عمل على مدى 8 سنوات لتحقيق الهدف
الكرملين يأمل في استغلال بطولة كأس العالم لإخراج روسيا من العزلة
من غير المعروف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من مشجعي كرة القدم، لذلك فمن غير المرجح أنه لا يعرف مقولة المدرب الإسكتلندي السابق، بيل شانكلي، الذي يرى أن كرة القدم «أهم من الموت والحياة». ولكن إذا نظرنا إلى التزام بوتين الشخصي بمشروع كأس العالم 2018، فسندرك أن الرئيس الروسي قريب من مبدأ مدرب ليفربول السابق.
بوتين يأمل في استضافة بلاده للبطولة أن ينسى العالم السياسة لمدة شهر، على الأقل، وأن يغلف نفسه بدلاً من ذلك بسحر الروح الروسية الأسطورية الغامضة. |
في عام 2010، ترأس بوتين الذي كان رئيس الوزراء آنذاك تدريبات مكثفة للضغط من أجل عقد البطولة الدولية في روسيا، وحصل على الأصوات اللازمة لاستضافة هذا الحدث المهم بفضل الطاقة والمثابرة، واستثمر الرئيس الروسي في البطولة بشكل كبير، لمدة ثماني سنوات، وقبيل انطلاق البطولة، كشفت اللجنة المنظمة المحلية عن أحدث فيديو ترويجي، وهو من بينً سلسلة يشارك في تقديمها الرئيس، وفيه يتم تصوير بوتين وهو مبتسم ويدير ظهره إلى الكرملين، عارضا غصن صداقة للعالم؛ «بالنسبة لبلدنا، إنه لفرح عظيم وشرف أن أرحب بعائلة كرة القدم الدولية. لقد فتحنا بلدنا وقلوبنا»، قبل الانتقال للتحدث بلغة إنجليزية ركيكة، قائلاً «مرحباً بكم في روسيا».
كان دوره مبتهجاً على غير العادة، لا شك أن بوتين يأمل في أن ينسى العالم السياسة لمدة شهر، على الأقل، وأن يغلف نفسه بدلاً من ذلك بسحر الروح الروسية الأسطورية الغامضة، إلا أن الحقيقة من المرجح أن تكون مختلفة.
الهجوم الكيماوي على عميل مزدوج روسي وابنته في سالزبوري؛ ودليل تناول الرياضيين الروس للمنشطات فضلاً عن مزاعم قرصنة المؤسسات الغربية، وأعمال الشغب في مرسيليا، إضافة إلى إضراب السجناء في روسيا عن الطعام والاستمرار في قمع المعارضة الداخلية، كل هذا يبدو كأنه سيجعل كأس العالم 2018 الروسية الأكثر تسييساً في الذاكرة الحية.
إن سلسلة من التعليقات التي يتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي تقود إلى نقطة البداية، وتظهر صور ملصقات كأس العالم الرسمية «التعويذة الروسية الرسمية» والمتمثلة في «الذئب زابيفاكا»، ولاعب يرتدي بدلة زاهية الألوان تحمل عنوان «نوفيتشوك 2018»، وحارس مرمى خلف «شبكة» تشبه سياج سجن؛ ولاعب آخر يركل الكرة في مسار صاعد، مثل الصاروخ، نحو طائرة ركاب.
ثم هناك مسألة كيف أقنعت روسيا عالم كرة القدم بقدرتها على استضافة الحدث. كان رئيس وزراء بريطانيا السابق، ديفيد كاميرون، الذي شارك في محاولة استضافة خاسرة لكأس العالم، صريحاً في انتقاده لعملية 2010، وحث العالم على «ملء الفراغات» في مسألة فوز روسيا، في إشارة ضمنية إلى أن الرشى لعبت دوراً حاسماً.
وفشلت التحقيقات الداخلية التي أجراها اتحاد كرة القدم «فيفا» في القضية في العثور على أدلة تدين موسكو، ولم تجد أي دليل على التواطؤ والرشوة. لكن الاتحاد أشار، أيضاً، إلى أن اللجنة الرسمية الروسية «قدمت فقط عدداً محدوداً من الوثائق المتاحة للمراجعة».
تمت إزالة أجهزة الكمبيوتر ومسح الأقراص الصلبة مع تقديم تفسيرات بسيطة فقط، وقد هيمنت مزاعم الفساد على مشروعات الإنشاءات ما بعد فوز روسيا بالاستضافة. وبالنسبة لبعض الأشخاص المطلعين بشكل جيد، فقد كان عمل سنوات قليلة مربحاً للغاية، وأنفقت موسكو رسمياً 12 مليار دولار من أجل الإعداد للبطولة، ومن المرجح أن يكون الرقم الحقيقي أعلى بمليارات عدة، نظراً لخصم ضريبة القيمة المضافة والأموال التي أُنفقت من الميزانيات الإقليمية الأخرى، ولم تخضع أي من العقود الرئيسة لمناقصات مفتوحة، في حين أن الأغلبية العظمى من عقود البنية التحتية كانت من نصيب أصحاب الأموال المؤيدين للزعيم الروسي، وكان بعضهم من أصدقاء الرئيس لفترة طويلة.
كل هذا يعني أن دافعي الضرائب الروس ربما أنفقوا ما لا يقل عن 10% أكثر مما كان عليهم فعله، وفقاً لنائب مدير منظمة الشفافية الدولية في روسيا، إيليا شومانوف «روسيا لديها بالفعل نموذج راسخ لهذا النوع من المشروعات، وفائض 10% على الأقل هو القاعدة»، ويتوقع قليلون أن يُعيد المشروع جزءاً صغيراً من الاستثمار الأصلي، وبالنظر إلى طبيعة اقتصاد ما بعد غزو شبه جزيرة القرم، فمن المرجح أن يكون هذا هو المشروع الأهم والأخير لبعض الوقت. لكن على الرغم من التكاليف، لا يشتكي أحد في الحكومة، كما يقول شومانوف.
تعتبر مثل هذه المشروعات الكبرى بمثابة الأوكسجين لدم الأنظمة الاستبدادية، يتابع شومانوف «من ناحية، أنها وسيلة لتخصيص كميات ضخمة من النقد دون أي رقابة عامة؛ ومن ناحية أخرى، إنها وسيلة لزيادة الوعي القومي والدولة الأمنية داخلياً. ثالثاً، هناك فرصة لإبراز البلد خارجياً».
من جهته، يرى المراقب المستقل كونستانتين جاز، أنه بعد فترة من العزلة المستمرة، يعتقد الكرملين «أنه بإمكانه استخدام البطولة الكروية للاستفادة من الظروف الدولية المتحسنة». ومع صعود أسعار النفط يتبدد القلق الفوري على الميزانية. كما أن موسكو تراقب كيف أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قام بتقسيم القادة الغربيين، حول إيران والتجارة، ودفعهم نحو الشرق.
في أوروبا، يرى الكرملين أصدقاء جدداً يمكنهم التحدث إليهم، مع علاقات أكثر دفئاً مع كل من النمسا وفرنسا. نعم، لن تحضر بريطانيا وأيسلندا حفل الافتتاح الرسمي، لكن لم تتم مقاطعة أوسع، ولم يتمكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الانضمام إلى البريطانيين والأيسلنديين.
ويقول جاز «يشعر رجال الرئيس بأن وقتهم قد حان، مرة أخرى»، متابعاً «إنهم يرون كأس العالم كاستثمار جيد، ووسيلة لتحسين مكانة روسيا. على أي حال، من الصعب أن تسوء الأمور».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news