كوريا الجنوبية تعيد ترامب وكيم إلى طاولة المفاوضات
عندما أطلقت كوريا الشمالية سراح رهائن أميركيين، وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن قمة ستجمعه مع رئيس كوريا الشمالية كيم يونغ أون في سنغافورة، بدا الأمر كأن ربيع عام 2018 ربما سيكون من تلك اللحظات، التي يتحرك فيها التاريخ بسرعة.
يظل رئيس كوريا الجنوبية هو الثابت في المعادلة الدبلوماسية، حيث تحدّث بثقة، يوم الأحد الماضي، حول مستقبل المفاوضات بين الولايات المتحدة والكوريتين، رغم أن المفاوضات أصبحت في مهب الريح. كان الرئيس ترامب واقعياً، فمن ناحية ظل يضغط على حكومة كيم، ويهدد بالضربة العسكرية والعقوبات، ومن ناحية أخرى ظل يشجع مون على التفاوض مع كوريا الشمالية. |
وكان الدافع وراء كل هذه التحركات السريعة هو رئيس كوريا الجنوبية، مون جاي إن، الذي بذل جهوداً كبيرة من أجل المفاوضات بين ترامب وكيم. ورغم أن ترامب أعلن إلغاء القمة الأسبوع الماضي، فإن مون استمر في العمل على عقد تلك القمة، وفعل المستحيل لإنقاذ لقاء الزعيمين، حيث قال ترامب إنها ربما ستحصل فعلاً.. وبالفعل وصل يوم الأحد الماضي مسؤولون أميركيون إلى كوريا الشمالية للتحضير لهذه القمة، وقبل أن يتحدث ترامب عن إلغاء القمة والعداوة الواضحة لكوريا الشمالية، وشكوك إدارته بشأن نيات كوريا الشمالية في القمة، وضع مستشار الأمن القومي في كوريا الجنوبية احتمال عقد القمة بين ترامب وكيم، بنسبة 99.9%.
التحضير بدأ مع الألعاب
يقال إن قصة تدبير كوريا الجنوبية لعقد مثل هذه القمة، بدأت في ألعاب بيونغاشانغ الشتوية التي تمت في البلاد، لكن هذه الحكاية بدأت أصلاً قبل ذلك بكثير، ولم تنتهِ حتى الآن.
وكان مون، وهو لاجئ من كوريا الشمالية، والذي وصل إلى السلطة قبل عام، متعطشاً لإجراء تقارب مع كوريا الشمالية، لكنه نظراً إلى التهديدات التي تبادلها ترامب وكيم حول الحروب المدمرة، كان متردداً في القيام بهذا التقارب. وكانت إدارة ترامب تركز على العقوبات الاقتصادية والضغط الدبلوماسي على كوريا الشمالية. لكن حكومة مون الليبرالية لم تكن منسجمة مع إدارة ترامب، وبعض أفراد فريق مون كانوا يطالبون بتجاهل ترامب. وقال البروفيسور كيم هيون ووك من أكاديمية كوريا الوطنية الدبلوماسية، والمرتبطة بوزارة الخارجية في كوريا الجنوبية، إن مون لم يوافق على التجاهل، وإنما قال «علينا توثيق تحالفنا مع الولايات المتحدة، ومن ثم ندخل معاً في مفاوضات مع كوريا الشمالية».
عقوبات وضغوط
وقال مستشار خاص للرئيس مون إن العقوبات والضغوط يمكن أن تجبر كوريا الشمالية على التفاوض، لكنها لن تحل المسألة برمتها.
وقال الرئيس مون إن كوريا الجنوبية، هي التي ستقود الاستقرار والتطور والازدهار في شبه الجزيرة الكوريا، لذلك فإنه ينوي البدء بعملية طويلة الأمد، يكون فيها التبادل الاقتصادي والأشكال الأخرى من التعاون بين الكوريتين وسيلة للتعايش السلمي، وأسلوباً لوحدة الأمر الواقع بين الكوريتين، ومن ثم المضي بشكل أكبر من الاندماج إذا بدا ذلك طبيعياً.
وطيلة الصيف والخريف الماضيين، ظلت كوريا الشمالية تواصل تجربة الصواريخ البعيدة الأمد، وقنبلتها النووية الأشد قوة، في حين كان ترامب يتوعد كوريا الشمالية بالويل والثبور. ومن ثم أعلنت واشنطن عن مناورات مع كوريا الجنوبية لمنع كوريا الشمالية من تهديدها، وهو الأمر الذي أثار مخاوف رئيس كوريا الجنوبية، فأعلن صراحة لإدارة ترامب، أغسطس الماضي، أنه لن يسمح لأي دولة بشن هجوم عسكري على كوريا الشمالية دون موافقة كوريا الجنوبية، وأن هذه الحرب يجب «ألا تندلع مرة أخرى في شبه الجزيرة الكورية»، وحتى بعد أن تعهدت كوريا الشمالية بتنفيذ اختبار نووي فوق المحيط الهادي، وظهرت تقارير تشير إلى أن الولايات المتحدة ستشن ضربة فوق كوريا الشمالية، ظل مون يعمل على تلافي وقوعها، من وراء الكواليس.
