بعد عزمها التخلي عن زعامة حزبها والسياسة نهائياً
المستشارة الألمانية تبارك «ميني ميركل» لتسير على نهجها
في الوقت الذي تتأهب فيه المستشارة الألمانية، إنغيلا ميركل، لمغادرة منصبها، وتنوي تطليق السياسة نهائياً، تخطو «ميركل أخرى» خطواتها الأولى لتحلّ محلّها وتنقذ إرثها. وتجد أنجريت كرامب - كارينباور قبولاً سياسياً كبيراً وسط حزبها، الذي يعتبرها على نطاق واسع الشخصية التي انتقتها ميركل لتحل محلها في الحزب. وسيشهد أوائل الشهر المقبل أول سباق لتتويج المستشار المقبل، بعد إجراء تصويت في المؤتمر السنوي للحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم. ويمثل هذا التصويت استفتاء على فترة ميركل التي دامت 13 سنة، وعلى إرثها والاتجاه الذي سيتخذه أقوى اقتصاد في أوروبا.
خطر يتهدّد الإرث
وإذا تم اختيار كرامب - كارينباور، فإن المذهب «المريكالي» سينعم بالاستمرارية في ألمانيا، وستحصل ميركل على فرصة لتختم ولايتها الرابعة كشخصية اكتسبت ثقة شعبها قبل أن تتقاعد في 2021.
لكن نجاح أي متنافس رئيس آخر سيضع ألمانيا على مسار مختلف، وسيضع نهاية للاعتدال الذي أسست له ميركل، وسينتقل الأمر إلى يد الجماعات الملتزمة أيديولوجياً، ومن المحتمل أن ينتهي الإرث، الذي أرست قواعده المرأة، التي تعد واحدة من أكثر القادة المتميزين في الوقت الراهن في أوروبا. ليس من الواضح إلى أي جانب سيميل مندوبو الحزب، البالغ عددهم 1001 مندوب، فقد ظلت ميركل تهيمن لفترة طويلة على حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي دون منافس، إلا أن تلك الهيمنة انهارت في خضم رد الفعل على قرارها في عام 2015 بالسماح لأكثر من مليون طالب لجوء بالدخول إلى ألمانيا. ومع تأرجح أرقام استطلاعات الحزب المؤيدة والمناوئة لميركل، وازدياد الاستياء الداخلي، أعلنت ميركل أواخر الشهر الماضي أنها لن ترشح نفسها لولاية أخرى كزعيمة للحزب.
ويترشح إلى جانب كرامب كارينباور، اثنان من أعضاء الحزب لخلافة ميركل، ويعتبران من أشد منتقديها، وينتميان إلى الجناح اليميني للحزب، (هما الزعيم السابق للحزب، فريدريش ميرز، ووزير الصحة، ينس سباهن). وعلى الرغم من أن ميركل (64 عاماً) لم تختر رسمياً مرشحاً بعينه إلا أن كرامب - كارينباور (56 عاماً)، التي يطلق عليها الألمان اسم «ميركل الصغيرة»، أو «ميني ميركل»، يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها اختيار المستشارة. فقد عينتها ميركل الأمين العام للحزب في الربيع الماضي، وهو المنصب نفسه الذي بدأت منه ميركل صعودها نحو القمة. ويقول الحليف المقرب من كرامب كارينباور داخل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، كارل راوبر، الذي عرفها منذ عقود: «الناس الذين يريدون أساساً الاستمرارية على المنوال نفسه، ولكن بوجه مختلف، سيختارون كرامب - كارنباور»، ويمضي قائلاً «المشكلة هي أن الناس لا يريدون استمرار الأمور كما هي، إنهم يريدون إحداث تغييرات». وتظهر استطلاعات أعضاء حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، أن ميرز، وكرامب - كارينباور، يسبقان سواهن بمسافة بعيدة.
