماضيه، ظل الصدر ينتقد علانية إيران، بل قام اخيراً بزيارة إلى المملكة العربية السعودية، العدو التقليدي لإيران في المنطقة. وهذا قد يعني أن أي حكومة عراقية، يمثل كيان الصدر جزءاً منها، لن تعيق بالضرورة التعاون العراقي مع وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ضد «داعش». ويقول محللون إن أي قلق على الجانب الأميركي من المرجح أن يقابله دعوة الصدر إلى تقليص نفوذ إيران في حكومة بغداد التي يهيمن عليها الشيعة، وهو هدف أميركي آخر قديم. وقد دعا الصدر كلاً من الولايات المتحدة وإيران لمغادرة العراق، وهما اللتان أرسلتا مستشاريهما وقدّمتا مساعدة في الحرب ضد «داعش».
ويتساءل المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي في إدارة جورج دبليو بوش وإدارة أوباما، دوغلاس أوليفانت، عما إذا «كان لدى الصدر رغبة أقل في التعاون مع الولايات المتحدة؟ ربما». ويضيف أوليفانت، الذي خدم في بغداد ضابطاً بالجيش خلال زيادة القوات الأميركية في عام 2007: «لكن هذا سيقابله أيضاً وقوفه ضد الإيرانيين».
ما هو دور الصدر في أي حكومة جديدة؟ هذا ما ننتظر أن نراه في الأيام المقبلة. واستطاع ائتلاف الصدر «سائرون»، في هذا النظام البرلماني العراقي المعقد، التقدم في الانتخابات، لكنه لم يفز بأغلبية كانت ستسمح له بالسيطرة الكاملة. وبدأ الآن ما لا يقل عن أسبوعين من المفاوضات والمقايضات بين المكونات. وفي النهاية، قد يختلف الصدر مع كل هؤلاء.
تحذير من الشلل السياسي
ويحذر محللون من أن الفشل في تشكيل حكومة بعد التصويت، قد يؤدي إلى شلل سياسي من شأنه أن يعرقل أي جهود للإصلاح، وهو مشروع طويل الأمد مدعوم من الولايات المتحدة، ويمكن أن يترك مثل هذا الفشل فراغاً، يسمح للمزيد من تدخل سياسيين مؤيدين لإيران لتولّي المسؤولية.
رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، والذي كان المرشح المفضل للولايات المتحدة في الانتخابات، يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره المرشح المقبول. وتضرب حملته الانتخابية على وتر الانتصارات العسكرية ضد «داعش»، إلا أن حزبه جاء في المركز الثالث. قد يكون حزب العبادي شريكاً محتملاً في الائتلاف مع الصدر. وإذا تمت إضافة الفصيل الكردي إلى ذلك، يعتقد المسؤولون الأميركيون، أن النتيجة ستصب في مصلحة الولايات المتحدة.
انضم رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، إلى العبادي في عرض ضعيف. المالكي معروف بمواقفه المؤيدة لإيران، والتي طالما أحبطت المستشارين العسكريين الأميركيين في العراق. ويقول مسؤولون أميركيون إن قرب المالكي من إيران أسهم في صعود «داعش». وفي ذروة الوجود العسكري الأميركي في العراق منذ أكثر من 10 سنوات، كان الصدر عدوّاً بارزاً لأميركا، ولكن غالباً ما كان يتم التقليل من شأنه، وكان نداؤه لإنهاء الاحتلال الأميركي بمثابة صرخة حاشدة قوية للفقراء الشيعة في العراق.
معارك دامية
خاضت الميليشيات الموالية لرجل الدين العراقي معارك دامية ضد القوات الأميركية في مدينة الصدر، وهي حي فقير يسيطر عليه أنصاره. ولكن بعد انتهاء الوجود الأميركي الواسع النطاق في العراق في عام 2011، تراجعت انتقادات الصدر العلنية للولايات المتحدة، وظل يضبط نفسه حتى بعد أن أرسلت الولايات المتحدة قواتها في عام 2014. ويقول أوليفانت: «عندما لم تعد الولايات المتحدة قوة احتلال، لم يعد لديه الكثير من المشكلات مع الولايات المتحدة». ومع انحسار عديد القوات الأميركية في العراق حوّل الصدر شعوره بالكراهية ضد إيران، وقدم نفسه كقومي مخلص، لا يرغب في أي محتل مهما كان انتماؤه. ومع ذلك، فإن ذكريات المعارك الوحشية، في كثير من الأحيان، ضد أنصار الصدر لم تتلاشَ لدى الأميركيين، ويقول مسؤولو «البنتاغون» خفية إنهم مازالوا لا يثقون به.
ويصف الضابط المتقاعد في الجيش الأميركي، مارك هيرتلينغ، في تغريدة الثلاثاء الماضي، الصدر بأنه «زعيم عصابة فاسدة». وذكر هيرتلنغ قتال الصدر في عامي 2003 و2004 في بغداد، وفي مدن الكوت والنجف في الجنوب «بينما كانت الحكومة العراقية تناقش اعتقاله لقتله خصومه، ثم مرة أخرى عندما أثار الفوضى في بغداد عام 2008».
تفاؤل حذر
ويقول مسؤولون عسكريون آخرون إنهم أعربوا عن أملهم في أن يتمكن العبادي، بدعم قوي من الولايات المتحدة، من تشكيل تحالف يمكّنه من البقاء كرئيس للوزراء. وذكر مسؤول طلب عدم ذكر اسمه «إنها ليست أفضل نتيجة، لكننا نظل متفائلين».
وعلى الرغم من التعقيدات فإن تغيير الحكومة في العراق، يمكن أن يوفر لصانعي السياسة في الولايات المتحدة فرصة لإنهاء الفوضى والمعاناة خلال السنوات الأخيرة، كما يقول بعض المحللين.
ويقول الخبير في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أنتوني كوردسمان: «يجب على الولايات المتحدة أن تفعل كل ما في وسعها لإقناع أكبر عدد ممكن من الذين يتم انتخابهم بأنها ستقدم المساعدة لكل من يدعم عراقاً قوياً ومستقلاً، بدلاً من محاولة إيجاد دولة عميلة».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news