يرى محللون أنها ناجمة عن الفساد
احتجاجات العراق تعكس الإهمــال الذي تعانيه أجزاء من البلاد
طار مسؤولون عراقيون إلى طهران قبل أيام في محاولة لإبرام صفقة مع إيران للحصول على الكهرباء، من أجل نزع فتيل الاحتجاجات المناهضة للحكومة، التي يمكن أن تزعزع الاستقرار وتشر الفوضى عبر المحافظات الجنوبية للبلاد. وبدأت الاحتجاجات قبل أسبوع، وسط غضب المواطنين الشديد بسبب البطالة وتفشي الفساد، وعدم الحصول على الخدمات الأساسية مثل الطاقة الكهربائية والمياه. وأعلنت وزارة الصحة العراقية، الاثنين الماضي، أن ثمانية متظاهرين قتلوا في الاضطرابات، وتقول الشرطة العراقية إن العشرات من قوات الأمن أصيبوا بجروح.
ويعتقد محللون أن الأزمة، التي يمكن أن تهدد حكومة تصريف الأعمال في العراق، هي نتيجة غير مباشرة للعقوبات التجارية التي أعادت الولايات المتحدة فرضها على إيران، بعد انسحاب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي في مايو، المبرم عام 2015 بين إيران وست قوى رئيسة، من بينها الولايات المتحدة. فقد ظل العراق يستورد إمدادات الكهرباء لسنوات عدة من إيران، التي تعتبر واحدة من أكبر الشركاء التجاريين للعراق. لكن بعد إعادة فرض العقوبات فإن إيران، كما يقول المسؤولون العراقيون، لن تستطيع الحصول على المقابل النقدي من العراق نظير ما تصدره من كهرباء، لذلك أوقفت أخيراً إمدادات الكهرباء. ويقول المتحدث باسم وزير الكهرباء العراقي، محمد فتحي: «لا يمكن لإيران أن تحصل على المدفوعات بسبب العقوبات، لذلك توقفت عن توفير الطاقة للعراق لهذا السبب». ويمضي قائلاً إن عملية تحويل مبلغ 250 مليون دولار لدفع تكاليف الكهرباء كان يتم من خلال بنك التجارة العراقي المملوك للحكومة. وكان تصدير الكهرباء يمثل أهم مصادر العملات الصعبة بالنسبة لإيران. ويقول فتحي إن العراق يحتاج إلى واردات الكهرباء جزئياً، لأن ثلاث سنوات من القتال ضد تنظيم «داعش»، دمرت محطات الطاقة الكهربائية وخفضت قدرة العراق على توليد الكهرباء الخاصة به.
وعلى الرغم من أن العقوبات - بما فيها التي يتم فرضها على الدول والشركات التي تتعامل مع إيران - من المفترض أن تدخل حيز التنفيذ في أغسطس، إلا أن بعض المعاملات، بما فيها التحويلات المصرفية الدولية إلى إيران، قد تم حظرها على الفور، تماشياً مع توجيهات وزارة الخزانة الأميركية، القاضية بأن يتم تنفيذها في أسرع وقت ممكن.
خلال عطلة نهاية الأسبوع، ترأس وزير الكهرباء العراقي، قاسم الفهداوي، وفداً إلى إيران لمناقشة إعادة التيار الكهربائي الذي تم إيقافه، خلال الشهر الماضي، بسبب ما وصفته وزارة الكهرباء، في بيان، بمشكلات تحويل المدفوعات لأسباب فنية.
الكهرباء مجرد عنصر
ويقول السفير العراقي السابق لدى الولايات المتحدة، لقمان فيلي، إن «الكهرباء مجرد عنصر واحد من المؤثرات غير المباشرة في العراق، في ما يتعلق بالعقوبات المفروضة على إيران. ونستطيع أن نرى تأثير هذه العقوبات ليس في الكهرباء فحسب، بل في قطاعات مصرفية وقطاعات أخرى». ويمضي قائلاً «هذه عواقب غير مقصودة (تحقق) مكاسب فورية لأميركا على حساب استقرار العراق على المدى الطويل».
أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 20 مليار دولار لإعادة إعمار العراق بعد غزوه عام 2003، والكثير من هذه الأموال كان مخصصاً لاستعادة إمدادات الكهرباء والماء في البلاد. ولكن على الرغم من الأموال التي تم إنفاقها، فإن سوء الإدارة أثناء الاحتلال الأميركي والحكومات العراقية التالية، قد جعل العراقيين يعانون من انقطاع التيار الكهربائي وإمدادات المياه بشكل منتظم. وبالمختصر فقد تم إهمال جنوب العراق بشكل خاص.
وكانت مدينة البصرة، أحد أماكن الاحتجاجات، تقع ضمن مدى الصواريخ الإيرانية، وقد تضررت بشدة خلال حرب العراق مع إيران في الثمانينات، التي دامت ثماني سنوات.
وعندما هبّ الشيعة في جنوب العراق ضد الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، بعد انسحابه من الكويت عام 1991، عاقبهم الزعيم العراقي بإرسال قواته لتأديبهم وحرمانهم من الخدمات.
الوعود مجرد أكاذيب
ويقول حيدر الحلفي، وهو من سكان البصرة، ويصف نفسه كمنظم احتجاج: «نعتقد أن كل الوعود مجرد أكاذيب»، وتحدث الحلفي، الذي كان يقود احتجاجاً خارج مبنى مجلس المحافظة في البصرة، أن أعضاء المجلس رفضوا الاجتماع معهم. وقال «إننا نتظاهر بسبب تدهور الخدمات والبطالة والمياه السيئة»، ويقول المتظاهرون إنهم يريدون إسقاط الحكومة، وطالبوا جميع الأحزاب السياسية بمغادرة البصرة، ويقول البعض إنهم يلومون إيران على الأزمة. وفي جزء آخر من البصرة، أشعل المتظاهرون النار في لوحة إعلانية ضخمة للزعيم الروحي الإيراني الراحل، آية الله الخميني.