نهاية حقبة
ومع إطلاق كرامب - كارنباور حملتها الأسبوع الماضي في برلين، فإن ذلك يشكل «نهاية حقبة» سيطرت عليها ميركل. وتتخذ كرامب - كارنباور وضعية براغماتية بشكل خاص في ملعب ميركل، لتتعلم كيفية السير على خطاها. وتقول: «لا يمكن ببساطة الاستمرار على غرار هذه الفترة أو على نقيضها»، وتمضي بقولها «السؤال الحاسم هو ما الذي ستفعله بما ورثته». وفي حال فوز كرامب - كارينباور بأصوات، فإن ذلك سيؤدي إلى صعودها، لكن ليس مثل صعود ميركل من مجرد فيزيائية ألمانية غير معروفة إلى زعيمة حزب في غضون 10 سنوات فقط، إذ ليس لدى كرامب - كارينباور سوى خبرة ضئيلة في السياسة الوطنية الألمانية. واكتسبت كامل مسيرتها المهنية في المنطقة الغربية الصغيرة من سارلاند، التي يقطنها مليون شخص فقط، وتعتبر ثاني أصغر ولاية في البلاد. ويتساءل كبير مراسلي الصحيفة الرئيسة في هذه المنطقة، دانيال كيرش، «كيف تستطيع هذه المرشحة أن تكيّف وضعها بانتقالها من مسرح سارلاند الصغير إلى مسرح برلين الكبير؟». ولديها داخل سارلاند، حيث عملت لمدة سبع سنوات رئيسة للولاية، مجموعة كبيرة من المعجبين، وعدد قليل من الأعداء. حتى خصومها السياسيين يعبرون عن إعجابهم بأسلوب حكمها الاسترضائي. ومع ذلك، فإن قليل منهم يقول إنهم يعتبرونها شخصاً يتمتع بقدرات مستشار المستقبل. ويقول كيرش: «إنها متواضعة ولطيفة للغاية، ولن تعتقد أنها وصلت إلى مكانها هذا دون أن تكون طموحة للغاية».
تأتي كرامب - كارينباور الخامسة في الترتيب من بين سبعة أشقاء، وترعرعت في بوتلنغن، وهي مدينة متواضعة بالقرب من الحدود الفرنسية، وتضررت بشدة في شبابها، بسبب إغلاق مناجم الفحم التي كان أسلافها يعملون فيها لأجيال. نشأت في عائلة كاثوليكية متحفظة، وكانت والدتها تشرف على المنزل، بينما يعمل والدها مديراً في مدرسة للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة. وبالمقارنة كان والد ميركل قساً لوثرياً يعمل في دار للمعاقين. ويقول أخوها الأكبر، هانز - جونتر كرامب، إن شقيقته كانت تجادل بحماسة والدها في السياسة، على الرغم من أنها تشاركه العديد من وجهات نظره. كانت مجتهدة وتشارك في الإنشاد في جوقة الكنيسة، بينما كانت تستمتع بمذاق الموسيقى الهادئة، بما في ذلك الفرق الموسيقية. ويقول شقيقها أيضاً: «كانت كثيراً ما تتجادل مع شقيقنا الأصغر حول ما إذا كانت فرقتها أو فرقته هي الأفضل»، ويمضي قائلاً «لكنها كانت دائماً لا تسمح له بإنهاء حججه قبل أن تقرر أن كلا الفرقتين كانتا جيدتين على حد سواء». «إنها تفعل ذلك أيضاً في السياسة، وهذه إحدى فضائلها». كما أنها حازمة عندما يصبح المبدأ على المحك، كما يقول أولئك الذين يعرفونها منذ أمد بعيد.
عندما دعا الفرع المحلي للحزب الشيوعي الألماني مسؤولاً سوفييتياً إلى قاعة مدينة بوتلنغن في أواخر السبعينات، بنت كرامب - كارينباور وزملاؤها من نشطاء حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي نسخة مصغرة من جدار برلين، ووضعوها أمام المبنى - ما أجبر المسؤول على مناورة محرجة للدخول من جانب آخر، كما يروي العمدة السابق، رودولف مولر. ويقول مولر إنها كرئيسة شابة في مجلس مدينة بوتلنغن، استقبلها الموظفون كبار السن في البداية بالريبة، لكنها نالت إعجابهم في النهاية، بعد تبنيها برنامجاً ناجحاً للغاية لمساعدة العمال المسرّحين. ويقول مولر، الذي ظل يترأس المدينة 27 عاماً، «كانت مستمعة جيدة، ولا تتحدث إلا إذا كان لديها ما تريد أن تقوله». ويمضي قائلاً «لقد بذلت جهداً لإقناعهم، لكنها نجحت في النهاية».
