قانون حظر النقاب أضرّ بالمسلمين في أوروبا وكندا
كتبت الدنمارك، الأسبوع الماضي، أحدث فصل في قصة عالمية باتت مألوفة بشكل غريب. والأمر يتعلق بالحظر الجديد على أي «لباس يخفي الوجه في الأماكن العامة»، وهو إجراء يستهدف البرقع والنقاب، وتم بالفعل فرض قيود على ارتداء الحجاب بالأماكن العامة في فرنسا وبلجيكا وهولندا وبلغاريا والنمسا، وتمت مناقشة المسألة في كل من أستراليا وإقليم كيبك الكندي، وعلى الرغم من الاختلافات الإقليمية فقد تكرر نمط مماثل من الأحداث في بعض البلدان.
أولاً، يجادل سياسيون، في بلدان حظرت الحجاب الذي يرتديه عدد قليل من النساء المسلمات، بأن الحظر سيشجع على الاندماج والسلامة العامة، أو أن ارتداء الحجاب لا يتفق مع القيم الوطنية مثل المساواة بين الجنسين. ويناقش المثقفون والمشرعون بصوت عالٍ هذه السياسة، ويحتد النقاش في الصحافة، وفي نهاية المطاف، يتم تمرير القانون.
يحتجّ المسلمون في الشوارع برفقة غير المسلمين، وبعضهم يرتدي النقاب تضامناً، ثم تأتي بعد جولة أخرى من الجدل الصاخب، تتضخم عبر وسائل الإعلام. ومع مرور الوقت تشير التقارير إلى أن التمييز ضد المسلمين يتصاعد في الغرب، ويتجه العديد من النساء المسلمات إلى التمسك بهويتهن بشكل أكثر صرامة، والبعض ممن لم يرتدِ النقاب قبل الحظر يرتدي الآن الحجاب رداً احتجاجياً. ويختار البعض الآخر البقاء في المنزل، ويبقى من المستحيل معرفة مدى انتشار هذه الظاهرة.
إذا كان المقصود حقاً من الحظر هو تعزيز المساواة بين الجنسين، فإن لهذا الإجراء نتائج عكسية. وبعد بضعة أشهر تقوم دولة أخرى بسن قوانين الحظر الخاصة بها. واتبعت الدنمارك حتى الآن هذا الاتجاه. وقبل تسع سنوات دعا حزب الشعب اليميني أولاً إلى فرض حظر على التغطية الكاملة للوجه في الأماكن العامة، لكن الخطوة وجدت دعماً في مكان آخر من الطيف السياسي. وفي الآونة الأخيرة جادل ماركوس كنوث، من الحزب الليبرالي الحاكم، بأن النقاب الكامل «عدواني بشدة»، وقال وزير العدل، سورين بيب بولسن، إن هذه التغطية الكاملة (النقاب)، «لا تتوافق مع القيم في المجتمع الدنماركي». وقانون الحظر صدر في مايو، وعندما دخل حيز التنفيذ، الشهر الجاري، احتج مئات المسلمات وهن يرتدين النقاب. وانضم إليهن غير المسلمين وكثير منهن غطى وجهه أيضاً للتضامن. قبل أيام تحدثت إلى مسلمة تبلغ من العمر 21 عاماً، وتعيش في كوبنهاغن وترتدي النقاب، ورفضت الكشف عن اسمها العائلي خشية على سلامتها، وأخبرتني بأنها قلقة من أن يؤدي الحظر إلى عزل النساء اللواتي يرتدين النقاب في منازلهن؛ «لم أخرج طوال اليوم لأنني كنت أفكر إذا كان الأمر يستحق الخروج والحصول على غرامة»، متابعة «في كل مرة أخرج من باب مكتبي، أنا مخالفة»، انتهاك يؤدي إلى غرامة قدرها نحو 150 دولاراً في أول مرة. لكنها أضافت أنها وغيرها من النساء سيرفضن خلع الحجاب، قائلة: «النقاب جزء كبير من هويتي؛ إنه خيار روحي للغاية، والآن أصبح أيضاً علامة على الاحتجاج». وتضيف الشابة الدنماركية: «في الواقع أعتقد أنه عندما يقوم السياسيون بوضع هذه القوانين التمييزية، فإننا نصبح أقوى، نشعر بأن هذا الحظر جعلنا أكثر جدية وشجاعة وقوة، هذا تشجيع للمزيد من النساء على ارتداء النقاب».
