البالونات الحارقة تُشعل حدود إسـرائيل ومستوطنات غلاف غزة
بعد تمكّن الطائرات الورقية التي استخدمها الشباب الفلسطيني المشارك في مسيرات العودة، على طول الحدود الشرقية والشمالية بين غزة وإسرائيل، من الوصول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإحداث حرائق داخل الأراضي والمستوطنات، طوّروا من أساليب مقاومتهم الشعبية، مستحدثين فكرة البالونات الحارقة، التي تحمل بداخلها كمية أكبر من غاز الهيليوم، ما يمكّنها من تجاوز خمسة كيلومترات بعيداً عن حدود غزة.
وينتشر عشرات الشبان الذين يطلقون على أنفسهم وحدة البالونات الحارقة، يوم الجمعة من كل أسبوع، على طول الشريط الحدودي الشرقي، ويوم الأربعاء، على معبر بيت حانون البوابة الشمالية لغزة، فيما يتواجدون يوم الإثنين على الحدود البحرية الشمالية مع إسرائيل، المعروفة والمشهورة بمنطقة زيكيم العسكرية، مصطحبين معهم مئات البالونات وكميات كبيرة من غاز الهيليوم.
ولكل شاب مهمته الخاصة في تعبئة الغاز داخل البالونات، وإشعالها، ومن ثم إطلاقها نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة والمستوطنات الإسرائيلية المعروفة باسم مستوطنات غلاف غزة، وفور وصولها تكون قد أحدثت حرائق في المناطق الموجّهة نحوها.
ففي يوم الإثنين 24 سبتمبر 2018 أعلنت فرق الإطفاء والإنقاذ الإسرائيلية عن متابعتها لاندلاع سبعة حرائق بمستوطنات غلاف غزة، وفي يوم الجمعة 21 سبتمبر أفاد موقع 0404 الإسرائيلي باندلاع 10 حرائق في الأراضي القريبة من المستوطنات، نتيجة سقوط بالونات حارقة أطلقت من القطاع، ومن ضمن المناطق التي احترقت مواقع عسكرية إسرائيلية، منها يئيري، وجبار عام شمال غزة، فيما أعلنت طواقم الإطفاء الإسرائيلية يوم الأربعاء 25 سبتمبر عن سيطرتها على ستة حرائق وقعت في كلٍ من مستوطنات (ناحل عوز، وكيسوفيم، وكفار غزة).
وكانت «سلطة الطبيعة والحدائق الإسرائيلية» نشرت تقريرها الخاص بأضرار الحرائق بمناطق غلاف غزة، التي اندلعت بفعل وسائل حارقة أُطلقت من غزة منذ انطلاق مسيرات العودة في 30 مارس الماضي، وجاء في التقرير أن الحرائق أتت على 32 ألف دونم من الأحراش والمناطق الزراعية والطبيعية في الغلاف، بما يوازي 14% من مجمل المحميات الطبيعية في الغلاف، إضافة إلى 9873 دونماً من مناطق تابعة للصندوق القومي الإسرائيلي «كيرن كاييمت»، كما أتت النيران على ما مساحته 4237 دونماً من المناطق المفتوحة، كما قدرت الخسائر المادية نتيجة الحرائق في المحميات الطبيعية فقط بـ15 مليون شيكل إسرائيلي.
فكرة مطوّرة
«الإمارات اليوم» التقت عدداً من شبان من مجموعة البالونات الحارقة على الحدود الشرقية، والذين تواصلوا منذ اندلاع مسيرات العودة، مطلقين على أنفسهم وحدة الزواري، نسبة إلى الطيار التونسي الذي اغتيل على يد جهاز المخابرات الإسرائيلية، حيث كانوا يرتدون الكوفية الفلسطينية، ويُخفون وجوههم خلف أقنعة ملونة، فيما كانوا يستعدون لتجهيز دفعة جديدة من البالونات التي يجمعون ثمنها، وتكاليف الغاز، من مصروفهم الشخصي.
يقول قائد وحدة البالونات الحارقة على الحدود الشرقية بين غزة وإسرائيل، أبوحمزة حلس: «إن فكرة البالونات الحارقة والطائرات الورقية هي جديدة قديمة، فهي مستوحاة من تجارب سابقة استخدمها الشباب الثائر خلال انتفاضة الحجارة التي اندلعت عام 1987، فكانوا يحرقون أراضي المستوطنين الزراعية، من خلال ربط خيط حارق بذيل قطة وتركها تسير نحو الحدود لإشعال الحرائق بتلك الأراضي».
200 طائرة
ويضيف «اقتبسنا من تلك الوسيلة فكرة الطائرات الورقية التي صنعت بأيادي الشباب، باستخدام الأوراق والأخشاب، والموصولة بشريط قماشي مشتعل، وكنا نرسل أكثر من 200 طائرة ورقية في كل يوم جمعة من أيام مسيرات العودة».