وانتشرت الاحتجاجات من البصرة، خلال الأسبوع الماضي، في أربع محافظات جنوبية أخرى من العراق. وكانت المظاهرات صغيرة لكن ذات هدف محدد، وقام المتظاهرون في العديد من المدن بإشعال النار في مكاتب «حزب الدعوة» الذي يتزعمه رئيس الوزراء، حيدر العبادي، ومكاتب الأحزاب السياسية المدعومة من إيران. وطالبوا بتوفير الوظائف، وأغلقوا الطريق إلى مدخل ميناء الشحن الرئيس بالقرب من البصرة وإلى العديد من حقول النفط.
كما امتدت المظاهرات إلى مدينة النجف، جنوب بغداد. ويبدو أن المرجع الشيعي الأعلى في العراق، آية الله علي السيستاني، يعطي المتظاهرين الضوء الأخضر في رسالة وجهها لهم الجمعة. ويقول هذا الزعيم الديني إن المتظاهرين يستحقون التعاطف بسبب مطالبهم العادلة، مشيراً إلى أن أغلب مقاتلي الميليشيات الذين لقوا مصرعهم في القتال ضد «داعش» كانوا من جنوب العراق. وردّ العبادي على الاضطرابات من خلال نشر الجنود وقوات مكافحة الإرهاب لحماية المنشآت النفطية والمباني الحكومية. واستخدمت قوات الأمن خراطيم المياه، وأطلقت الذخيرة الحية بالهواء في محاولة لتفريق المتظاهرين.
العبادي، الذي يترأس حكومة انتقالية ويأمل أن يُنتخب مرة أخرى رئيساً للوزراء، يجد نفسه في وضع غير مستقر. وقد وعد في أعقاب الاحتجاجات بالإفراج عما يعادل ثلاثة مليارات دولار من الأموال المخصصة للاستثمار والخدمات في الجنوب، لكن ليس من الواضح ما إذا كان يملك التفويض للقيام بذلك، أو ما إذا كان يستطيع إنفاق تلك الأموال بالسرعة الكافية لحل المشكلة. وأسفرت الانتخابات البرلمانية، في مايو الماضي، عن اتهامات بالاحتيال على نطاق واسع، وأدت إلى إعادة فرز بعض النتائج. وقد تمرّ شهور قبل أن تتمكن الأحزاب الفائزة من تشكيل حكومة ائتلافية، وفي هذه الأثناء لا يبدو أن الاحتجاجات على وشك الانتهاء.
17 طلباً
قدم المحتجون قائمة من 17 طلباً، أحدها يطالب الحكومة بإعلان جدول حكومي لتوفير المياه والكهرباء، المهمان للغاية عندما تتجاوز درجة الحرارة خلال الصيف 50 درجة مئوية، ما يجعل البصرة واحدة من أكثر الأماكن حرارة على وجه الأرض.
ويقول السكان المحليون إن آخر مرة كان لدى مدينة البصرة الساحلية، التي كانت تسمى في وقت ما بمدينة البندقية الخليجية، إمدادات كافية من مياه الشرب في عام 1982. المطلب المهم الثاني للمتظاهرين هو توفير الوظائف مع إعطاء «أولوية لأبناء البصرة المؤهلين»، وصرف العمال الأجانب، وتوظيف ربع عدد المواطنين الذين يعيشون في مناطق حقول النفط.
وتعتبر البطالة مصدر شكوى مستمرة في جميع أنحاء العراق، الذي يذهب جزء كبير من دخله النفطي لدفع رواتب 4.5 ملايين موظف حكومي، إلا أن ما بين 400 و420 ألف شاب يدخلون سوق العمل كل عام، مع قلة فرص العمل. ويبدو أن الغضب من الطبقة السياسية على أشده لأن عامة أبناء الشعب ينظرون إليها على أنها مجموعة تحصل على المال مقابل عقود لم تكن موجودة إلا على الورق. ولم تستطع إقامة أي محطات جديدة للكهرباء أو جسور أو طرق. ويعتقدون أن الأحزاب السياسية هي محور هذا الفساد، لأنها هي التي تختار الوزارات، حسب نصيبها من الأصوات في الانتخابات أو انتمائها الطائفي، حيث تستغل الأحزاب هذه الوزارات وتجعلها مصدراً للمحسوبية والعقود الوهمية. وبسبب هذا النهب وتكليف الوظائف إلى أشخاص غير مؤهلين، أصبح العديد من المؤسسات الحكومية عاجزاً عن أداء أي مهام مفيدة. ويبدو أن الإصلاح الجذري صعب لأن النظام بأكمله مشبع بالفساد وعدم الكفاءة، فالتكنوقراطيون الذين ليس لهم دعم حزبي يصبحون معزولين وغير فاعلين.
- الولايات المتحدة أنفقت أكثر من 20 مليار دولار
لإعادة إعمار العراق بعد غزوه عام 2003،
والكثير من هذه الأموال كان مخصصاً لاستعادة
إمدادات الكهرباء والماء في البلاد، لكن
على الرغم من الأموال التي تم إنفاقها، فإن سوء
الإدارة أثناء الاحتلال الأميركي والحكومات العراقية
التالية، قد جعل العراقيين يعانون من انقطاع التيار
الكهربائي وإمدادات المياه بشكل منتظم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news