أصبحت شوكة في خاصرته
رئيسة مجلس النواب الأميركي تلقِّن ترامب درساً في السياسة
برع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في ابتكار الأسماء المستعارة لخصومه السياسيين، لكنه خلافاً لذلك ينادي رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، باسمها الحقيقي «نانسي»، لهذا يعتقد أكثر من محلل أن هذه المرأة تقف نداً عنيداً له. فقد درج ترامب على وصف منافسيه الرئاسيين السابقين بأوصاف مقذعة، حيث وصف هيلاري كلينتون بـ«هيلاري المخادعة»، وماركو روبيو بـ«ماركو الصغير»، وتيد كروز بـ«تيد الكاذب»، وبيرني ساندرز بـ«بيرني المجنون»، ومستشاره الاستراتيجي السابق، ستيف بانون بـ«ستيف القذر»، وزعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي، تشاك شومر بـ«تشاك الباكي». وعلى الرغم من قدرة ترامب على إسباغ الأوصاف السوقية على خصومه، استعصى عليه حتى الآن إطلاق وصف على هذه المرأة التي يسميها بـ«نانسي» فقط.
برزت بيلوسي كمعارض عنيد للرئيس، في الوقت الذي يدخل فيه الإغلاق الحكومي الجزئي أسبوعه الخامس، مسجلاً رقماً قياسياً في تاريخ الإغلاقات الحكومية الأميركية، حيث حرم الديمقراطيون، بقيادة بيلوسي، الرئيس من الحصول على 5.7 مليارات دولار لبناء الجدار الحدودي. وأجبرت بيلوسي ترامب الأسبوع الماضي على إلغاء الدعوة التي وجهها لإلقاء خطاب حالة الاتحاد. وأصدرت قبل أيام بياناً شديد اللهجة، يرفض صفقة ترامب المقترحة لإنهاء الإغلاق، وذلك قبل وقت قصير من إعلان الرئيس الخبر نفسه من الغرفة الدبلوماسية للبيت الأبيض. ويقول الأستاذ المساعد في الإدارة السياسية بجامعة جورج واشنطن، مايكل كورنفيلد: «إنها لا تلحق به الهزيمة فحسب، بل تثير غضبه»، ويسترسل «إنها تسخر منه، بل هي مصارع الثور، إنها الثور نفسه، ليس لديه أي فكرة عما ستفعل لاحقاً به، فهو عبقري في فن الدعاية، ولكن ليس فن السياسية، فهو شخص مبتدئ في هذا المجال».
الآن ومع بلوغها سن الـ78، أصبحت بيلوسي ناضجة سياسياً، ومستعدة لمثل هذه المعركة الخاصة بقوة الإرادة. ولدت في بالتيمور، ميريلاند، وهي الأصغر بين ستة أطفال، والفتاة الوحيدة بينهم. كان والدها عضواً في الكونغرس الأميركي، بعد أن شغل منصب عمدة المدينة، وشكل لها كل هذا دروساً سياسية لن تنساها أبداً. وتحدثت ابنتها ألكسندرا بيلوسي، أخيراً، عن دهاء والدتها السياسي، قائلة «تستطيع أن تقطع رأسك لدرجة أنك لا تشعر بأي نزيف».
أصبحت بيلوسي شخصية قيادية في حملة جمع التبرعات في ولاية كاليفورنيا، ومن نشطاء الحزب الديمقراطي، وتم انتخابها للكونغرس في عام 1987، وهو العام الذي نشر فيه ترامب كتابه «فن الصفقة». كانت أول امرأة يتم اختيارها رئيسة لمجلس النواب، من 2007 إلى 2011، واستعادت حديثاً هذا المنصب، ما جعلها تصبح ضمن شخصيات الصف الثاني في الرئاسة الأميركية.
استطاع ترامب «عدو المرأة» أن يحصل على فرصة لدخول للبيت الأبيض، بعد أن تغلب على منافسته كلينتون، في عام 2016. ثم عاش شهر عسل لمدة عامين في البيت الأبيض، حيث سيطر الجمهوريون على مجلس النواب ومجلس الشيوخ، ولكن الآن أصبح مجلس النواب في أيدي الديمقراطيين، وتصمم بيلوسي، المنضبطة، والداهية، والصلبة، على فضح افتقاره للتجربة السياسية.