موازنة المتطلبات
وفي حزب محافظ لايزال البعض مندهش من قدرتها على موازنة متطلبات حياتها المهنية ومتطلبات الأمومة. فقد قبلت أن تتعين بشكل مؤقت في البرلمان الألماني، بعد أيام فقط من ولادة أحد أبنائها، وظهرت في مناظرات وهي تحمل طفلاً بين ذراعيها، واضطر زوجها، مهندس التعدين لأخذ إجازة من عمله لرعاية أطفالهما الثلاثة. وتقول واحدة من زعماء يسار الوسط في الحزب الديمقراطي الاشتراكي في سارلاند، وهي بترا بيرج، إن كرامب كارينباور لم تؤخذ على محمل الجد من قبل منافسين من الرجال. يجب أن تعرف ميركل هذا الشعور، لكن بيرج تقول إن أوجه التشابه بين الاثنتين تذهب إلى أبعد من الجنس. وتمضي قائلة: «من السذاجة أن نقول إن لديهما علاقة، لأن كلتيهما امرأة، بل في الحقيقة أن لديهما شخصيات متشابهة جداً، وهذا ما يربطهما». ومثل ميركل، لا تتسرع كرامب - كارينباور في اتخاذ قرار، وتفضل الانتظار حتى تفكر في جميع الخيارات المتاحة، وتتحدث مع جميع المعنيين. ومثل هذا المنهج ساعدها بشكل جيد في سارلاند، حيث عمدت بعد ترقيتها لرئيس الوزراء في الولاية إلى تقليص ميزانية الولاية بنسبة 10٪، لأنها تعاني ضائقة مالية.
يسار الحزب
وعلى الرغم من أن كرامب - كارينباور على اليسار في حزبها، من حيث مفهومها الاقتصادي، إلا أنها نالت إعجاب اليمين في القضايا الثقافية، فقد عارضت زواج المثليين، عندما وافق عليه البرلمان في العام الماضي، ودعت لاتباع نهج صارم لطالبي اللجوء، بما في ذلك اختبارات السنّ الإلزامية، لأولئك الذين يدّعون أنهم قاصرون. لكن من غير الواضح ما إذا كان ذلك سيكون كافياً للجناح المحافظ لحزب يسعى إلى العودة إلى الجذور الأيديولوجية، بعد أكثر من عقد من الزمان في معسكر الوسط. وفي ما يتعلق بسياسات اللاجئين، على وجه الخصوص، لم تذهب كرامب - كارينباور إلى الحد الذي يريده الكثير من المحافظين، فقد وقفت إلى جانب قرار ميركل بإبقاء حدود البلاد مفتوحة في 2015-2016، بينما قالت، كما تفعل ميركل، إنه لا ينبغي تكرار هذا التدفق. ويقول زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بمدينة فولكنجن في سارلاند، ستيفان رابيل، «إنني أكنّ الكثير من الاحترام لهذه السياسية، وأقدرها حقاً من الناحية السياسية والشخصية»، ويفضّل رابيل اتباع نهج أكثر تقييداً للهجرة، ويختتم حديثه قائلاً «ولكن بعد سنوات عدة من حكم ميركل، هناك شهية في الحزب من أجل التغيير الحقيقي».
مثل ميركل، لا تتسرّع كرامب - كارينباور في اتخاذ قرار، وتفضّل الانتظار، حتى تفكر في كل الخيارات المتاحة، وتتحدث مع جميع المعنيين.
إذا تم اختيار كرامب - كارينباور، فإن المذهب «المريكالي» سينعم بالاستمرارية في ألمانيا، وستحصل ميركل على فرصة لتختم ولايتها الرابعة كشخصية اكتسبت ثقة شعبها قبل أن تتقاعد في 2021.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news