تزايد احتمالات تصاعد خطر تنظيم «داعش» في العراق مجدداً

مع اقتراب حلول الذكرى الأولى لإعلان رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي النصر على تنظيم «داعش» في العراق، اتسع نطاق الجدل مجدداً حول ما إذا كان العراق قد قضى بالفعل على التنظيم، وفق ما أعلنه العبادي الذي غادر المشهد السياسي بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة. إذ تشير تقارير الأمم المتحدة والتحالف الدولي للحرب على «داعش» وغيرها من التقارير الصادرة عن مراكز متخصصة في شؤون الإرهاب، إلى أن العراق لايزال يشكل بيئة حاضنة للتنظيم الذي لايزال يحتفظ بقوة كبيرة من عناصره، ما يجعله قادراً على إعادة التموضع في البلاد في دورة ثانية، مستخدماً آليات جديدة إلى جانب التكتيكات التي ظهر بها على الساحة في دورته السابقة، وهو ما دفع شخصيات عراقية عدة إلى التحذير من احتمالات عودته، على غرار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي قال، في 21 نوفمبر 2018، أن «الموصل– المركز السابق للتنظيم في العراق- في خطر، فخلايا الإرهاب تنشط وأيادي الفاسدين تنهش».

أسباب مختلفة:

تشير اتجاهات عدة إلى أن ثمة أسباباً مختلفة قد تعزز من احتمال سعي التنظيم إلى العودة من جديد إلى المناطق التي سبق أن سيطر عليها، فقد انشغل العراق، على مدار الربع الأول من العام الجاري، بالانتخابات البرلمانية، فيما حازت النتائج التي أسفرت عنها على الاهتمام الأكبر من جانب القوى السياسية العراقية منذ الإعلان عنها وحتى الآن، في ظل العقبات التي مازالت تحول دون تشكيل حكومة عادل عبدالمهدي، واستمرار خلافات تلك القوى حول بعض المناصب الرئيسة.

فضلاً عن ذلك، لايزال الجدل مستمراً حول عواقب الانخراط السياسي لميليشيا «الحشد الشعبي»، بالتوازي مع تزايد الشكوك حول قدرتها على مواجهة النمط الحالي من العمليات النوعية التي يقوم «داعش» بتنفيذها، خصوصاً في ظل حرصها على تبني سياسة التغيير الديموغرافي في بعض المناطق التي قامت بإخلاء سكانها منها، على نحو استغله التنظيم، حسب اتجاهات عدة، في التحرك في العديد من المواقع «الرخوة» لإعادة انتشاره مجدداً، حتى وإن لم يكن بالصورة نفسها التي كان عليها قبل استعادة الأراضي التي كان يحتلها.

نشاط متواصل:

وفق آخر تقرير أصدرته الأمم المتحدة في أغسطس 2018، فإن ما بين 20 إلى 30 ألفاً من مسلحي تنظيم «داعش» لايزالون في العراق وسورية موزعين بالتساوي تقريباً بين البلدين، بما يعني أن هناك ما بين 10 و15 ألفاً من عناصر التنظيم في العراق، رغم هزيمة التنظيم وتوقف تدفق الأجانب للانضمام إلى صفوفه.

ولا يختلف هذا التقدير كثيراً عن تقديرات وزارة الدفاع الأميركية الصادرة فى الوقت نفسه، التي قدرت العدد بنحو 30 ألف عنصر، مع الإشارة في الوقت ذاته إلى أن قدرات «داعش» في إعادة الانتشار بعد استهدافه، تبدو أعلى من سلفه تنظيم «القاعدة»، التي وصلت إلى ذروتها في العراق بين عامى 2006 و2007.

