قمة بوتين ترامب المرتقبة في هلسنكي تثير مخاوف الأوروبيين
التقى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكذلك المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التقت معه أيضاً. لكن عندما تأكد، يوم الخميس الماضي، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيلتقي مع بوتين أيضاً، كانت الدول الأوروبية غير مرحبة بهذا الاجتماع بين الرجلين.
• يعتمد سير الأمور في قمة هلسنكي على أداء ترامب في الاجتماعات التي تسبقها. • حقيقة لقاء ترامب مع بوتين ليست هي التي تثير مخاوف الأوروبيين، إذ إنهم أنفسهم يلتقون مع الرجل بصورة منتظمة، ولا توقيت اللقاء أيضاً، الذي كان متوقعاً بالنظر إلى التزامات الرئيس بوتين السابقة في أوروبا. وإنما تكمن المشكلة في أن القادة الأوروبيين لا يمكنهم التكهن بما سيصدر عن اللقاء. |
وفي نهاية المطاف، ثمة مبرر لذلك، إذ إن ترامب يلتقي مع بوتين في وقت لايزال فيه على خلاف مع الوسط الأمني الأميركي، حول قضية تدخل الروس لصالحه في الانتخابات الأميركية. وقال الرئيس الأميركي، على حسابه في موقع «تويتر» قبل أيام: «تواصل روسيا تأكيد أنها لم تتدخل في انتخاباتنا»، لكن تقييمات المخابرات الأميركية تقول غير ذلك، كما اضطرت الدول الأوروبية نفسها إلى مواجهة التدخل الروسي في انتخاباتها. وواصل ترامب خلافه مع الدول الأوروبية الحليفة لأميركا حول قضايا مثل سياسة التجارة، وتغير المناخ، والاتفاقية النووية مع إيران. وعلى ضوء تناقض ترامب مع حلف شمال الأطلسي، ناقش القادة الأوروبيون، صراحة، الحاجة إلى أن تقف أوروبا وحدها. ويمثل كل ذلك فتحاً ممكناً لبوتين، الذي يصبو منذ زمن إلى تفتيت التحالف الغربي.
وكان ترامب قد التقى مع بوتين سابقاً، وتحدثا مطولاً في قمة الدول العشرين بهامبورغ العام الماضي، ثم التقيا مجدداً في القمة الاقتصادية لآسيا والمحيط الهادي في فيتنام بعد ذلك. ومن المقرر أن يلتقي الرجلان في 16 يوليو الجاري بمدينة هلسنكي، التي طالما استضافت قمماً بين روسيا وأميركا، لمناقشة موضوعات عدة مثل الحرب في سورية، والعلاقات الأميركية الروسية، وقضايا أخرى تتعلق بالأمن القومي. وفي هذه الأثناء يكون ترامب قد انتهى لتوه من قمة «الناتو» في بروكسل، ومن زيارة إلى المملكة المتحدة طال انتظارها.
لا مخاوف
وفي الواقع، إن حقيقة لقاء ترامب مع بوتين ليست هي التي تثير مخاوف الأوروبيين، إذ إنهم أنفسهم يلتقون مع الرجل بصورة منتظمة، ولا توقيت اللقاء أيضاً، الذي كان متوقعاً بالنظر إلى التزامات الرئيس بوتين السابقة في أوروبا. وإنما تكمن المشكلة في أن القادة الأوروبيين لا يمكنهم التكهن بما سيصدر عن اللقاء. وإن كان ترامب يواصل إظهار ميوله نحو زعزعة التوازن الأوروبي. فقد فرض تعرفة جمركية ضخمة على استيراد الحديد والألمنيوم من الاتحاد الأوروبي، وحلفاء الولايات المتحدة الآخرين. وهدد القيام بالأمر ذاته مع شركات السيارات الأوروبية، الأمر الذي يهدد باندلاع حرب تجارية واسعة. وكان قد غادر قمة مجموعة الدول السبع مبكراً الشهر الماضي، لكنه دعا قبل ذلك إلى دعوة روسيا إلى المجموعة، التي تم إيقاف عضويتها، إثر غزوها لأوكرانيا عام 2014. وتراجع في نهاية المطاف عن تأييده للبيان المشترك للحضور. وطالب، ساخراً، بأنه يتعين على الولايات المتحدة أن تحدد مشاركتها في حلف شمال الأطلسي، على أساس التعاون في كل حالة على حدة. ونقل عنه قوله إن هذا التحالف العسكري فيه من السوء بقدر اتفاقية «نافتا» للتجارة الحرة بين دول أميركا الشمالية.
وهذه الخطوات، التي لا يمكن توقع صدورها عن الرئيس ترامب، هي التي تثير مخاوف الأوروبيين من لقاء هلسنكي. وقال لي السفير الأميركي السابق في بولندا، والزميل المميز في معهد «أتلانتك كاونسل» الفكري دانييل فرايد: «الأوروبيون بصورة عامة لا يخشون تعامل الرئيس الأميركي مع روسيا عموماً، وإنما هم يخشون هذا الرئيس بالتحديد، أي ترامب، عندما يتعامل مع روسيا وهم لا يعرفون إطاره الاستراتيجي». وتحدث فرايد، الأسبوع الماضي، أمام مسؤولين أوروبيين عن القمة المرتقبة في هلسنكي. وأضاف «عندما يكون الرئيس ترامب على خلاف مع إدارته نفسها نتيجة تملقه بوتين، وعندما يكون منجذباً إلى دول غير ديمقراطية مثل كوريا الشمالية، فإن ذلك مثير للقلق جداً».
