بعد عام من بدء حملة التطهير العرقي والإبادة الجماعية ضدهم
الولايات المتحدة لاتزال تتلكأ في اتخاذ قرار يحمي الروهينغا من بطش ميانمار
مع ظهور تقرير جديد صادر عن الأمم المتحدة، يتهم ميانمار بارتكاب إبادة جماعية ضد قومية الروهينغا، فقد حان الوقت لكي تتصرف الولايات المتحدة والعالم بمسؤولية. في عام 2017، نظّم جيش ميانمار حملة شرسة ضد المسلمين الروهينغا، ما أسفر عن مقتل الآلاف، وتشريد أكثر من 700 ألف، فروا إلى بنغلاديش. الأسبوع الماضي، الذي يصادف مرور عام على تلك المذابح، وجدت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في ميانمار أن «الجرائم التي ارتكبت في ولاية راخين، غرب ميانمار، والطريقة التي ارتكبت بها، متشابهة في طبيعتها، وخطورتها ونطاقها مع تلك الجرائم التي تم ارتكابها بقصد الإبادة الجماعية في سياقات أخرى».
وأفصح القائد الأعلى لجيش ميانمار، مين أونغ هلاينغ، في أحد بياناته عبر «فيس بوك» بوضوح عن نوايا الجيش، وقال إن «مشكلة البنغاليين ظلت مشكلة قديمة، لم نجد لها حلاً، على الرغم من الجهود التي بذلتها الحكومات السابقة، وأن الحكومة الحالية تبذل جهداً كبيراً لحلها». وكثيراً ما يشار في ميانمار إلى الروهينغا باسم البنغاليين، على الرغم من أنهم ظلوا يعيشون في تلك البلاد منذ أجيال. ويوصي التقرير الذي صدر حديثاً عن الأمم المتحدة بـ«التحقيق والملاحقة القضائية» لكبار أعضاء الجيش الميانماري «لتحديد مسؤوليتهم عن الإبادة الجماعية». ووقعت هذه الإبادة الجماعية على خلفية الخطوات الأخيرة التي اتخذتها ميانمار نحو التحول الديمقراطي. فبعد عقود من الحكم العسكري القمعي، بدأت القوات المسلحة في إطلاق سراح السجناء السياسيين، بمن في ذلك المعارضة السابقة، ورئيسة الوزراء الحالية، أونغ سان سو تشي، والسماح بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية. وفي عام 2015، أجرت البلاد انتخابات حقيقية. فاز بها الحزب السياسي لأونغ سان سو تشي، الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، الذي سيطر في ما بعد على الحكومة المدنية. ويبدو أن الحياة في ميانمار تتحسن، لكن العملية الديمقراطية لم تصل إلى الجميع، واحتفظ الجيش بسلطات استثنائية. أما الروهينغا، الذين اضطهدهم معظم السكان البوذيين فترة طويلة، فقد ظلوا غرباء، معرضين لقسوة الحكومة.
لقد أيدت الولايات المتحدة عملية إرساء الديمقراطية، باعتبارها أفضل طريقة لتعزيز التقدم على نطاق واسع في ميانمار. وبعد عقود من العقوبات والعزلة، قررت إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، إلغاء العقوبات، وتقديم الدعم للإصلاح في كل مرة تتخذ فيها ميانمار خطوة إيجابية أخرى، وظلت الإدارة تقدم هذا الدعم طالما بقيت البلاد على هذا الطريق. واليوم، يتضح أن ميانمار لم تعد تسير على هذا الطريق. ومهما كانت الفائدة التي قد يجنيها البعض من خلال عملية الإصلاح السياسي، فلا يجب شراؤها بسعر الإبادة الجماعية، ويجب أن يستجيب العالم لهذه الانتهاكات الجسيمة.
ومع أنه ليس هناك ما يضمن أن العمل الدولي المتضامن يمكن أن يغير سياسات ميانمار، يجب علينا أن نحاول، فالأزمة مستمرة، حيث يعيش مئات الآلاف من الروهينغا في مخيمات اللاجئين، وآلاف أخرى منهم تعيش في حالة خطر في ميانمار. وبعد أن تضامت الأسرة الدولية في مواجهة الأزمة قبل عام، يواجه العالم الآن مسؤولية إقامة العدل وتحذير ميانمار - وغيرها من البلدان - وأنه ستتم معاقبة من يرتكب الإبادة الجماعية بشكل لا لبس فيه، وكذلك يجب أن تغير البلاد من سياستها.
أولاً، يجب على الولايات المتحدة أن تذهب إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سعياً لفرض حظر عالمي على الأسلحة على ميانمار، ومعاقبة كبار المسؤولين العسكريين، والمطالبة بحماية قانونية متساوية للروهينغا، والعودة الآمنة للاجئين منهم إلى ميانمار، والسماح للمنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة بالوصول إلى راخين. ثانياً، على الولايات المتحدة أن توضح على الفور أن حكومة ميانمار المدنية، بمن في ذلك رئيسة وزرائها، ستُحاسب إذا لم يتم اتخاذ الخطوات اللازمة لتحسين وضع الروهينغا بأسرع ما يمكن. وفي حين أن الجيش هو المحرك الرئيس لهذه الفظائع، كما يقول تقرير الأمم المتحدة، فإن السلطات المدنية أسهمت في ارتكاب هذه الفظائع من خلال أعمالها وإغفالها لما يجري أمامها. ثالثاً، يجب أن تكون ميانمار على رأس جدول الأعمال عندما تجتمع الولايات المتحدة مع رابطة دول جنوب شرق آسيا في اجتماعات القمة نصف السنوية في نوفمبر. وبوصفي الشخص الذي كان مسؤولاً في وزارة الخارجية الأميركية عن توجيه العلاقة بين الولايات المتحدة ورابطة الآسيان على أساس يومي لمدة ثلاث سنوات، فإنني أدرك أن هذه مهمة صعبة، لأن أعضاء الآسيان سيرغبون في حماية ميانمار ما يعتبرونه انتقاداً خارجياً، تماماً كما كان عليه حال هذه الدول بشأن تايلاند بعد انقلاب 2014، لكن هذه الفظائع لا يمكن التغافل عنها من دون تسوية، وقد تميل دول الآسيان ذات الأغلبية المسلمة إلى ممارسة المزيد من الضغوط، وأثارت إندونيسيا بالفعل القضية، واستقبلت ماليزيا الآن أكثر من 100 ألف لاجئ من الروهينغا.