توازن القوى الجديد
أصبح توازن القوى الجديد واضحاً في 11 ديسمبر أواخر العام الماضي، عندما التقت بيلوسي وشومر بالرئيس ترامب ونائبه، مايك بنس، في المكتب البيضاوي. وقالت بيلوسي وهي تميل إلى الأمام على حافة الأريكة: «لا ينبغي أن يكون لدينا إغلاق ترامبي»، منسوب إلى ترامب. نظر ترامب إليها بدهشة، قائلاً «ماذا، هل قلت ترامب؟»، شعر ترامب بغصة في حلقه، ولو لم يتناول كوب الماء الذي أمامه لاختنق. قلبت عليه الطاولة، هوت العلامة التجارية الرئيسة على الأرض. بعد أكثر من شهر، ظلت عبارة «الإغلاق الترامبي» هي العلامة الأكثر رواجاً من أي علامة سياسية أخرى. لم يسعف الرئيس نفسه عندما أخبر شومر بأنه سيكون «فخوراً بأن يغلق الحكومة» من أجل أمن الحدود.
وعندما زعم أن «نانسي ليست في وضع يجعلها تتحدث بشكل صحيح في الوقت الحالي»، وضعته في حجمه، وردت عليه قائلة: «سيدي الرئيس، من فضلك لا تستهن بالسلطة المخولة لي للتحدث في هذا الاجتماع بصفتي زعيمة الديمقراطيين بمجلس النواب، الذين حققوا للتو فوزاً كبيراً». بعد الاجتماع، أفادت تقارير بأن بيلوسي أخبرت ديمقراطيي مجلس النواب بأنها كانت في «صراع مع شخص بغيض»، أو بالأحرى مع «حيوان الظربان»، وأن إصرار ترامب على بناء الجدار هو «بمثابة عمل رجولي بالنسبة له».
صدمة
ربما شكل هذا صدمة لرجل قضى العامين الماضيين محاطاً بشخصيات «إمعة» من الرجال والنساء، بمن في ذلك مديرة حملته الانتخابية، كيليان كونواي، والمتحدثة باسم البيت الأبيض، سارة ساندرز. وقال كورنفيلد: «إننا سننظر إلى 11 ديسمبر باعتباره اليوم الذي التقى فيه ترامب بنده، لقد أتقنت بيلوسي مهارتين سياسيتين لا يجيدهما ترامب». ويمضي قائلاً «المهارة الأولى هي أنها تعرف كيف تحسب الأصوات. وهي الطريقة التي استطاعت من خلالها إقرار قانون الرعاية الصحية في عهد الرئيس السابق، كما استطاعت استعادة رئاسة المجلس، وأنها تستطيع أن تجعل ترامب تحت المساءلة، وتظل على اتصال مع كل واحد من الديمقراطيين ومعظم الجمهوريين. وإنها تعرف متى يجب عليها أن تصل إلى تفاهم، ومتى تنتظر». ويضيف «أما المهارة الثانية فهي أنها تعرف كيف تستفيد من هذه العملية، وهي تعلم أنه في كل يوم يستمر فيه الإغلاق، تكسب هي والديمقراطيون، بينما يخسر ترامب والجمهوريون، إنها استطاعت أن تحرمه من وقت ظهوره على التلفاز، إنها تعرف حقاً كيف تزعجه بوخز إبرة».
الحدود المفتوحة
خلال عيد الميلاد، وفي العام الجديد، أنحت حسابات «تويتر» الخاصة بترامب وحلفائه الجمهوريين باللائمة على الديمقراطيين في ما يتعلق بالإغلاق الحكومي، مدعين أن الديمقراطيين يفضلون الحدود المفتوحة، التي تسمح بدخول المخدرات وعتاة المجرمين إلى البلاد. وفي هذا الصدد، اختارت بيلوسي أهدافاً دقيقة، ثبت أنها أكثر فتكاً. ففي إحدى المداولات مع الصحافيين، أكدت أن ترامب لا يتعاطف مع العمال المسرحين بسبب الإغلاق الحكومي، وأضافت «يعتقد أنهم ربما يمكنهم فقط أن يطلبوا من آبائهم المزيد من الأموال»، في إشارة إلى الثروة التي ورثها الرئيس من والده. بعد خروج ترامب من أحد الاجتماعات التي عقدتها معه، ردت بيلوسي بدهشة: «لقد أصيب بنوبة غضب، أنا أم لخمسة أبناء، وجدة لتسعة. وأعرف ذلك تماماً».
