قمة ترامب - بوتين نقمة على الغرب.. نعمة لليابان
على الرغم من أن قمة الرئيسين: الروسي فلاديمير بوتين، والأميركي دونالد ترامب، التي عقدت يوم الإثنين في العاصمة الفنلندية هلسنكي، وكذلك تصريح ترامب الأخير، الذي اعتبر الاتحاد الأوروبي «خصماً»، قبل يوم واحد من القمة، قد شكل موجة من الصدمات في عواصم حلفاء أميركا بما فيها طوكيو، إلا أن هذه القمة يمكن أن تشكل نعمة سياسية بالنسبة لرئيس الحكومة اليابانية شينزو آبي.
وكان هذا اللقاء هو الأول الذي يجمع ترامب في هلسنكي، مع الرجل الذي طالما وصفه بأنه المنافس المهم للولايات المتحدة، لكنه قائد قوي ومؤثر. وتعتبر هذه الصفات - رغم الانتقادات الموجهة إلى روسيا، واتهامها بالتدخل في انتخابات الرئاسة الأميركية، واحتلال شبه جزيرة القرم - منسجمة مع ما يراه آبي في بوتين أيضاً. وقال أستاذ السياسة في جامعة تمبل في طوكيو، المتخصص في العلاقات الروسية اليابانية، البرفيسور جيمس براون: «لأسباب كثيرة، آبي سعيد بالاجتماع الذي عقده ترامب مع بوتين في هلسنكي». وأضاف: «إنه سيعتبر مصادقة على سياسة آبي إزاء روسيا».
وقال براون إن أسلوب آبي «يروج للانخراط سياسياً على أعلى المستويات مع روسيا»، وتضمن ذلك عقد نحو 21 لقاء بين الرجلين، في الوقت الذي يواصل قادة دول العالم الآخرون مقاطعة الرئيس الروسي.
وعلى نطاق واسع، يُنظر إلى هذه الإيماءات، التي يقوم بها آبي، باعتبارها محاولة لحل نزاع طال أمده بين الطرفين، حول أربع جزر تقع قبالة هوكايدو اليابانية، والذي كان يمنع الدولتين من توقيع اتفاق سلام يضع نهاية رسمية للحرب العالمية الثانية.
وركز آبي معظم آماله على نشاطات اقتصادية مشتركة، تقام على الجزر التي تسيطر عليها روسيا وتطالب بها اليابان، والتي تطلق عليها طوكيو اسم «الأراضي الشمالية»، بهدف تمهيد الطريق أمام حل هذا النزاع. إلا أن التحرك لم يحقق الكثير من النجاح. لكن خلال السعي لتحقيق هذا الهدف الذي يبدو وهمياً، اتخذ آبي موقفاً أكثر ليونة مما اتخذه نظراؤه الاميركيون في ما يتعلق بالعقوبات ضد روسيا، نتيجة ضمها لشبه جزيرة القرم، كما أنه أحجم عن انتقاد بوتين بشأن قضايا عدة.
وفيما كانت طوكيو تعاني التخبط، خوفاً من ردة فعل الغرب على موقفها المرن من روسيا، يقول براون إن قمة ترامب بوتين ستكون سبباً قوياً لتخفيف هذه المخاوف. وقال براون «لطالما كان هناك تخوف في طوكيو، مما يمكن أن يجره عليها موقف آبي المرن من روسيا من انتقادات دول الغرب. لكن بعد قمة ترامب مع بوتين، وإحجام الرئيس الأميركي عن انتقاد ما اعتبر أنه أعمال روسيا القذرة على المستوى الدولي، أصبح آبي يستطيع الشعور بالثقة من أن سياسته إزاء روسيا لن تواجه بالانتقادات من البيت الأبيض».
مواجهة الحقيقة
لكن آبي يجب أن يواجه حقيقة أخرى تكتنف لقاءاته مع الرجل الزئبقي ترامب، والتي تتمثل في استعداد الرئيس الأميركي أن يقلب عقوداً من السياسة الخارجية الأميركية رأساً على عقب، ويتخلى عن حلفائه من أجل خدمة مصالحه السياسية. وكان ذلك جلياً تماماً خلال زيارة ترامب إلى أوروبا حيث وبخَّ حلفاءه، وطرح تساؤلات بشأن قيمة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ووجه انتقادات لاذعة لقادة الحلف، بمن فيهم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، ورئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي. وعندما سئل خلال مقابلة أجريت معه، أخيراً، عن الأطراف التي يعتبرها أكبر الخصوم في العالم، أجاب ترامب إنها دول الاتحاد الأوروبي. وأضاف «ما الذي يفعلونه لنا في مجال التجارة».
