تسييس قطاع الطاقة فاقم أزمات دول عربية عدة
مشكلات الكهرباء «المستفحلة» تعكس تردي أوضاع الشرق الأوسط
تعبّر أزمات انقطاع الكهرباء عن جانب من التفاعلات الداخلية أو البينية لعدد من دول المنطقة، مثل ليبيا وتونس واليمن، والعراق والأردن ولبنان والأراضي الفلسطينية، خلال الفترة الماضية، لاسيما مع موسم الذروة في فصل الصيف، في ظل ارتفاع درجات الحرارة، وهو ما أوضحته جملة من المؤشرات الدالة، التي تتمثل في تزايد الاحتجاجات الشعبية في جنوب ووسط العراق، ودور إيران في قطع خطوط الإمداد الكهربائي، بهدف ممارسة ضغوط سياسية، ودعوات العصيان المدني في ليبيا لانقطاع التيار الكهربائي، وتعرض المحطات للسرقة والتخريب، ورفض التيارات السياسية الرئيسة لخطة إصلاح قطاع الكهرباء في لبنان، ومعاناة سكان قطاع غزة من أزمات الكهرباء والمياه بسبب حصار إسرائيل وسيطرة حركة «حماس».
أزمات متكررة
لم تكن أزمات الكهرباء التي تشهدها الدول السابقة هي الأولى من نوعها، بل كانت هناك أبعاد أخرى لأزمة الكهرباء، خلال الفترة من عام 2014 وحتى عام 2017، حينما حرصت التنظيمات الإرهابية العابرة لحدود دول الإقليم على استهداف البنية التحتية للكهرباء، في بؤر الصراعات العربية، وهو ما فعله تنظيم «داعش» في إطار مواجهاته المسلحة مع القوات النظامية في سورية والعراق في أعوام سابقة، على نحو يؤدي إلى تكبد الحكومات خسائر اقتصادية، وينتج ضغوطاً شعبية واسعة، بل تم فرض رسوم شهرية على استهلاك الكهرباء، فضلاً عن سرقة محطات الكهرباء من قبل «عصابات النحاس» في بعض مناطق ليبيا.
وكذلك تم اختطاف موظفي الشركة التركية العاملين بمشروع محطة «أوباري» بليبيا، في نوفمبر 2017، على نحو يزيد مخاوف الشركات الأجنبية من العمل هناك. كما أن سيطرة الحوثيين على أجزاء من اليمن أدت إلى تفاقم أزمة الكهرباء، لاسيما مع تقادم وتهالك محطات التوليد الكهربائية، وخروج بعضها من الخدمة، وارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وظروف الصراع الدائر. إلى جانب أن تصاعد أزمات الكهرباء المعتادة أسهم في تزايد المطالبات المجتمعية باستقالة الحكومة في دولة مثل الأردن، في حين قادت الأزمة في تونس إلى الاستيراد من الجزائر والمغرب.
وبوجه عام، يمكن تناول الأزمات العاكسة لدور «ملف الكهرباء» في تفاعلات الإقليم، خلال الأشهر الماضية، على النحو التالي:
غضب شعبي
تفاقمت الأوضاع وخرج الناس إلى الشوارع على نحو أجبر رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، على إصدار أمر بإقالة وزير الكهرباء، قاسم الفهداوي، في 29 يوليو 2018، بعد ثلاثة أسابيع من اندلاع موجة احتجاجات في جنوب ووسط العراق، بسبب الضعف الحاد في خدمات الكهرباء التي لا تحصل عليها الأسر العراقية إلا ساعات محدودة يومياً، في الوقت الذي وصلت فيه درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية.
ودفع ذلك المحامي، طارق المعموري، إلى رفع دعوى قضائية ضد الفهداوي ووزارة الكهرباء، بسبب عدم الإيفاء بالتعهدات بتوفير الطاقة، رغم تسلمها مخصصات مالية تجاوزت 40 مليار دولار خلال الأعوام الأخيرة. وصدر بيان أخير عن المكتب الإعلامي للعبادي، يشير إلى أن «رئيس مجلس الوزراء أمر بسحب يد وزير الكهرباء على خلفية تردي خدمات الكهرباء»، في حين يبرر المسؤولون العراقيون عدم توافر الطاقة بقلة الاستثمارات نتيجة انخفاض أسعار النفط، إضافة إلى عدم دفع السكان في مناطق واسعة من البلاد فواتير الكهرباء.
تدخل طهران
تجسد هذا الأمر من خلال توقف إيران، قبل فترة قصيرة، عن تصدير الكهرباء إلى العراق، بعد أن كانت مورداً للطاقة الكهربائية في مناطق بالجنوب، وتحديداً محافظتَي ديالى والبصرة، بسبب النقص الحاصل لديها، وخلافات حول الاستحقاقات المالية. وأشارت وزارة الكهرباء العراقية، ببيان صادر في السادس من يوليو 2018 إلى وجود «عجز في تجهيز الطاقة الكهربائية بلغت قدرته 1000 ميغاواط، بسبب قطع إيران للشبكة، ما أثر سلباً وبشكل مباشر في عدد ساعات إمداد المدن الجنوبية بالطاقة الكهربائية».