سيغال صامويل كاتبة ومحللة سياسية
التعامل مع «شظايا قنبلة»
تقول متحدثة باسم منظمة تضم 17 مركزاً للنساء في أنحاء إقليم كيبيك الكندي، «منذ الجدل حول القانون شهدنا زيادة في التعصب بشكل ملموس»، وتضيف أن «ذلك يسهم في خلق مناخ من الخوف، إذ إن النساء المحجبات يجدن من الصعب مغادرة منازلهن»، وتؤكد الناشطة أن عشرات الاعتداءات ضد النساء المحجبات تم تسجيله في فترة قصيرة. وتضيف ليتورنو أنه منذ بدأت الحكومة مناقشة الحظر، تشجّع الناس على التصرف بشكل عدواني تجاه المسلمين، وكما علق أحدهم: «لقد أسقطوا قنبلة ونحن نتعامل مع الشظايا». كما انتقدت جماعات حقوق الإنسان قانون الدنمارك الجديد، وتقول نائبة مدير منظمة العفو الدولية في أوروبا، فوتيس فيليبو: «إن هذا الحظر الشامل ليس ضرورياً أو متناسباً، وينتهك حقوق المرأة في حرية التعبير والدين»، وتضيف «إذا كان القصد من هذا القانون هو حماية حقوق المرأة، فقد تكلل بالفشل الذريع».
في المقابل، من غير المحتمل أن يُلغى القانون الجديد في الدنمارك، وقد أيدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان هذا الحظر باستمرار، وأيدت خطوة فرنسا في عام 2014، وبلجيكا في عام 2017، واختارت أن تمنح كل بلد فسحة كبيرة في تحديد ما يلزم القيام به لضمان السلامة العامة والتماسك الاجتماعي. ومن المحتمل ألا تتغير دورة حياة حظر البرقع في أي وقت قريب.
مسألة حرية وكرامة بالنسبة للنساء
إذا كانت تجربة دول مثل فرنسا والنمسا وإقليم كيبيك الكندي مؤشراً، فمن المرجح أن يستمر حظر الدنمارك في نتائجه العكسية. وحظرت فرنسا غطاء الرأس وغيره من الرموز الدينية الواضحة في المدارس العامة في 2004، وحظرت الحجاب الكامل في جميع الأماكن العامة في عام 2010. وقال الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي: «إنها مسألة حرية وكرامة النساء، البرقع ليس علامة دينية، إنها علامة خضوع»، لكن بدلاً من التقيد، بدأت بعض النساء المسلمات في التعبير عن استيائهن من المجتمع الفرنسي، وضاعفن من تغطية الرأس كنوع من الاحتجاج السياسي. وتقول إحدى النساء التي ارتدت البرقع منذ عام 2010: «إنها طريقتي في الرد على الحكومة التي تعدت على حريتي».
ويقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة تورنتو، جيفري ريتز، الذي يقوم بإجراء أبحاث حول الهجرة من البلدان الإسلامية: «هذه حالة تفاعل عرقي عندما تكون هناك سياسة لحظر ممارسة، يستمر الناس في الاحتجاج»، موضحاً أنه «في فرنسا من الواضح أن الحظر ولّد نتائج عكسية».
والأكثر من ذلك، أظهرت الدراسات الاستقصائية للمواقف تجاه المسلمين الفرنسيين وجود علاقة قوية بين التشريع الذي حظي بتغطية إعلامية واسعة وحظر ارتداء الحجاب في عام 2004، وزيادة في المشاعر المعادية للمسلمين. وفي 2013، تعرضت امرأة حامل للإجهاض بعد اعتداء رجلين عليها لارتدائها النقاب، ونزعوه من على وجهها بينما كانت تسير في الشارع بإحدى ضواحي باريس. وأشار تقرير في ذلك العام إلى أن المزيد من النساء المسلمات يفضلن البقاء في المنزل لأنهن «يشعرن بقدر أقل من الأمان بعد الحظر بسبب المضايقات، والعنف الذي يمارسه أفراد الجمهور الذين شجعهم الحظر».
وفي كندا، ناقش إقليم كيبيك حظراً مشابهاً لسنوات، وفي عام 2013 سعى «ميثاق القيم» إلى حظر الرموز الدينية، بما في ذلك البرقع والنقاب والعمامة والقلنسوة (اليهودية) بين العاملين في القطاع الحكومي، وجادل المؤيدون بأن هذا الإجراء سيعزز المساواة بين الجنسين. واحتج المسلمون في الشوارع، وانضم إليهم الآلاف من غير المسلمين الذين ارتدى بعضهم غطاء الرأس لإظهار تضامنهم. ولم ينفذ القانون أبداً، لكن التعديل الذي عُرف في ما بعد باسم «القانون 62» تمت الموافقة عليه، في أكتوبر الماضي. ومع ذلك فإن الجزء المثير للجدل من ذلك التشريع الذي يحرم النساء اللواتي يغطين الوجه من الخدمات العامة، إلا أن نساء تقدمن بطعن في المحكمة، وتم تعليق العمل بالتشريع إلى أن تتم المراجعة القضائية.
وفي يونيو الماضي، قام أحد القضاة بتعليقه للمرة الثانية. وعلى الرغم من أن هذا الجزء من القانون لم يدخل حيز التنفيذ بعد، إلا أن مجموعات نساء قد أبلغت عن زيادة في الهجمات اللفظية والجسدية ضد النساء المسلمات المحجبات.