وقوع السودان ضحية «مشروع إخواني» منذ 1989 انتهى به إلى كوارث
قالت رئيس تحرير صحيفة «التغيير» السودانية المعارضة، رشا عوض، إن التظاهرات الجارية في السودان ذات جذور سياسية، حتى لو كان دافعها المباشر مطلبياً. وأشارت إلى أن محاولة ربطها بجهات خارجية، أمر لا معنى له، معتبرة التبرير الرسمي بـ«الحصار الغربي» بلا قيمة، لأنه يتجاهل المتسبب الرئيس فيه وهو النظام نفسه. وأضافت عوض، أن الشباب «غير المؤدلج» يلعب دوراً حاسماً في التظاهرات، محذرة من أن «الفوضى ستكون خطراً على الجميع».
كما حذرت من محاولات المحور التركي القطري التدخل لدعم «الإخوان» في السلطة، داعية القوى الإقليمية المؤثرة في المنطقة إلى الوقوف مع الشعب السوداني»، لأنه الأبقى.
وتفصيلاً، قالت رئيس تحرير صحيفة «التغيير» الإلكترونية السودانية المعارضة، رشا عوض، في حوار مع «الإمارات اليوم»، إن «الحراك الجاري في السودان، ليس مطلبياً فقط، لأن أي حراك بالضرورة سياسي»، مضيفة «تعيش السودان أزمة اقتصادية خانقة وصلت حد ندرة الخبز والوقود، وارتفاع جنوني في أسعار السلع الضرورية الأخرى، فضلاً عن شح السيولة لدرجة حرمان المواطنين من سحب أموالهم المودعة في البنوك». وتابعت «الموازنات العامة منذ بدء عهد (الإنقاذ) عام 1989، ظلت تخصص للصحة والتعليم وتنقية مياه الشرب، وكل مجالات التنمية، مبالغ ضئيلة مقارنة بتلك المرصودة للصرف الأمني والعسكري والسياسي، ويأتي ذلك وفق القرارات السياسية للنظام الحاكم، ولذا فمنذ اليوم الأول للاحتجاجات ردد السودانيون هتافات سياسية، لأنه لا علاج لأزماتهم مطلقاً إلا في إطار حل سياسي شامل».
ورفضت عوض القول إن صوت الاحتجاجات كان ضعيفاً، وقالت «أبداً بالعكس تماماً، صوت الانتفاضة السودانية منذ بدايتها في 20 ديسمبر كان مدوياً، وجاء إيقاعها مختلفاً، إذ بدأت في مدن خارج العاصمة، وتحديداً من مدن الشمال، مثل عطبرة وبربر ودنقلا والدامر، وهي للمفارقة المدن التي ينحدر منها قادة الحزب الحاكم، وينظر إليها كمناطق نفوذ وولاء له».
استنكار
واستنكرت عوض اتهامات مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني صلاح قوش «بأن (الموساد) وراء التظاهرات»، مضيفة أن «أي محاولة لربط الاحتجاجات السودانية المشروعة بجهات خارجية لا معنى له، وصلاح قوش نفسه وفي الخطاب ذاته الذي تحدث فيه عن (الموساد) اعترف بالأزمة الاقتصادية العويصة في البلاد، الفقر وحالة الانهيار التي يعانيها السودان، نتاج منهج سياسي معطوب، وسوء إدارة مزمن، وفساد مستوطن يجد الحماية على أعلى المستويات، وكل ذلك صناعة داخلية صرفة!! فأي اختباء وراء نظرية المؤامرة، ما هو إلا وسيلة للبطش بالمعارضين السياسيين، وتقديم المبررات لقمعهم»
ورداً على تفسير الأزمة بالحصار الغربي للسودان، قالت عوض: «إن تبرير الأزمة الاقتصادية التي يعانيها السودان بالحصار الغربي أو العقوبات الأميركية هي عذر أقبح من ذنب! إذ إن الذي تسبب في جر الحصار والعقوبات على السودان هو أخطاء بل حماقات سياسية ارتكبها النظام في التسعينات، وتوريط السودان في جرائم ضد دول جارة، مثل محاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك، فضلاً عن ارتكاب فظائع في مناطق الحروب الأهلية، وبالتالي فإن هذه العقوبات الدولية تستوجب مساءلة النظام سياسياً، وتصلح لتجريده من المشروعية السياسية، لا أن تكون عذراً مستداماً لتبرير إفقار السودانيين! فالأزمة الاقتصادية سببها الجذري والجوهري ليس العقوبات، بل وقوع البلاد في قبضة حكم (الإسلام السياسي) منذ 30 عاماً، وهذا التيار يفتقر إلى أي رؤية اقتصادية تنموية، فيكاد يكون فكرهم خاوياً تماماً في مجال الاقتصاد نظرياً وبرامجياً، وحتى شعاراتهم الآيديولوجية ليس من بينها شعارات منحازة للعدالة الاجتماعية أو النهضة الاقتصادية، وكل ما فعلوه في الاقتصاد هو عملية استباحة لموارد البلاد في إطار مشروع (التمكين)، وهو مشروع آيديولوجي خلاصته تمكين (الإخوان) من مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية».