لذلك طالبت وزارة الكهرباء المواطنين بترشيد الاستهلاك لتخفيف العبء عن المنظومة الكهربائية، في ظل غياب الحلول، الناجم عن إهمال المشروعات التنموية والخدمية طيلة الأعوام الماضية، وإن كانت الاعتبارات السياسية هي التي قادت طهران إلى تبني هذا الموقف، خصوصاً بعد أن أسفرت الانتخابات البرلمانية عن تراجع مرتبة ائتلاف «الفتح»، الذي يمثله القيادي في «الحشد الشعبي»، هادي العامري، المرتبط بإيران، بما أضعف حظوظه في تشكيل الحكومة المقبلة، فضلاً عن تزايد العراقيل التي تواجه آلية تسديد الديون بفعل العقوبات الجديدة المفروضة على إيران.
عصيان مدني
يأتي هذا بسبب استمرار انقطاع الكهرباء لفترة طويلة، على غرار الدعوات التي أطلقتها بلدية حي الأندلس، التابعة لمدينة طرابلس، في النصف الثاني من يوليو 2018. وتؤكد النشرات اليومية، الصادرة عن شركة الكهرباء، أن عدد ساعات انقطاع التيار الكهربائي لا يتجاوز ثماني ساعات، إلا أن ذلك غير كافٍ، نظراً إلى ارتفاع درجات الحرارة، بل إن عدد ساعات الانقطاع يتجاوز ذلك بكثير في بعض الأحيان.
وتنتج ليبيا نحو 5000 ميغاواط من الكهرباء، فيما يصل الاستهلاك في أوقات الذروة إلى نحو 7000 ميغاواط، بعجز يبلغ 2000 ميغاواط، الأمر الذي يدفع الشركة إلى طرح أحمال وفصل الكهرباء. وتتحمل طرابلس (أكبر المدن وأكثرها كثافة سكانية) النصيب الأكبر من ساعات الانقطاع، وفي هذا السياق طالب رئيس المجلس الرئاسي، فايز السراج، بعدالة طرح الأحمال بين طرابلس والمدن الأخرى، التي ترفض قطع التيار الكهربائي عنها، بعد تحمل طرابلس أعباء كبيرة، كادت تنذر بانهيار الشبكة العامة بسبب زيادة الطلب.
فساد سياسي
وهذا ينطبق بشكل جلي على حالة لبنان، مع الأخذ في الاعتبار أن العجز الموجود في هذا القطاع يبلغ 36 مليار دولار من أصل 80 مليار دولار، أي يشكل 45% من حجم المديونية العامة، وفقاً لأحد التقديرات. ولم يكن هذا التدهور مرتبطاً بأداء الحكومة الحالية فقط، بل يعود إلى الحرب مع إسرائيل التي دمرت البنية التحتية، في الوقت الذي لم تقم الحكومة بتطبيق الخطة الرامية لوجود هيئة ناظمة، تقضي بالفصل بين القطاعات الثلاثة للكهرباء في البلاد، وهي معامل الإنتاج والشبكات والتوزيع والجباية (التحصيل).
يضاف إلى ذلك عدم إعادة تأهيل مؤسسة كهرباء لبنان الرسمية وتحديث قوانين نظامها، وإشراك القطاع الخاص في إنتاج الكهرباء، على أن تبقى الشبكات للدولة. غير أن هذه الخطة لم تطبق بفعل توظيف ملف الكهرباء في إطار الصراع السياسي الداخلي، حيث يرفض «التيار الوطني الحر» المؤيد للرئيس، ميشال عون، تنفيذ القانون الناظم للقطاع، بل إن قرارات تمديد مخالفة للقوانين تتخذ بشكل مستمر، سواء في ما يتعلق برئاسة مؤسسة كهرباء لبنان، أو تعيين بعض المديرين بالتكليف، وهو ما يفسر تفاقم أزمة الكهرباء في البلاد منذ يناير 2018 وحتى الآن.
سجن غزة
هذا الأمر يعبر عنه واقع سكان غزة، في ظل أزمات الكهرباء والمياه، وتدهور الحياة الاقتصادية العامة والخاصة، حيث تعلن شركة الكهرباء في قطاع غزة عن توقف شبه دوري لمحطة الكهرباء عن العمل، نتيجة استمرار الاعتداءات الإسرائيلية، وتشديد الحصار على القطاع، فضلاً عن الخلافات الداخلية الناجمة عن النزاع بين حركتَي «فتح» و«حماس». وفي هذا السياق، حذرت الأمم المتحدة، بتقرير صدر في يوليو 2017 بعنوان «غزة بعد 10 أعوام»، من أن القطاع قد يكون بالفعل غير صالح للحياة بحلول عام 2020 بعد مرور أعوام عدة على الحصار الإسرائيلي، وسيطرة حركة «حماس» عليه.
