يمثل انعكاساً وتعزيزاً لما فعلته النخب الوطنية الرئيسة في الدول المتطورة
انتخاب الرئيس البرازيلي.. خيار النخبة بين اليسار والفاشية
بعد أن فاز رئيس البرازيل «جاير بولسونارو» في الانتخابات الرئاسية، بات علينا أن نستعد كي نسمع في المستقبل اسم ماري لوبان كرئيس لفرنسا. ولدينا بطبيعة الحال نائب رئيس الوزراء، ووزير الداخلية ماتيو سالفيني، الذي ينتمي إلى أقصى اليمين، لكن انتصار بولسونارو يعني أن سالفيني يمكن أن يحكم ذات يوم، دون أن يكون له أي شريك في الحكومة يحد من تطرفه. لقد كان فوز الرئيس البرازيلي يمثل الحالة الأولى التي تستحق الدراسة حول كيفية رد النخبة المالية، عندما تضطر إلى الاختيار بين الفاشية واليسار.
ولم يعد اليسار في حالة البرازيل هو اليسار المتطرف. ويمتلك حزب العمال تاريخاً يدعو للفخر، لكنه اعتاد حكم الدولة كأنها شركة رأسمالية فاسدة. لذلك عندما يتكلم جيش بولسونارو، العامل على مواقع التواصل الاجتماعي، عن حماية البرازيل من المصير الذي وقعت فيه فنزويلا، فقد كانوا يشوهون الحقيقة. لكن ذلك لن يمنع الرئيس المنتخب من إيداع قاعدة حزب العمال السجن، ويدمر نقابة العمال ويقمع المتظاهرين اليساريين. وإن كانت الطبقة الوسطى لم تدعم بولسونارو، كي يفعل كل هذه الأشياء.
ويواجه المشروع الاقتصادي الليبرالي الجديد ضغوطاً كبيرة، على الرغم من أن النخب في كل مكان ترغب في الاستمرار بالاستفادة من أموال البنوك المركزية، وانخفاض الضرائب وإلغاء دولة الرفاه، وهم يدركون أن الموافقة على بقاء ذلك لا يمكن أن يستمر. ويمكن البدء بأزمة اليونان عام 2015، ومن ثم انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي عام 2016، وانتصار دونالد ترامب في منصب الرئاسة الأميركية، وبعد ذلك شهدنا سلسلة من محاولات إعادة ترتيب العالم الليبرالي الجديد بالقوة. وكانت الأزمة اليونانية في واقع الأمر، هي استيلاء ألمانيا على السلطة حيث امتلك وزير ماليتها الحق بفرض أنظمة اقتصادية ليبرالية جديدة على سكان كانوا قد صوتوا على رفضها. أما خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فتم إثر استيلاء جزء من النخبة على السلطة لصالح صناديق مالية، ومصارف استثمارية. وكان وزير الخارجية البريطاني السابق، وأحد قادة هذا الانفصال، بوريس جونسون، ينوي دفع بريطانيا نحو زوبعة متواصلة من الخصخصة لصالح التمويل المضارب. أما ترامب فقد كان مشروعه أكبر من ذلك، إذ إنه أراد تفكيك النظام التجاري العالمي المستند إلى القوانين، والذي يربط العالم مع بعضه بعضاً، وإعادة تنظيم الدول الأميركية وأوروبا كروافد للشركات الأميركية العملاقة.
وبناء عليه، فإن انتصار بولسونارو يمثل انعكاساً وتعزيزاً لما فعلته النخب الوطنية الرئيسة في الدول المتطورة. أي حشد كراهية الأجانب والتظلم التافه لدى الطبقة الوسطى في مشروع يهدف إلى تقوية الدولة. وإزالة العقبات أمام الاستغلال الكبير للفقراء، والحنث بجميع الالتزامات والوعود بوقف تغير المناخ وحماية البيئة.
فاشية
وفي البرازيل أخذ هذا المشروع شكل الفاشية الأولية، لأنه عمد إلى جعل فقراء المدن، والفلاحين الذين لا يملكون الأرض، منظمين تماماً. والحركة العمالية والحركات الاجتماعية التقدمية قوية. وبغض النظر عن الفوائد الاجتماعية التي قدمها حزب العمال في ظل رئيسيه السابقين: لويس لولا داسيلفا، وديلما روسيف، فإنه لم يقدم لهم الأمن من الجرائم، أو من الفساد والعنف، ولم يعالج وباء الرشى في الشركات الضخمة المدعومة من الدولة. وحتى عام 2014، كان حزب العمال يحكم البرازيل بصورة ناجحة كاقتصاد رأسمالي صاعد، لكن يبدو أنه يدفع تكاليف ذلك الآن.
وانهار الاقتصاد البرازيلي بعد عام 2014، لأن هذا النمط من الاقتصاد لم يعد يناسب اقتصاد العولمة. وكانت النتيجة انخفاض الصادرات الرئيسة للبرازيل (السكر والحديد الخام)، إلى نصف ما كانت عليه عام 2010. ونظراً لارتفاع الدين العام بصورة كبيرة اضطرت الحكومة لتشديد إجراءات التقشف. وانهارت عملة البرازيل (الريال) بأكثر من 60% من قيمتها.