ويمتلك ترامب تاريخاً طويلاً من توجيه انتقاد لليابان في قضايا مشابهة لما ينتقده الآن في الاتحاد الأوروبي، بما فيها ما قاله عن الممارسات التجارية غير العادلة مع اليابان، كما أنه حث طوكيو على الإسهام في تكاليف الجنود الأميركيين المرابطين على الأراضي اليابانية. لكن هذه الانتقادات خفت الآن بعد تركيز ترامب على الأزمة النووية في كوريا الشمالية، لكنه عاد إلى ذلك بعد انتهاء قمته مع رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون.
التغريدات
لكنْ أحد أصعب التحديات التي تواجه آبي وغيره من قادة حلفاء أميركا، هو تحديد ما إذا كانت تحركات ترامب المستقبلية هي تغيرات في السياسة، أو نسخة جديدة من التغريدات، حسب ما قاله البرفيسور في العلاقات الدولية من جامعة لا تروب في أستراليا الخبير في شؤون آسيا، نيك بيسلي، مشيراً إلى أن عادة الرئيس الروتينية تتمثل في إطلاق التغريدات، ومن ثم التراجع عنها في ما بعد، أو تخفيف حدة ما قاله فيها. وعلى الرغم من أن مثل هذه التحركات مقلقة للغاية بالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة، فإن بيسلي يقول إنها لا تدل على استعداد ترامب للتخلي علناً عن الحلفاء، ومن ثم التراجع عن ذلك، وإنما «لأننا شاهدنا نموذجاً مؤكداً لسلوك ترامب، تكون فيه الأولوية الأولى اهتمامه بالشأن الداخلي، خصوصاً إرضاء قاعدته السياسية»، وأضاف: «إذا كان هذا يعني حدوث حرب تجارية، أو تقويض الأحلاف فليكن. ولا توجد في ذهن ترامب استراتيجية كبرى، وإنما مجرد خلفية دولية لسياسة ترامب المحلية».
وقال بيسلي إن «السؤال المهم هنا يتعلق بما إذا كان هذا النوع من السلوك سيستمر لمدة أربع سنوات، وما مدى تأثيره في البنية العميقة للدفاع لدى الولايات المتحدة، وعلى سياساتها الخارجية».
ويمكن أن يستفيد آبي على المدى القريب. رغم أنه سيواجه بعض الانتقادات بسبب سياسته الروسية، فمن غير المحتمل أن يتشابه مع البيت الأبيض في ما يتعلق بهذه السياسة. وقال براون «حتى لو أن ترامب لا يحظى بشعبية في اليابان، إلا أن ثمة اعترافاً واسعاً في هذا البلد، بضرورة أن يبقى رئيس الحكومة اليابانية قريباً منه». وأضاف: «هذا وضع مختلف تماماً عن المملكة المتحدة، حيث تعرضت ماي لانتقادات شديدة داخلياً، لأنها قامت باستضافة ترامب في بريطانيا. ويمكن أن تواجه سياسة آبي إزاء روسيا بعض الانتقادات في اليابان لكونها غير فعالة، لكنها لن تتعرض للإدانة كونها متقاربة جداً مع ترامب. لذلك فإن قمة بوتين ترامب كانت نعمة لآبي».
يمتلك ترامب تاريخاً طويلاً من توجيه انتقاد لليابان،
في قضايا مشابهة لما ينتقده الآن في الاتحاد
الأوروبي، بما فيها ما قاله عن الممارسات
التجارية غير العادلة مع اليابان، كما أنه حث
طوكيو على الإسهام في تكاليف الجنود
الأميركيين، المرابطين على الأراضي اليابانية.
يجب على آبي مواجهة حقيقة أخرى
تكتنف لقاءاته مع الرجل الزئبقي ترامب،
تتمثل في استعداد الرئيس الأميركي
أن يقلب عقوداً من السياسة الخارجية الأميركية
رأساً على عقب، ويتخلى عن حلفائه من أجل
خدمة مصالحه السياسية.