ياسمين سرحان مساعد رئيس تحرير «ذي أتلانتك» في لندن
أسباب القلق
هناك أسباب لهذا القلق، ففي القمة التاريخية مع رئيس كوريا الشمالية كيم يونغ أون بداية الشهر الماضي في سنغافورة، تلقى ترامب التزامات مبهمة من بيونغ يانغ بالتخلص من السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية، دون برنامج يحدد متى حدوث ذلك. وبالمقابل، تعهد ترامب بأن يوقف التدريبات العسكرية مع كوريا الجنوبية، ومنح كيم ما اعتبر نصراً على نطاق واسع في العالم، وهو الفرصة لأن ينظر إليه باعتباره ليس دكتاتوراً لدولة معزولة، وإنما عضو شرعي في المجتمع الدولي.
وبالطبع إن المخاطر تكون أكبر مع شخص مثل بوتين. وبخلاف كيم، فإن بوتين ليس معزولاً دولياً، كما أنه ليس جديداً على عقد الصفقات مع الرؤساء الأميركيين. وأثبت ترامب أنه سهل الانقياد عند كيل المديح والإطراء له، وهو الأمر الذي لاحظه بوتين، ويمكن أن يستغله. وقال فرايد «يمكن أن يكون بوتين ساحراً، وهو ذكي ويعرف كيف يتعامل مع الرجل. ويخشى القادة الأوروبيون أن يتمكن وبسهولة من جعل ترامب يقبل بشيء، أو يقدم شيئاً مقابل شيء لا يذكر، وهو أمر سيئ في عقد الصفقات».
ويمكن أن يتصرف ترامب، مثلاً، بالأسلوب نفسه الذي كان عليه في سنغافورة. ويمكن أن يتعهد بإيقاف قيادة الولايات المتحدة التدريبات العسكرية لحلف شمال الأطلسي في بولندا، ودول البلطيق التي تعارضها روسيا. ويمكن أن يوافق على تخفيف العقوبات على روسيا دون معالجة هذه الأخيرة قضية ضم شبه جزيرة القرم، التي كانت السبب الأساسي في فرض العقوبات على روسيا. وذكرت تقارير إخبارية، صدرت من قمة مجموعة الدول السبع الغنية التي عقدت الشهر الماضي، تساؤل ترامب عن السبب الذي يجعل دول المجموعة تؤيد أوكرانيا، وأضاف أن القرم جزء من روسيا، لأن جميع سكانها يتكلمون اللغة الروسية.
وبالطبع ليس الجميع متشائمين من قمة هلسنكي. وخلال حديثه في قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، قبل أيام، وصف الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، الجنرال جينز ستولتنبيرغ، قمة هلسنكي المرتقبة بأنها «إشارة قوة»، وقال إنه من مصلحة حلف شمال الأطلسي أن يكون هناك حوار مع روسيا. وأضاف «نحن لا نريد حرباً باردة جديدة».
وأشار فرايد، أيضاً، أن ثمة مصالح للولايات المتحدة يمكن أن تحصل عليها أيضاً. وقال: «لقد كان مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، والرئيس ترامب على صواب، عندما قالا ثمة مسائل يمكننا التعاون فيها مع روسيا». وأضاف «لكن ليست هناك أي مسألة منها تستوجب تخفيف الضغط على روسيا، رداً على عدوانها ضد أوكرانيا وأوروبا، وضد التدخل في الانتخابات، وضد الولايات المتحدة».
ويعتمد سير الأمور، في قمة هلسنكي، على أداء ترامب في الاجتماعات التي تسبقها. وقال فرايد، خلال قمة الناتو في بروكسل التي ستسبق قمة هلسنكي، يخشى الأوروبيون أن يكرر ترامب التصرف ذاته، الذي قام به خلال قمة مجموعة الدول السبع الصناعية، عن طريق التهجم على حلفائه الأوروبيين، لأنهم يربحون في تجارتهم من الولايات المتحدة. وفي واقع الأمر إن الخلاف في قمة مجموعة السبع كان يتعلق بالتجارة، أما في بروكسل فالخلاف سيكون حول الإنفاق الدفاعي. وبصورة مماثلة يمكن أن تنذر زيارة ترامب إلى بريطانيا بنتائج سيئة، إذ تهدد الاحتجاجات التي ستتشكل ضد ترامب بتدهور العلاقة الخاصة بين أميركا وبريطانيا، وهي في حالة سيئة أصلاً.
وقال فرايد «إذا ذهب ترامب إلى بوتين بتحالف قوي ومرتاح وراءه، فإنه سيحقق النجاح». وأضاف «لكن إذا ذهب الرئيس إلى بوتين بتحالف منقسم على نفسه وراءه، فسيكون في موقف ضعيف لأنه لا يرغب في أن يفشل ويصبح لديه ثلاثة اجتماعات سيئة. وثمة خطر بأن يدفع ثمناً باهظاً لبوتين على شكل تنازلات غير متبادلة، فقط من أجل الحصول على اجتماع جيد ولو من الناحية الشكلية. ولا أرى أي مصلحة لأميركا في ذلك».