نتيجة لاهتمامه بمصالحه فقط
ترامب يجهل دواعي «حالة الطوارئ» الوطنية لدى الأميركيين
يبدو أن الأمر بالنسبة للرئيس دونالد ترامب لا يتعلق بالهجرة، وإنما بالتعصّب. وهذه هي القصة الحقيقية حول قافلة المهاجرين، البالغ تعدادهم نحو 5000 فقير من سكان أميركا الوسطى المتوجهين نحو حدود الولايات المتحدة بسرعة ميلين في الساعة. وأعلن الرئيس ترامب، المهووس بدور البطولة دائماً، أن قدوم هذه القافلة يمثل حالة «طوارئ وطنية»، وربما يستدعي الجيش لمواجهتها، كما أنه يتحدث عن إمكانية إغلاق الحدود الأميركية.
وبناءً عليه فإني أقدم بعض الأفكار المنطقية والتوضيحية على عجل، وهي:
- أكثر من 1.4 مليون أجنبي يهاجرون إلى الولايات المتحدة سنوياً. وإذا وصل نصف عدد الأشخاص الذين يشكلون هذه القافلة إلى الحدود الأميركية، ومن ثم تمكن نصف هؤلاء من دخول الولايات المتحدة فإنهم سيمثلون أقل من 1% من المهاجرين الذين سيدخلون الولايات المتحدة هذا العام.
- وإذا واصلت القافلة سيرها على الأقدام، فخلال فترة وصولها إلى الحدود يكون قد قتل 16800 أميركي نتيجة المخدرات.
- وخلال فترة وصول القافلة ربما يكون نحو 690 ألف أميركي قد أصبحوا مشردين، بمن فيهم 267 ألفاً من الأطفال.
- خلال وصول القافلة إلى الولايات المتحدة يكون 8850 أميركياً قتلوا نتيجة انتشار الأسلحة في البلد، بما فيها حالات الانتحار وجرائم القتل.
- خلال فترة وصول القافلة يكون 9000 أميركي قد توفوا نتيجة قلة الرعاية والضمان الصحي. (يموت الأشخاص بأعداد كبيرة نتيجة عدم وجود الضمان الصحي لديهم، وإن لم يكن هناك اتفاق على تعداد هؤلاء الموتى).
ومن الواضح أن حالة «الطوارئ الوطنية» يجب أن تكون بشأن مشكلة المخدرات، والتشرد، والقتل بالأسلحة النارية، والافتقار الى الرعاية والضمان الصحي؟
ونرى أن تحذيرات ترامب لا تحمي أميركا، كما أن تعداد المهاجرين في هذه القافلة متواضع جداً، ولا يمكن اعتبار ما يقومون به هجرة، وإنما هي نشر الخوف. ويقول العلماء إن تذكير الشعب بالمخاطر يجعلهم أكثر تزمتاً بصورة مؤقتة، وبناءً عليه فان هذا النوع من المناورة يمكن أن يكون تكتيكات فعالة لحملة انتخابية.
ولو تذكرنا انتخابات نصف الفترة في عام 2014 فإنها ستكون هي الجواب على هذا التساؤل. وخلال التحضير للانتخابات صعّد الجمهوريون من المخاوف المتعلقة بأزمة الحدود، ومن مغبة تسلل الإرهابيين القادمين من المكسيك للهجوم على الأميركيين، إضافة إلى التحذير من وباء الإيبولا الذي اندلع في غرب إفريقيا والمخاطر من وصوله إلى الولايات المتحدة. وقالت تغريدة أطلقها ترامب في حينه: «أيها الرئيس أوباما، أنت تمثل كارثة كاملة وشاملة، ومع ذلك لديك الفرصة كي تقوم بعمل عظيم ومهم، وهو (أوقف رحلات الطيران)». وكانت وجهة نظر ترامب مفادها: اترك مرض الإيبولا يدمر إفريقيا وبقية العالم، ولكن حاول إغلاق حدود الولايات المتحدة في وجه هذا الوباء.
وقال ترامب في تغريدة أخرى في حينه إنه إذا كان طبيب من نيويورك عاد من إفريقيا الغربية وهو مصاب بالمرض «يجب على أوباما أن يعتذر للشعب الأميركي ويستقيل». وقال الدكتور كيث ابلو، منسق محطة «فوكس نيوز»، في مقابلة إذاعية، إن أوباما ربما أراد أن يعاني الأميركيون من الإيبولا، لأن اهتمامه منصب على إفريقيا وليس على أميركا.