ويشير قائد مجموعة البالونات الحارقة شرق غزة، إلى أن أفكاراً جديدة بدأت تراود شباب مجموعة الطائرات الورقية لتطوير وسيلتهم، وذلك مع تعدد أيام مسيرات العودة واتساع رقعة فعالياتها.
ويتابع حلس: «تطورت الفكرة من استخدام الطائرات الورقية التي لا تصل الى مسافات بعيدة، إلى استخدام البالونات الحارقة، التي تقطع بعد زيادة غاز الهيليوم بداخلها مسافات تتجاوز خمسة كيلومترات من حدود غزة داخل الأراضي الإسرائيلية».
ويوضح أن التطور في فكرة البالونات الحارقة كان من خلال استخدام بالونات معبأة بغاز الهيليوم، التي يُعلَّق بها قماش مغمور بمواد حارقة مشتعلة.
ويبين حلس أنه إذا كانت الأراضي الزراعية في الجانب الإسرائيلي مزروعة بالأشجار الخضراء، فإن ذلك يتطلب تجهيز بالونات معبأة بغاز الهيليوم، من أجل نجاح إشعال النيران فيها، بينما إذا كانت الأراضي مزروعة بالأعشاب وفيها أحراش فإنه يمكن إحراقها بالطائرات الورقية.
ويشير إلى أن الشبان يركزون على إطلاق البالونات الحارقة من الحدود الشرقية بين غزة وإسرائيل، بسبب وجود الكثير من الأحراش والمناطق الزراعية والمستوطنات الإسرائيلية.
مسافات أبعد
إن استخدام شباب مجموعة البالونات الحارقة لغاز الهيليوم كان عنصراً أساسياً في تطور فكرتهم، وداعماً رئيساً للوصول إلى مسافات أبعد داخل أراضي فلسطين المحتلة.
ويقول (أبومحمد)، أحد عناصر وحدة البالونات الحارقة في الحدود الشمالية بين غزة وإسرائيل: «البالونات التي نطلقها تعتمد على مادة الهيليوم، وهي أداة سهلة الاستخدام، خصوصاً عندما تكون الرياح من جهة الغرب، فإنها تصل بسهولة إلى المستوطنات والأراضي الإسرائيلية، لأن تأثيرها أكثر من تأثير الطائرات الورقية، إضافة إلى أنها تشعل الحرائق بشكل كبير».
ويشير إلى أن بالونات الهيليوم تصل إلى مسافات أبعد من تلك التي تقطعها الطائرات الورقية، حيث تصل إلى مسافة (4 - 5) كيلومترات داخل إسرائيل، مبيناً أن غاز الهيليوم يعطي قوة دفع للبالونات التي تنطلق محملة بالمواد الحارقة.
وعن طريقة عملهم في إطلاق البالونات الحارقة وبالونات الهيليوم، يقول الشاب (أبومحمد): «نجمع أنابيب غاز الهيليوم من بعض المحال التجارية في غزة، ونعبئها في البالونات، وبعد ربطها بأقمشة وكرات ملتهبة، نطلقها إلى الأراضي الزراعية وبلدات المستوطنين في غلاف غزة».
إصرار
هدّد وزير الحرب الإسرائيلي ووزراء آخرون في الحكومة الإسرائيلية، باستهداف مُطلقي الطائرات الورقية والبالونات الحارقة، فيما خرجت هذه التهديدات للنور بعد قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي أكثر من مرة لسيارات ودراجات نارية، كان يستقلها شبان فلسطينيون خلال إعدادهم طائرات البالونات.
ورغم التهديدات الإسرائيلية، وارتقاء مئات الشهداء، وإصابة آلاف الجرحى من المشاركين في مسيرات العودة، إلا أن شباب مجموعة البالونات الحارقة مصرّون على مواصلة إطلاقها، وفقاً للشاب عصمت، أحد نشطاء مجموعة البالونات الحارقة.
ويقول الشاب عصمت: «توعَّدَنا وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بالاغتيال، وتمت إصابة عدد من شبان مجموعتنا، ولكن هذا لن يمنعنا من مواصلة إطلاق تلك البالونات، وتكبيد المستوطنين خسائر مادية، ليعلموا أننا نستطيع محاصرتهم ومنعهم من الوصول الى المستوطنات، كما يحاصروننا منذ 11 عاماً».
ويضيف أن «الجيش الإسرائيلي استهدف شباناً عُزّلاً على حدود قطاع غزة، وأنه لا ينتظر أي مبررات لكي يستمر في قتل الفلسطينيين، إلا أنه أكّد أنّ الشبان مستمرون في عمليات إطلاق البالونات الحارقة، حتى لو كلّفهم الأمر حياتهم».
- بالونات الهيليوم
تصل إلى مسافات
أبعد من التي
تقطعها الطائرات
الورقية، حيث تصل
إلى (4 - 5)
كيلومترات داخل
إسرائيل.
- استخدام شباب مجموعة البالونات الحارقة
لغاز الهيليوم كان عنصراً أساسياً في تطوّر
فكرتهم، وداعماً رئيساً للوصول إلى
مسافات أبعد داخل الأراضي المحتلة.