وتتمثل تلك القدرات في إعادة إنشاء مناطق دعم دائمة مع جمع الأموال وإعادة بناء القيادة والسيطرة على القوات المتبقية. وكشف تقرير لمعهد دراسات الحرب الأميركي أن التنظيم لايزال يحتفظ بمناطق للدعم اللوجستي الإداري، وأن هناك أربعة مؤشرات كاشفة عن تطور عملية إعادة تموضع التنظيم منها إقدام «داعش» على إعادة تشكيل هيكل لقيادة عملياته في العراق وسورية منذ مطلع أكتوبر 2018، وقبلها تأسيس ولايتين جديدتين في العراق وسورية في 20 يوليو من العام ذاته.

تحول مرحلي:

يطرح تحليل العديد من إصدارات التنظيم ومطابقتها بالتقارير الدولية والمحلية في العراق دلالات عدة، يتعلق أبرزها بأن التنظيم تحول إلى نمط أشبه بحرب العصابات في المرحلة الحالية، وهو ما يتوافق مع طبيعته ومواقع الانتشار الحالية والمناطق التي يستهدف ترسيخ وجوده فيها.

وتظهر خريطة مواقع العمليات التي ينفذها التنظيم أنه لايزال نشطاً في أغلب المناطق التي كان يوجد فيها قبل هزيمته العسكرية في الموصل عاصمته المركزية في العراق، كما أنه يعيد انتشاره في مواقع أخرى، لا سيما في القرى المُهجَّرة التي أخلتها ميليشيا «الحشد» ولم تعد توطين ساكنيها مرة أخرى بعد انتهاء العمليات، فعلى سبيل المثال، شن التنظيم، في الفترة الأخيرة، عمليات في دجلة وكركوك وصلاح الدين وديالى والفلوجة والأنبار والجزيرة.

وتستهدف العمليات النوعية التي يقوم «داعش» بتنفيذها التحركات الأمنية خصوصاً تحركات «الحشد» والكمائن الثابتة، إلى جانب شيوخ العشائر والقضاة وضباط الجيش، ويستخدم في المرحلة الحالية الأسلحة الخفيفة والكاتمة للصوت بالتوازي مع زراعة العبوات الناسفة على الطرق، والسيارات المفخخة، والأحزمة الناسفة. كما أعلن اخيراً عن تنفيذ عملية انغماسية قام بها أحد عناصره في الفلوجة، وهي أحد أبرز أنماط العمليات التي يقوم بها التنظيم.

آليات جديدة:

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن المواجهات الحالية تتطلب، على الأرجح، نمطاً مختلفاً عن ذلك الذي تم الاستناد إليه خلال المرحلة السابقة من الحرب على التنظيم، والتي شنت خلالها ميليشيا «الحشد الشعبي» عمليات تطهير قطاعي ومساحي واسعة. إذ من الواضح أن ثمة صعوبات عدة تحول دون التكيف مع الأساليب الجديدة للتنظيم، وهو ما يبرز دور قوات النخبة المتخصصة في مكافحة الإرهاب في محاولة إحباط بعض العمليات بشكل استباقي، ويزيد من أهمية تبني آليات غير تقليدية في التعامل مع النمط الجديد من العمليات الإرهابية، التي تشير بوضوح إلى أن العراق لايزال يواجه خطر «داعش»، على الرغم من الهزيمة العسكرية التي مني بها في العام الماضي، خصوصاً أن مُحفِّزات إعادة إنتاج التنظيم لاتزال قائمة في المشهد العراقي، على نحو يكشف أن المعالجات الأمنية وحدها لم تعد تكفي لمواجهة محاولاته تعزيز نشاطه على الساحة من جديد.

تظهر خريطة مواقع العمليات التي ينفذها «داعش» أنه لايزال نشطاً في أغلب المناطق التي كان يوجد فيها قبل هزيمته العسكرية في الموصل عاصمته المركزية بالعراق، كما أنه يعيد انتشاره في مواقع أخرى، لا سيما في القرى المُهجَّرة التي أخلتها ميليشيا «الحشد» ولم تعد توطين ساكنيها مرة أخرى بعد انتهاء العمليات.