أحدثها إعلان الانسحاب من الشرق الأوسط وأفغانستان
قرارات ترامب المفاجئة تقلق الأوروبيين وتدفعهم للاعتماد على أنفسهم في الدفاع
أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أحادي الجانب، بسحب القوات الأميركية من سورية وأفغانستان إلى جانب استقالة وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، من منصبه؛ القلق في جميع أنحاء أوروبا، وتمخض عن دعوات جديدة من أجل استقلال استراتيجي أكبر من واشنطن. وفاجأ إعلان الخروج السريع للقوات الأميركية الدبلوماسيين الأوروبيين الذين كانوا قد أجروا محادثات في الأسابيع الأخيرة مع وزارة الخارجية الأميركية حول كيفية تحقيق الاستقرار المشترك لمناطق في سورية والعراق تم تطهيرها من تنظيم «داعش».
وقالت المتحدثة باسم الحكومة الألمانية، أولريك ديمر، يوم الجمعة: «إن التشاور قبل الإعلان عن الانسحاب كان يمكن أن يكون مفيداً»، معربة عن شعور أوروبا بالإحباط جراء ذلك. ويقول مسؤولون أوروبيون إنهم قلقون من أن روسيا وإيران ستملأن الفجوة في ظل انحسار الوجود الأميركي، ويشعرون بتباعد متزايد في التحالف عبر الأطلسي الذي ساعد في الحفاظ على السلم والازدهار لأجيال. وأعرب الدبلوماسيون عن شعورهم بالخيانة لأن أوروبا تواجه تهديدات أكبر بكثير من الولايات المتحدة جراء الإرهابيين والصواريخ واللاجئين.
كان السوريون ضمن أكثر من مليون شخص فروا من تنظيم داعش والحرب الأهلية السورية وعبروا حدود أوروبا في عام 2015، ما أقلق المشهد السياسي الأوروبي حتى يومنا هذا. ويسهم الأوروبيون بقوات في أفغانستان، إلى جانب القوات الأميركية كجزء من مهمة يطلع بها حلف شمال الأطلسي (ناتو) لدعم الحكومة الأفغانية الهشة ومحاربة حركة «طالبان». وقد تؤدي عمليات تخفيض القوات الأميركية هناك إلى احتمال تعرض القوات المتبقية لخطر أكبر، وكانت العديد من الحكومات الأوروبية ترسل قوات إضافية تحت ضغوط من الولايات المتحدة. ومن المرجح أن يعيد الأوروبيون الآن تقييم التزاماتهم في هذا الشأن.
وفي ما يتعلق بقرارات ترامب بالانسحاب، فإن عدم إمكانية توقع ما سيقدم عليه هذا الرجل يثير القلق لدى العديد من الأوروبيين الذين فوجئوا أيضاً بفوزه في انتخابات عام 2016. ويقول المسؤول في صندوق مارشال الألماني، أولريش سبيك، وهو مركز أبحاث في برلين: «إننا نجد أمامنا الآن جميع التساؤلات التي تعود إلى العامين الماضيين». قرارات ترامب المفاجئة بشأن سورية وأفغانستان تضاف أيضاً إلى قراره المفاجئ في وقت مبكر من هذا العام، والخاص بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق الإيراني لعام 2015 الذي يهدف إلى احتواء برنامج طهران النووي. لقد مضى في تنفيذ قراره على الرغم من التوسلات الأوروبية بالامتناع عن ذلك، وضغط على كل من باريس ولندن وبرلين لوضع قيود إضافية على إيران. كما يشعر الأوروبيون بالقلق من أن انسحاب ترامب قد يجعل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في وضع أقوى، ويشجعه على تقديم مزيد من الدعم للرئيس السوري بشار الأسد، والثوار في أوكرانيا، إلا أن المسؤولين الأميركيين يؤكدون أن إدارة ترامب لم تتراجع عن التزاماتها الدولية، وستواصل فرض نفوذها الدولي.