ليبيا تنتج نحو 5000 ميغاواط من الكهرباء، فيما يصل الاستهلاك في أوقات الذروة إلى نحو 7000 ميغاواط، بعجز يبلغ 2000 ميغاواط، الأمر الذي يدفع الشركة إلى طرح أحمال وفصل الكهرباء.
مسارات المواجهة
يضغط ملف الكهرباء على دول الإقليم، على الصعيدين السياسي والأمني، لاسيما أن أزماته متكررة، على نحو يستلزم مواجهة على مسارات مختلفة، يتمثل أبرزها في:
1- البناء الداخلي، عبر إصلاح الشبكات الداخلية وتقديم خدمات الصيانة للمحطات الكهربائية المتوقفة عن العمل، وتوفير الأمان والحماية لفرق الصيانة من قبل الجيوش النظامية في بعض بؤر الصراعات مثل ليبيا، والاستعانة بمحطات الطاقة الشمسية، خصوصاً في المستشفيات، لتوفير كهرباء لا تنقطع.
غير أن ذلك مرهون بتوافر موارد مالية، وكان نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، أحمد معيتيق، قال في 14 يناير 2017: «ستنتهي أزمة الكهرباء في ليبيا مارس 2017، حيث سيصل العجز إلى حدود ما بين 10 و15% فقط»، لكنه اشترط تحقيق هذا الهدف بتنفيذ مخرجات اجتماع روما، الذي أسفر عن اتفاق بتسيير المصرف المركزي أموالاً للشركة العامة للكهرباء، لتغطية احتياجاتها وصيانة المحطات.
2- الاستهلاك المجتمعي، إذ إن ثمة ضرورة لإطلاق حملات ترشيدية لتوعية المواطنين بكيفية ترشيد استهلاك الكهرباء، لاسيما في ظل إشارة الشبكة العامة للكهرباء في ليبيا إلى أن قسماً كبيراً من الطاقة المولدة، يذهب نتيجة سوء استعمال المواطنين للأدوات والأجهزة التي تظل موصولة بالكهرباء، حتى عند عدم الحاجة إليها، إذ إن استهلاك المواطن للطاقة الكهربائية يساوي ثلاثة أضعاف ما يستهلكه التونسي.
3- الدعم العربي، وهو ما تعبر عنه جهود دولة الإمارات لتخفيف حدة أزمة الكهرباء في عدن باليمن، في إطار المساعدات التي تقدمها الإمارات لليمن في كل المجالات، حيث يحظى قطاع الكهرباء بأولوية، ليس فقط لاعتماد الأسر عليها، وإنما أيضاً لأهميتها في تشعيل الخدمات الأخرى كالمستشفيات والمخابز.
4- التعاون الإقليمي، بحيث تتجه دول الإقليم لاستعادة تأمين الطاقة الكهربائية، إذ يحاول العراق وإيران البحث عن آليات لدفع المبالغ الناجمة عن تراكم الديون المستحقة بطرق غير متداولة، خارج إطار قنوات التبادل المالي العالمي المعرّضة لعقوبات أميركية، وضمن أقساط مناسبة لوضع العراق، وبعد انتهاء أزمة الكهرباء في إيران.
وفي السياق ذاته، وقّعت إيران وسورية، في 12 سبتمبر 2017، مذكرة تفاهم للتعاون في مجال القطاع الكهربائي، وإنشاء محطة للتوليد باللاذقية. وتتيح المذكرة تقييم الأضرار التي لحقت بالمحطة الحرارية في حلب، وإعادة تأهيل المجموعة الأولى والخامسة بالمدينة، وكذلك تأهيل وتفعيل مركز التحكم الرئيس للمنظومة الكهربائية السورية، ومركز التنظيم الرئيس بنظام «اسكادا» بدمشق، فضلاً عن إعادة تأهيل محطة «التيم» في دير الزور، وإعادة تأهيل وتحسين أداء محطة توليد «جندر» في حمص.
5- التعاقد الدولي، حيث منح المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، في 24 يوليو 2018، إذناً للشركة الليبية العامة للكهرباء بالتعاقد مع شركة «جنرال إلكتريك» الأميركية عن طريق التكليف المباشر، للإشراف على أعمال الفك والتركيب والخدمات الفنية اللازمة، وتوريد المعدات الخاصة المطلوبة لجميع أعمال الصيانة والتطوير للمحطات الغازية بمحطات الإنتاج العاملة بشبكة الكهرباء، بقيمة إجمالية أكثر من 33 مليون يورو.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news