ومع اقتراب فصل الرياح الموسمية، يعيش مئات الآلاف من اللاجئين في مخيمات مكتظة في بنغلاديش، معرضين لخطر تفشي وباء الكوليرا الوشيك.
لقد أبدى الليبراليون الغربيون آمالهم بمجيء سو تشي لسدة الحكم، ثم ألقوا باللائمة عليها، لعدم مواجهتها هذه القضية، وستكون أقليات عرقية أخرى ضحايا ميانمار تالياً.
رابعاً، يجب على الولايات المتحدة أن تعيد النظر جذرياً في علاقتها مع ميانمار. في شهر مايو، قال مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، مارك غرين، عن أزمة الروهينغا، إن «هذا بلد أعتقد أنه يتمتع بإمكانات هائلة، ولكنْ هناك عائق أمام استغلال هذه الإمكانات، يتمثل في الأزمة التي نتحدث عنها، لكننا نعتقد أنه في المستقبل وعلى المدى الطويل يمكننا معالجة هذه العوائق». وفي حين أن العودة إلى العزلة الدولية في العقود السابقة من غير المحتمل أن تحقق أي مردود إيجابي، ويجب ألا تكون على الطاولة، على الولايات المتحدة أن تتصرف كما لو أن قضية الروهينغا هي واحدة من العديد من القضايا التي تواجهها ميانمار، والتي تعتبر جزءاً من عملية الإصلاح. وينبغي للمجتمع الدولي أن يبتعد عن التعامل مع ضباط جيش ميانمار العسكريين، وأن يعمل على ضمان عدم وصول عائدات اقتصادية وتجارية إلى خزائن الجيش، ويتعين على الولايات المتحدة أن توضح أن ذلك سيستمر إلى أن ينتهي اضطهاد الروهينغا.
كانت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وراء المماطلة لمدة عام، ومن المرجح أن تستمر في هذا السياق. ويتصاعد التأييد في «الكونغرس» لمزيد من الضغط في هذا الاتجاه، لكن العديد من الأعضاء مازالوا يخشون إضعاف سو تشي وحزبها. علاوة على ذلك، ينظر العديد من كبار المسؤولين في إدارة ترامب إلى كل شيء في آسيا من خلال عدسة المنافسة ضد الصين، ومن المرجح أن تظل الولايات المتحدة متمسكة بنفوذها في ميانمار. وإذا لم تتحرك إدارة ترامب بسرعة، فقد يحتاج «الكونغرس» إلى إجبار الإدارة على التحرك عن طريق تحريك التشريعات بمفرده، كما فعل عندما أقر عقوبات على روسيا، بسبب اعتراضات ترامب في عام 2017.
وبالنظر إلى الوراء، أعتقد أن الولايات المتحدة كانت على حق في تبني التحول السياسي في ميانمار، كخطوة حقيقية تبشر بتحسين حياة الملايين. وضغطت الولايات المتحدة باستمرار على ميانمار لتحسين معاملتها للروهينغا في الاجتماعات وفي التجمعات الدولية، ولكن من الواضح أنه كان ينبغي عليها أن تفعل المزيد في السنوات التي سبقت عام 2017. وفشلت الولايات المتحدة فشلاً ذريعاً في الرد على الأهوال عندما تفجرت في أغسطس وسبتمبر 2017، حيث بدأت أحدث حملة قمع. ومن الصعب معرفة ما إذا كانت أي سياسة أميركية أخرى في أي وقت كان يمكنها المساعدة في منع الفظائع، لكن ما يهمنا اليوم هو أن الولايات المتحدة يجب أن تغير مسار الأمور.
خلال فترة عملي في مكتب شرق آسيا في وزارة الخارجية الأميركية، سافرت مرات عدة إلى ميانمار، وعملت بشكل وثيق مع زملائي في الحكومة المدنية، حيث انتهجت البلاد العملية الديمقراطية. وبدا أن المواطنين والمسؤولين الذين التقيت بهم يريدون المزيد من الإصلاح، والمزيد من الانفتاح، والمزيد من الفرص للتواصل مع الولايات المتحدة. وكنت ومازلت أريد أن تنجح البلاد في مسعاها، لكن حكومة ميانمار خذلت، ليس فقط شعبها من الروهينغا، بل جميع سكانها. ولكي تتاح لميانمار فرصة للنجاح في المستقبل، يجب أن يتحمل القادة المسؤولية، ويجب أن تتغير السياسات بشكل أساسي، ويجب ألا تهدأ الولايات المتحدة والعالم حتى يتم تحقيق العدالة.
مايكل إتش فوكس : المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news