خطة كوشنر تجهل حقائق المنطقة وتزيد «مشكلات» الأردن
كانت الضغوط، التي بذلتها إدارة الرئيس دونالد ترامب على الأردن، لتخلص اللاجئين الفلسطينيين القاطنين فيها من وضعيتهم كلاجئين، بمثابة الضربة الموجعة بالنسبة للمملكة التي تعيش حالياً أزمة اقتصادية غير مسبوقة، إضافة إلى حالة من الاضطراب السياسي. وخلال تقديمهما خطتهما السيئة للمسؤولين الأردنيين، أظهر المفاوضان الأميركيان: غاريد كوشنر، وجيسون غرينبلات، تحيزاً وقلة كفاءة، يمكن أن يؤديا إلى إخراج خطة السلام التي ابتكرتها واشنطن وحدها عن مسارها، وربما تقوض صدقية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
ويقطن في الأردن نحو 2.2 مليون فلسطيني مسجلين كلاجئين، أي أكثر مما يوجد من الفلسطينيين في أي دولة مجاورة أخرى. وعندما تم طرد الفلسطينيين من ديارهم في فلسطين، التي كانت واقعة تحت الانتداب البريطاني، خلال الحرب التي أدت إلى إنشاء إسرائيل، رحبت المملكة باللاجئين، ومنحتهم الجنسية لتخفيف العبء الإنساني عنهم، لكن بدرجة محدودة بحيث لا يؤثر ذلك في طموحاتهم الإنسانية، أو في مستقبلهم السياسي. ولايزال هؤلاء يعتبرون «بلا دولة» ينتظرون عودتهم إلى بلدهم، كما تشير إلى ذلك الالتزامات القانونية الأردنية والإقليمية والدولية. ولاتزال العبارة الشعبية التي تفيد بأن «الأردن ليس فلسطين» محط قلق حيوي للأمن القومي في المملكة.
وخلال سبعة عقود من الزمن، كانت منظمة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التابعة للأمم المتحدة، هي التي ترعى اللاجئين الأشد فقراً في المملكة الأردنية. وتشغل «الأونروا» 171 مدرسة في الأردن، تخدم نحو 121 ألف طالب. وتعالج مراكزها الطبية الرئيسة البالغ عددها 25 مركزاً نحو 1.5 مليون لاجئ سنوياً، كما يعيش في المخيمات العشرة المعترف بها نحو 370 ألف لاجئ.
ويتمحور هدف البيت الأبيض، الذي ظهرت تفاصيله في رسائل إلكترونية داخلية، من غاريد كوشنر إلى زميله جاسون، والتي حصلت عليها «فورين بوليسي»، حول «بذل جهود صادقة وحقيقية، لوقف عمل (الأونروا)»، وتخليص معظم اللاجئين من هذه الصفة، باستثناء عدد قليل من الذين طردوا من بلادهم عام 1948، ولايزالون على قيد الحياة، حيث أظهرت هذه الخطة جهلاً عميقاً بالمشكلات السياسية والاقتصادية الحالية، التي يعانيها الأردن.
ويبدو أن كوشنر مقتنع بأن «الأونروا» منظمة «تكرس الوضع الراهن، كما أنها فاسدة، وغير فعالة، ولا تساعد على إحلال السلام». وعبر صهر الرئيس ترامب، الذي تحول إلى كبير مستشاريه، والذي يفتقر إلى أي خبرة دبلوماسية ذات صدقية في قضايا الشرق الأوسط، عن وجهة نظره، حيث قال «أحياناً عليك أن تخاطر استراتيجياً، وتجازف ببعض الأشياء، للوصول إلى الهدف»، لكن الأمر الذي لم يستطع فهمه هو أن خطته غير الجاهزة وغير الملائمة تخاطر بتقويض شرعية وسيادة الأردن، أقرب حلفاء واشنطن وشركائها في الشرق الأوسط. ومن خلال هذا المشهد، فإن إبعاد قضية اللاجئين عن طاولة المفاوضات، وكما يحلو لترامب القول، يرقى إلى «قطع أنفك نكاية في وجهك».
وعلى الرغم من المساعدات السخية، التي تلقتها عمان من دول الخليج، أخيراً، فإنها لاتزال تكافح للتخلص من أزمتها الاقتصادية التي تفاقمت نتيجة عوامل داخلية ودولية، بما فيها تأثرها بالصراع المستعر لدى جارتيها العراق وسورية.
وأدى التهرب من الضرائب على نطاق واسع إلى تضخم الدين العام، بحيث إنه أصبح يعادل نحو 95% من إجمالي الناتج المحلي. وأسفر نقص التمويل عن حدوث تضخم كبير، في الوقت الذي تكافح فيه المملكة من أجل تقديم الطعام والشراب لنحو 670 ألف لاجئ سوري، يعانون الفقر المدقع. ونتيجة الإصلاحات الضريبية المقترحة، وارتفاع الأسعار في الربيع الماضي، قامت نقابات العمال بالإضرابات التي أدت إلى رحيل رئيس الحكومة هاني الملقي. أما رئيس الحكومة الجديد عمر الرزاز، فإن شعبيته الضعيفة تتوقف على قدرته على مواجهة التآكل السياسي في الأردن.