قائد تقدمي
ويعتبر مون القائد الكوري الجنوبي التقدمي، الذي كانت حكومة كوريا الشمالية تتعامل معه. وقال مسؤول كبير في كوريا الجنوبية، رفض الكشف عن اسمه بسبب حساسية المفاوضات مع كوريا الشمالية، إن حكومة مون «بعثت برسائل عدة إلى كوريا الشمالية، تبلغها بأنها مستعدة للحوار المفتوح في أي وقت تشاء، وفي أي مكان، وأن مون أراد في البداية أن يستفيد من الألعاب الأولمبية كنافذة لبدء الحوار، لكن كوريا الشمالية لم تكن تتجاوب كما ذكر مراقبون من كوريا الجنوبية.
لكن في خطاب العام الجديد، قال كيم إنه يقترح المشاركة في الألعاب الأولمبية، وبدء الحوار المفتوح مع كوريا الجنوبية لتحقيق السلام في شبه الجزيرة الكورية، وأدى هذا الخطاب إلى تغيير كل شيء.
وفي الحال انطلقت حكومة مون إلى العمل، حيث عرضت التفاوض مع حكومة كيم على أعلى المستويات، وبدأت العمل مع إدارة ترامب، وجاءت اللحظة الحاسمة عندما اتصل ترامب بالرئيس مون، وأبلغه بأن إدارته «تبارك التفاوض بين الكوريتين»، وأنه قبل باقتراح مون بتأجيل المناورات الأميركية الكورية الجنوبية. ويقال إنه أثناء الاتصال، طلب ترامب من الرئيس مون أن يعلن على الملأ أن فضل هذه المفاوضات يرجع إلى ترامب على كيم، فهو الذي أجبره على التفاوض.
وكان ترامب واقعياً، فمن ناحية ظل يضغط على حكومة كيم، ويهدد بالضربة العسكرية والعقوبات، ومن ناحية أخرى ظل يشجع مون على التفاوض مع كوريا الشمالية، وبدأت العملية الدبلوماسية إذ أعلنت إدارة ترامب أنها مستعدة للتحاور مع كوريا الشمالية، في حين أن مسؤولين من كوريا الجنوبية طاروا إلى واشنطن حاملين معهم رسالة تفيد بأن كيم مستعد لإيقاف التجارب الصاروخية، ومحادثات نزع الأسلحة النووية، من شبه الجزيرة الكورية.
وبذلك يكون مون قد بذل جهوداً كبيرة لبدء المفاوضات مع كوريا الشمالية، حيث خاطر برصيده السياسي لصالح كيم، الذي انتقده البعض لتسرعه، واعتبروا أن تصرفه يمكن أن لا يكون واقعياً.
وظل مون يعمل كمتحدث باسم كوريا الشمالية، وينقل مواقف كوريا الشمالية في «أبهى أشكالها» كما قال وزير الخارجية السابق في كوريا الجنوبية، هان سونغ جو، الذي ساعد على التفاوض والاتفاق حول حل مشكلة أول أزمة نووية لكوريا الشمالية، في بداية تسعينات القرن الماضي. وقال هان إن كيم يونغ أون ربما يكون مهتماً بتخفيف العقوبات ضد بلده لتقوية اقتصاد كوريا الشمالية، والحصول على قبول العالم لسلاحه النووي، وليس التنازل عنه مقابل العلاقات مع كوريا الجنوبية والولايات المتحدة.
لكن بعد اجتماع الرئيس مون مع كيم يونغ في الجزء الشمالي من المنطقة المنزوعة السلاح، أكد مون أن كيم مستعد لنزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية بصورة كاملة، لكنه حذر من أن تحفظات كيم بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة ستنهي علاقاتها العدوانية مع كوريا الشمالية، وتضمن أمن نظام كوريا الشمالية.
وفي الأسبوع الماضي لم تكن المتغيرات لصالح كوريا الجنوبية، إذ سلطت الضوء على محدودية سلطتها على العملية الدبلوماسية التي صنعتها بحذر شديد. ولكن هذه المتغيرات بطبيعتها، يمكن أن تفاجئ العالم مرة أخرى. إذ إن دونالد ترامب يجري محادثات بشأن إعادة إنعاش القمة التي وصلت إلى حافة الهاوية، وذلك في رد على الإشارات التصالحية من كوريا الشمالية. ويظل رئيس كوريا الجنوبية هو الثابت في المعادلة الدبلوماسية، حيث تحدث بثقة يوم الأحد الماضي حول مستقبل المفاوضات بين الولايات المتحدة والكوريتين على الرغم من أن المفاوضات أصبحت في مهب الريح. وقال مون في تصريح له، بعد وقت قصير من إعلان ترامب إلغاء المفاوضات مع كيم يونغ أون «التخلص من السلاح النووي، والسلام الدائم في شبه الجزيرة الكورية، لا يمكن تجاهلهما أو تأجيلهما، إنه مهمة تاريخية».