وفي انتخابات عام 2014، نشر المرشحون الجمهوريون مئات الإعلانات التي تدين معالجة إدارة الرئيس باراك أوباما لوباء الايبولا. وأشارت وكالات الأنباء التي راقبت هذه الانتخابات، في وقت لاحق من نهايتها، إلى أنه كان يقصد بهذه الإعلانات إشاعة المخاوف وكسب الأصوات للجمهوريين.
ومن الناحية السياسية كان ذلك فعالاً، وتمكن الجمهوريون من تحقيق نصر ساحق في كل أنحاء الولايات المتحدة، وتمكنوا من السيطرة على الكونغرس. ولكن الحديث عن وباء الايبولا، كما هي الحال لدى موضوع قافلة مهاجري أميركا الوسطى، كانت تذكّر بالفرق بين التلاعب بعواطف الناس من خلال الكلام، والحكم بصورة فعلية.
وكان برنامج إدارة أوباما لمكافحة الايبولا، الذي تم بالتعاون مع فرنسا وبريطانيا إضافة إلى مجموعات خيرية خاصة، يثير مخاوف الناخبين، لكنه كان فعالاً. وبدلاً من ترك الوباء ينتشر بسرعة في شتى أنحاء العالم ويقتل الملايين من الناس ويقوض الاقتصاد العالمي، تم احتواء وباء الايبولا والقضاء عليه في نهاية المطاف. ويبدو أن الحكم الرشيد غالباً ما يبدو بأنه سياسة سيئة، والعكس بالعكس، ويصح هذا الأمر على الهجرة.
وربما كان الأسلوب الذي يحظى بأفضل سجل تاريخي لا ينسى هو إعداد برامج مساعدات تهدف إلى قمع عصابات العنف في دول، مثل الهندوراس، ولتقليل العوامل التي دفعت هؤلاء الناس الى القيام بمثل هذه الرحلة الخطرة إلى الولايات المتحدة. ومع ذلك فان مثل هذه البرامج لا تنال إعجاب الناخبين. وبناءً عليه يركز ترامب في خطابه على بناء جدار مكلف جداً، وإلى قطع المساعدات عن دول اميركا الوسطى، حتى لو أن ذلك سيؤدي الى تضخيم الأزمة في هذه البلاد، وربما يدفع أعداداً أكبر من سكانها الى الهجرة نحو الشمال. وقال كيفن رايان، رئيس مركز «كوفنانت هاوس»، الذي يقدم المساعدة للأطفال في الولايات المتحدة ودول أميركا الوسطى، معلقاً «قطع المساعدات الأميركية عن المنظمات الخيرية سيؤدي إلى دفع مزيد من الأطفال إلى اليأس، ويسكت معظم الأصوات التي تنادي بالإصلاح»، وأضاف «إنها بالضبط الخطوات الخاطئة».
وأخشى أن نكون نحن العاملين في الإعلام عبارة عن دمى في يد ترامب، حيث نتركه يتلاعب بنا لتسليط الضوء على القضايا التي تهمه، مثل القافلة، وإثارة اهتمام الأميركيين بها.
وربما يكون ترامب على حق بالرغم من عدم وجود دليل على ذلك، اذ ربما «اندست مجموعات من الشرق الأوسط» في هذه القافلة. ولكن من الممكن جداً وجود أشخاص بسطاء في هذه القافلة. وبناءً عليه فلنتوقف عن تخويف الشعب عما يمكن أن «يكون داخل القافلة» ونركز على الحقائق، وهما اثنتان: الأولى أن القافلة لن يكون لها أي تأثير يذكر على الولايات المتحدة. والثانية، أن لدينا مشكلات أخرى ينبغي التركيز عليها، مثل المخدرات، والتشرد، والرعاية الصحية، التي تشكل حقاً حالة «طوارئ وطنية».
نيكولاس كريستوف : كاتب مقال في «نيويورك تايمز»، ومراسل سابق لها.
- قبيل انتخابات عام 2014، نشر المرشحون
الجمهوريون مئات الإعلانات التي تدين معالجة إدارة
أوباما لوباء الايبولا. وأشارت وكالات الأنباء
التي راقبت هذه الانتخابات، إلى أن الهدف منها كان
إشاعة المخاوف وكسب الأصوات للجمهوريين.
- القافلة لن يكون لها
أي تأثير يذكر على
أميركا، وهناك
مشكلات أخرى
ينبغي التركيز عليها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news