وتابعت أن «الأزمة الاقتصادية الراهنة لا مخرج منها إلا عبر تغيير سياسي يحقق السلام الشامل والتحول الديمقراطي، ويستوفي شروط عودة السودان إلى الأسرة الدولية بشكل يؤهله للمطالبة بإعفاء ديونه البالغة 55 مليار دولار»، مشيرة الى أن «شعار (تسقط بس) أنتجه الشعب السوداني وليس القوى السياسية».
وحول القوى السياسية المشاركة في التظاهرات، قالت عوض إن «الجماهير المنتفضة غالبيتها من الشباب، وعملية التعبئة لخيار الاحتجاج في الشارع نتاج للوعي المطلبي الذي ظلت تبثه كيانات نقابية موازية لتلك النقابات التي تسيطر عليها الدولة، ونتاج الوعي السياسي الذي تشكل عبر مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام البديل، وأخيراً وطأة الضغوط المعيشية التي عبأت كل المواطنين ضد الحكومة».
سيناريو الفوضى
وحذرت عوض من أن «سيناريو الفوضى كارثة كبرى على الشعب السوداني، وخطر كبير على الإقليم»، وحذرت أيضاً من «أن تعتقد دول الجوار الإقليمي أن استمرار الوضع الحالي هو العاصم من سيناريو الفوضى! فالقراءة الصحيحة لما يجري في السودان هي أن واجب هذه اللحظة التاريخية على النخبة السياسية في السودان، هو ترتيب الانتقال إلى نظام جديد بذكاء وحكمة وتحوطات كبيرة، في مقدمتها توحيد الصف الوطني، حول هذه الترتيبات التي لابد أن تشمل رؤية واقعية وعملية لمخاطبة القوات المسلحة وضمان دورها الإيجابي في عملية التغيير، ولكي تنجح النخبة السياسية السودانية في ذلك لابد من دعم المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي». وقالت عوض إن «الشعب السوداني الذي انفجر متظاهراً في الشوارع، طيلة الأسابيع الماضية، يرى بأمّ عينيه ما يحدث في ليبيا وفي سورية، وأجهزة الإعلام الرسمية تخوّفه ليل نهار بأن خروجه للمطالبة بالتغيير سيقوده الى السيناريو الليبي أو السوري، ولكن رغم ذلك خرج الناس للشوارع دون أن يطلبوا الإذن من أحد».
ونفت عوض ما يتصوره البعض من أن المجتمع الدولي مع استمرار الواقع الراهن، قائلة إن «المجتمع الدولي مع مصالحه الخاصة، ولا أعتقد أنه يمكن أن يرهن مصالحه للوضع القائم، بالعكس من ضمن السيناريوهات الأميركية التي كانت مطروحة من قبل المبعوث الأميركي للسلام في السودان وجنوب السودان، دونالد بوث، وهو ما يمكن أن نسميه سيناريو «الهبوط الناعم» القائم على عدم ترشح الرئيس الحالي عمر البشير للانتخابات في 2015، وفتح الطريق أمام إصلاحات جزئية لإحلال السلام».
جسور تواصل
وحذرت عوض من أن النظام الحالي لديه جسور تواصل ممدودة إلى قطر وتركيا حتى في عز فترة مزاعمه بنفض يده عن هذا المحور، وفي آخر مؤتمر للحركة الإسلامية في السودان قال رأس النظام بالحرف الواحد: (أنا حركة إسلامية كاملة الدسم)، والطريقة الوحيدة لوضع حد لمخاطر الإسلام السياسي في السودان هو التحوّل الديمقراطي».
وأعربت عوض عن أمنياتها أن «تدعم القوى الإقليمية الكبرى والمهمة الشعب السوداني في انتفاضته ولا تخسره لمصلحة حكومة معزولة، فمصلحتهم جميعاً في سودان مستقر ومزدهر». وحول المخاوف من فتح الحراك الجاري أبواب الجهوية، قالت عوض: «بالعكس الانتفاضة وحّدت السودانيين، وعندما زعم النظام أن خلايا تخريبية تابعة لحركة مسلحة في دارفور تدربت في إسرائيل تعتزم قتل المتظاهرين، قابل الرأي العام السوداني ذلك باستهجان شديد، وكان من ضمن هتافات التظاهرات: يا عسكري ومغرور كل البلد دارفور. المطالب الجهوية المشروعة في التنمية والخدمات والحريات السياسية، وكذلك إزالة آثار الحرب كلها، مطالب عادلة وجزء من مطالب الشعب السوداني بوجه عام».
ربط تظاهرات السودان بجهات خارجية لا معنى له.
الأزمة الاقتصادية الراهنة لا مخرج منها إلا عبر تغيير سياسي يحقق السلام الشامل والتحول الديمقراطي، ويستوفي شروط عودة السودان إلى الأسرة الدولية بشكل يؤهله للمطالبة بإعفاء ديونه البالغة 55 مليار دولار.