وفي ظل هذا المناخ السياسي المتوتر، ووجود هدف وحيد ينبغي تحقيقه والمتمثل في إلغاء «الأونروا» بأي ثمن، ذكرت تقارير أن كوشنر عرض تقديم الملايين التي كانت تمنحها واشطن سنوياً للمنظمة الأممية إلى الأردن، مقابل أن يتحمل الأردن مسؤولية كاملة عن اللاجئين الفلسطينيين. لكن الملك الأردني عبدالله الثاني رفض العرض، وقال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، إن مثل هذه الخطوة تنطوي على «آثار خطرة جداً على الصعيد الإنساني والسياسي والأمني، بالنسبة للاجئين والمنطقة برمتها».
وربما يعتقد بعض المسؤولين في إدارة ترامب، بسذاجة، أن الأردن ضعيف جداً، ولا يستطيع مقاومة ضغوط الولايات المتحدة وطلباتها. وعلى الرغم من أن الأردن حليف وثيق للولايات المتحدة، ويعتمد على مساعدات الولايات المتحدة إلى حد كبير، كما أنه تمكن من البقاء والخروج من أزمات وجودية منذ 1946، فإن الملك الأردني غير مستعد لارتكاب انتحار وطني، من أجل الحصول على رضا واشنطن.
وسيدرس البيت الأبيض حجم المخاطر التي يمكن أن تزعزع استقرار حليفه الأردن، ويقول قادة المجتمع المدني الفلسطينيون في الأردن إن «الأونروا» تعتبر حامياً لتمويل الفلسطينيين، وضامناً لأرزاقهم. وبناء عليه، فإن نقل مسؤولية تمويل «الأونروا» بصورة شاملة إلى الحكومة الأردنية ستكون له نتائج سلبية، ربما تؤدي إلى انهيار الحكومة الجديدة.
وكان ترامب قد اتهم «الأونروا» بتكريس أزمة اللاجئين، عن طريق تقديم الخدمات اللازمة للاجئين، خلال انتظارهم العودة إلى بلدهم، بدل العمل على توطينهم في مكان آخر. لكن ليس هناك أي شيء في التخويل الذي تحمله «الأونروا» يؤهلها لإعادة توطين أي شخص في أي مكان، حتى لو أرادت ذلك، كما أن محاولة من جانب واحد لدعم الأردن، وجعله ينخرط في اتفاقات متعددة، تظهر مدى الجهل بالحقائق السياسية على الأرض.
وخلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، الشهر الماضي، أعلن الرئيس ترامب أنه سيعلن عن خطته من أجل السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين في غضون أربعة أشهر. وكان البيت الأبيض قد أغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس الشرقية، حيث أكدت الخطوتان الانحياز الأميركي الكامل إلى جانب إسرائيل، ما حدا بالفلسطينيين إلى رفض التعامل مع واشنطن. ومن الواضح أن إثارة غضب الحليف القديم والوثيق لواشنطن في الشرق الأوسط، أي الأردن، من شأنها أن تعمق الصدع المتزايد بين واشنطن والدول العربية. وإذا كانت خطة ترامب تنطوي على حرمان الفلسطينيين من مزيد من المساعدات الدولية، فإن ذلك سيؤدي إلى أزمة إنسانية في المنطقة، ولن تكون إسرائيل بعيدة عنها، حيث ستواجه أعمال عنف شديدة.
وإذا نجحت خطة كوشنر، فإن الدول المضيفة للفلسطينيين مثل الأردن ستتحمل نتائج غياب «الأونروا». وهذا ما يفسر سبب الحماسة الشديدة للملك عبدالله في قيادته للدبلوماسيين الأردنيين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بهدف جمع ملايين الدولارات لتمويل «الأونروا»، لتسد الفجوة الناجمة عن سحب إدارة ترامب التمويل الأميركي عن هذه المنظمة الأممية، لتجنب انهيار المنظمة التي يعتمد عليها الكثير من اللاجئين.
وقد تمكن الأردن من تجنب الكارثة حتى الآن. ولمنع مزيد من عدم الاستقرار، يتعين على الولايات المتحدة أن تعيد تمويلها لـ«الأونروا»، وتعمل على البدء في عملية التفاوض، من أجل سلام شامل وعادل، يتعامل مع الفلسطينيين، باعتبارهم طرفاً يستحق السيادة والأمن، وليس مجرد العمل على تحقيق أماني إسرائيل وأهوائها.
خليل جهشان مدير المركز العربي في واشنطن العاصمة
سيدرس البيت الأبيض حجم المخاطر، التي يمكن أن تزعزع استقرار حليفه الأردن، ويقول قادة المجتمع المدني الفلسطينيون في الأردن إن «الأونروا» تعتبر حامياً لتمويل الفلسطينيين، وضامناً لأرزاقهم.
تمكن الأردن من تجنب الكارثة حتى الآن، ولمنع مزيد من عدم الاستقرار، يتعين على الولايات المتحدة أن تعيد تمويلها لـ«الأونروا»، وتعمل على البدء في عملية التفاوض من أجل سلام شامل وعادل، يتعامل مع الفلسطينيين، باعتبارهم طرفاً يستحق السيادة والأمن، وليس مجرد العمل على تحقيق أماني إسرائيل وأهوائها.