ركود
ويمكن للأنظمة الاقتصادية، التي تعتمد بشدة على تصدير المواد الخام، أن تتحمل هذا الركود في ما يتعلق بالتجارة. ولكن ليس الاقتصاد البرازيلي الذي تمتلك فيه الدولة صناعة النفط ونظام الضمان الاجتماعي للفقراء، ونظام التقاعد السخي لموظفيها. وزاد معدل البطالة على 13% العام الماضي. أما الدين العام الذي كان يشكل 51% من ناتج الدولة المحلي، فقد أصبح يشكل 75% منه، كما أنه في ارتفاع مطرد. وأصبح حزب العمال مثل أحزاب الوسط الليبرالية والاجتماعية الديمقراطية في أوروبا، إذ فقد 98% من ناخبيه في الضواحي الأشد فقراً.
والآن سيعمد بولسونارو إلى فتح الاقتصاد البرازيلي المحلي المغلق تقريباً، كي يحصل على التمويل الأجنبي، ويخلق الكثير من الفرص لزيادة الخصخصة في الدولة، استغلالاً لمصادرها الطبيعية. وسيقوم بتخفيض الأجور وكذلك الضمان الاجتماعي للفقراء.
وإذا كان تعريف الفاشية، الذي يقول بأنها حليف النخبة، ينطبق على البرازيل، فإن هذه الفاشية ستكون حليفاً للنخبة العالمية للتمويل. لذلك فإن بولسونارو سيجعل البرازيل تتحالف مع نموذج أميركا «الترامبي»، الذي أسهم في نشر الفوضى بالعالم. ما يفسر سبب عدم قيام أنصاره بإضاعة وقتهم بالخروج إلى الشوارع، وإطلاق النار وإحراق المكاتب لإلقاء الرعب في قلوب الأقليات واليساريين في الدولة.
مرحلة انشقاقات
ويبدو أننا نعيش في مرحلة يسفر وجود أي انشقاق في النظام بها عن توليد انشقاقات أخرى. وكان باستطاعة بولسونارو الفوز في الانتخابات دون وجود ترامب، لكن ذلك سيكون أكثر صعوبة. وكان من الممكن أن يفوز ترامب لولا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكنه صمم حملته كلها على موضوع خروج بريطانيا.
وبناء عليه ما الذي سيحدث لاحقاً؟ أكثر نظم الاقتصاد السياسي هشاشة موجود في أوروبا. وتم احتواء اليمين المتطرف في أوروبا الغربية، في أنظمة التمثيل النسبي، وعن طريق رفض الأحزاب المحافظة التقليدية لترويج التحالفات مع القوميين الاستبداديين. أما في أوروبا الشرقية فإن الأنظمة المستبدة المحافظة هي التي تسيطر على البلاد.
بول ماسون كاتب في موقع «نيوستيتمان»
قوى زعزعة الاستقرار
إن زعزعة الاستقرار آخذة بالتصاعد، مثل خلاف إيطاليا مع بروكسل بشأن الميزانية، وعدم تحمل إسبانيا للقومية الكاتالونية، وحالة العنف في منطقة «شمنتز» في شمال ألمانيا، ورفض قوات الأمن الألمانية أخذها على محمل الجد، والائتلاف الحكومي غير المستقر في برلين. إضافة إلى كل ذلك، فإننا نعيش في مرحلة تبدو فيها كراهية الأجانب بلا حدود. ولاتزال القوى اليمينية المتطرفة المتجمعة في عزلة تامة في برلمانات لاهاي، واستكهولم، وبرلين، قادرة على توليد الغضب والعنصرية، كما أن الأموال الأميركية المتدفقة ستكون عوناً كبيراً لهم.
أما اليسار فإنه أصبح ضعيفاً في العديد من الدول، لكن على الأقل فإنه يعرف ما يريد فعله، فهو يريد فرض الضرائب على الأثرياء، وإنفاق المال على الفقراء، وكبح جماع العولمة المتوحشة، وحماية الأقليات.
ولطالما تم التغلب على الفاشية تاريخياً من قبل الوسط واليسار. والمهمة هنا تكمن في إيجاد هذا النوع من التحالف الذي ينسجم فيه اليسار مع الوسط، بغية محاربة العدو الرئيس، وهو ذلك الرجل العنصري الذي يحمل بندقيته، ويريد تنظيف المجتمع من كل الأشخاص الذين لا يعجبونه.
• بغض النظر عن الفوائد الاجتماعية، التي قدمها حزب العمال، في ظل رئيسيه السابقين: لويس لولا داسيلفا، وديلما روسيف، فإنه لم يقدم لهم الأمن من الجرائم، أو من الفساد والعنف، ولم يعالج وباء الرشى في الشركات الضخمة المدعومة من الدولة.
• إن انتصار بولسونارو يمثل تعزيزاً، لما فعلته النخب الوطنية في الدول المتطورة. أي حشد كراهية الأجانب والتظلم التافه لدى الطبقة الوسطى، في مشروع يهدف إلى تقوية الدولة. وإزالة العقبات أمام الاستغلال الكبير للفقراء، والحنث بجميع الالتزامات والوعود.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news