وصرح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، لأحد الحضور في بروكسل، بأن ترامب «يعيد الولايات المتحدة إلى دورها القيادي التقليدي في العالم». الأمثلة التي ذكرها تشمل إعادة التفاوض الأميركي على اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية، وضغطها على كوريا الشمالية للتخلي عن برنامجها النووي، ومطالبة منظمة التجارة العالمية والهيئات متعددة الأطراف الأخرى بإعادة هيكلة نفسها وإلا ستفقد دعم الولايات المتحدة.
استقلال استراتيجي
ومع ذلك، تمخضت التحركات العسكرية والدبلوماسية الأميركية أحادية الجانب عن إطلاق أوروبا نداءات متزايدة من أجل استقلال استراتيجي أكبر للقارة. ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أخيراً إلى إنشاء قوة عسكرية أوروبية. وفي يوم الجمعة في برلين صرحت الزعيمة الجديدة لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي أنجريت كرامب كارينباور، بأن الوقت قد حان للتفكير في «مسؤولية أكبر لأوروبا إزاء التطورات في الولايات المتحدة». إلا أن تطبيق مثل هذه النداءات يبدو صعباً إلى حد ما، فقد ظل الأوروبيون يكافحون لتنسيق خططهم العسكرية، والتكيف مع دعمهم القليل للناتو، على الرغم من دعوات أميركية لهم طوال سنوات بإنفاق المزيد على الدفاع. وانتقد ترامب حلفاء الناتو الأوروبيين لفشلهم في الوفاء بالتزاماتهم.
تحذيرات
في عام 2011، حذر وزير الدفاع في الإدارة الأميركية السابقة روبرت غيتس، الأعضاء الأوروبيين في الناتو من «مستقبل قاتم، إن لم يكن كئيباً»، ما لم يزد الأوروبيون الإنفاق العسكري. وفي الوقت الراهن يفي ثلاثة فقط من الأعضاء الأوروبيين السبعة والعشرين في حلف الناتو بتعهداتهم للحلف التي قطعت عام 2014، بإنفاق 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، وهناك أقل من عشرين لديهم خطط للقيام بذلك بحلول عام 2024. ومع ذلك، فقد رحب الأوروبيون بزيادة الإنفاق العسكري الأميركي ونشر مزيد من القوات الأميركية في أوروبا لمواجهة روسيا منذ أن تولى ترامب السلطة. الكثير من الفضل في ذلك يعود لماتيس، وهو جنرال بحري متقاعد ومناصر قوي لحلف الناتو وأوروبا. واستقالته يوم الخميس احتجاجاً على قرارات ترامب بشأن سورية وأفغانستان أغضبت الأوروبيين.
وتقول مديرة مركز دراسات الشؤون الدولية في روما، ناتالي توتشي: «ما تشير إليه هذه الإشارات - ولاسيما رحيل ماتيس - هو أن معقل التحالف الأطلسي في إدارة ترامب لم يعد له وجود»، وترى كبار مستشاري ترامب الآخرين عبارة عن مزيج من الانعزاليين والتدخليين. وتقول عنهم«إنهم لا يشاركون كثيراً للصالح الدولي، وما يشاركون إلا في ازدراء المؤسسات الدولية والتعاون الدولي، وفي النهاية فإن التعاون الدولي هو الهدف الذي يسعى التحالف عبر الأطلسي لتحقيقه».
التأثير في الدبلوماسية
ويمكن لقرارات ترامب أن تؤثر أيضاً في الدبلوماسية على المستوى الدولي. ويقول ممثل الاتحاد الأوروبي الخاص السابق لمنطقة الشرق الأوسط، ومستشار وزارة الخارجية البلجيكية، مارك أوتيه «كان التعاون في التخطيط للمناطق السورية المحررة من قبضة (داعش) يرتكز إلى وجود القوات الأميركية لتوفير الأمن والمساعدة في الأمور اللوجستية».
• الأوروبيون يسهمون بقوات في أفغانستان، إلى جانب القوات الأميركية كجزء من مهمة يطلع بها حلف شمال الأطلسي (ناتو) لدعم الحكومة الأفغانية الهشة ومحاربة حركة «طالبان». وقد تؤدي عمليات تخفيض القوات الأميركية هناك إلى احتمال تعرض القوات المتبقية لخطر أكبر.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news