خلال هذا الأسبوع، وبينما واصل ترامب التنفيس عن غضبه من خلال «تويتر»، ذكرت بيلوسي إنه أجل خطاب حالة الاتحاد - وهو الاستعراض الذي يصبو إليه أي رئيس - إلى أن تعيد الحكومة فتح أبوابها. وفي حديث مفاجئ، قالت بيلوسي إن جهاز الخدمة السرية ووزارة الأمن الداخلي قد «علقوا» بسبب التسريحات، لذا يجب ألا يتحملوا عبء تأمين هذا الحدث (خطاب حالة الاتحاد) في 29 يناير بمبنى الكابيتول هيل.
وفي مقابلة مع صحيفة الواشنطن بوست، شبه عضو الكونغرس الديمقراطي، ستيف كوهين، خطاب بيلوسي بـ«لحظة جين هاكمان»، مقارناً إياه بخطاب ملهم قدمه ممثل إلى فريق كرة سلة في فيلم هوسيرز.
«إنه خطاب ذكي، لسببين: أولاً، ستتحمل بيلوسي مسؤولية الإغلاق مباشرة، إذا استطاع الرئيس أن يلقي خطاب حالة الاتحاد، وستضطر إلى الجلوس هناك صامتة، حيث يلقي عليها مسؤولية الإغلاق. السبب الثاني، أنه سيجد مبرراً لإنهاء عملية الإغلاق، لأنه يحب جمهور التلفزيون وتركيز الاهتمام عليه». وحاول الرئيس الرد يوم الخميس برسالة عرضت للخطر زيارة بيلوسي وغيرها من الديمقراطيين إلى أفغانستان، مشيراً إلى أن الزيارة هي عبارة عن «زيارة علاقات عامة»، وقال إنه سيكون من الأفضل لها لو بقيت في واشنطن للتفاوض على إعادة فتح الحكومة.
وكتب ترامب في خطاب موجه إلى «السيدة الرئيسة»: «من الواضح أنه إذا كنت ترغبين في القيام برحلتك بالطيران التجاري، فهذا بالتأكيد من حقك».
ملعب بيلوسي
عادت الكرة مرة أخرى إلى ملعب بيلوسي، واتهمت ترامب بوضع الجنود والمدنيين العاملين في أفغانستان في دائرة الخطر، من خلال الإعلان عن الرحلة المخطط لها. عندما سأل أحد المراسلين عما إذا كانت تعتبره انتقاماً لخطابها، أجابت بسخرية: «آمل ألا يحدث ذلك، لا أعتقد أن الرئيس سيكون ذلك الشخص ضيق الأفق، أليس كذلك؟».
ومع استمرار المواجهة، يبدو أن بيلوسي تربح في محكمة الرأي العام. فقد كشف استطلاع للرأي، أجرته مؤسسات «ان بي أي»، «بي بي اس نيوسز هاور»، «مارست»، أن نسبة مؤيدي ترامب بلغت 39٪، بينما وصلت نسبة معارضيه إلى 53٪، وهو تغير كبير بلغ سبع نقاط مقارنة بشهر ديسمبر. وفي غضون ذلك، ارتفعت نسبة شعبية بيلوسي بين الديمقراطيين إلى 13٪ منذ الانتخابات النصفية، من 59٪ إلى 72٪ في استطلاعات «سيفيك»، مع عدم حدوث أي تحول فعلي بين الجمهوريين.
تقول مؤلفة كتاب «رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي والسياسة الأميركية الجديدة»، سيندي سيمون روزنتال، الذي نشرته في عام 2007: «هناك أشخاص ينظرون إلى ما يجري على أنه سياسة القوة، مد وجزر بين رئيس جمهوري ورئيسة مجلس نواب ديمقراطية، ولكن يمكن أيضاً رؤيته على أنه عودة ظهور نصف الفرع التشريعي الذي لا يريد أن يذعن لأوامر البيت الأبيض». وتختتم حديثها قائلة «تحاول بيلوسي إرسال رسالة واضحة، مفادها أن هذا الفرع التشريعي يريد تأكيد نفسه، وأن ترامب لا يعرف كيفية التعامل مع ذلك».
برزت بيلوسي كمعارض عنيد للرئيس الأميركي في الوقت الذي يدخل فيه الإغلاق الحكومي الجزئي أسبوعه الخامس، مسجلاً رقماً قياسياً ، حيث حرم الديمقراطيون، بقيادة بيلوسي، الرئيس من الحصول على 5.7 مليارات دولار لبناء الجدار الحدودي.
نسبة مؤيدي ترامب بلغت 39٪، بينما وصلت نسبة معارضيه الى 53٪، وهو تغير كبير بلغ سبع نقاط مقارنة بشهر ديسمبر، وفق استطلاع للرأي أجرته مؤسسات «ان بي أي»، و«بي بي اس نيوسز هاور»، و«مارست».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news