خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.. كابوس سياسي لا ينتهي
الشلل السياسي أمر معروف في الولايات المتحدة، والمواجهة الأخيرة والطويلة حول الإغلاق الحكومي خير دليل على ذلك، لكنْ هناك عدد قليل من البلدان الغارقة في الجمود، والاختلال الوظيفي، والانقسام وضعف القيادة التي تنافس بريطانيا. يبدو الأمر كما لو أن أسوأ ما في أميركا جاء إلى بريطانيا، مع بعض اللمسات المحلية.
معركة خروج بريطانيا «بريكست» الطويلة على الشروط التي ستترك بموجبها الاتحاد الأوروبي قد كشفت الحالة المزعجة للسياسة البريطانية، فقد أدى القرار المفاجئ الذي اتخذه الناخبون في يونيو 2016 لمصلحة مغادرة الاتحاد، بدلاً من البقاء كجزء من التحالف الاقتصادي والسياسي، إلى نقاش لا نهاية له، وشعور بالإرهاق، وشحذ خطوط الصراع التي قسمت البلاد، وشتت الأحزاب كذلك.
وقد واجهت رئيسة الوزراء تيريزا ماي الصعوبات، في محاولة لإيجاد مخرج من هذه الفوضى، في مفاوضاتها في بروكسل، وكذلك في محاولة لتشكيل ائتلاف مع أطراف مختلفة بما يكفي لكسب التأييد لاتفاق الانفصال.
لسوء الحظ، لم تنجح ماي، ومع رفض اقتراحها الأخير، سيتذكرها التاريخ كرئيسة للوزراء تكبدت أكبر خسارة في مجلس العموم. قد يرى سياسي آخر مثل هذا الرفض الساحق سبباً للتنحي، كما فعل رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، عندما فوجئ باستفتاء «بريكست» في عام 2016.
مقامرة انتخابية
قبل عام، دعت ماي إلى انتخابات مبكرة، معتقدة أنها تستطيع توسيع أغلبيتها البرلمانية، وتعطيها يداً أقوى في مفاوضات خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي. بدلاً من ذلك، خسرت هذه الأغلبية بشكل غير متوقع، وأصبحت أضعف منذ ذلك الحين. وصفت هذه المقامرة الانتخابية الثانية بأنها أسوأ الأخطاء السياسية في بريطانيا منذ أن دعا كاميرون إلى استفتاء الخروج البريطاني.
في الواقع، لم يبق هناك الكثير من المناورة بعد أشهر من المناقشات مع الاتحاد الأوروبي الذي لا يريد جعل شروط الطلاق سهلة. وفي الوقت نفسه، فإن الموعد النهائي في 29 مارس لمغادرة الاتحاد الأوروبي يقترب مع احتمال عدم إبرام صفقة.
يمكن أن يكون النقاش حول «بريكست» محيراً للغرباء، لأن مصطلحات مثل «الاتحادات الجمركية»، و«الحدود الإيرلندية»، يتم تداولها بطرق توحي بأنها جزء من النقاش العادي، حتى بين أفراد العائلة.
واحدة من أكثر القضايا إثارة للنقاش في عملية الخروج تكمن في الاحتفاظ بحدود مفتوحة بين جمهورية إيرلندا وجارتها إيرلندا الشمالية. لم يجد المحامون والسياسيون طريقة لحل هذه المسألة وبعض العقبات الأخرى التي تركت بريطانيا أمام خيارات قليلة.
خيار قائم هو خروج «مرن»، بحيث تبقى بريطانيا أساساً ضمن النظام التجاري الأوروبي، لكن ذلك يعارضه بقوة السياسيون المتشددون. ويقول نقاد ماي إنها ستقاوم هذا بأي ثمن، خوفاً من انقسام لا يمكن التوفيق بينه وبين حزبها. إنها لا تريد أن يتم تذكرها كرئيسة وزراء دمرت حزب المحافظين، وبالتالي فهي تضع الحزب قبل الوطن.
وثمة خيار آخر هو الخروج الصارم من الاتحاد الأوروبي أو «دون صفقة»، الأمر الذي قد يؤدي إلى دخول المملكة المتحدة في المجهول بعد الـ29 من مارس، دون وجود قائمة واضحة من الشروط تحدد علاقتها مع الاتحاد. ويفضل بعض المتشددين هذا النهج، ويعتبرونه إعلاناً حقيقياً للسيادة بعيداً عن البيروقراطيين في أوروبا، وتعبيراً عن الثقة بقدرة بريطانيا على تقرير مصيرها.
هناك أيضاً إمكانية الدعوة إلى استفتاء ثانٍ، لإعطاء الناخبين فرصة أخرى للتعبير عن آرائهم بعد عامين إضافيين فشل خلالهما السياسيون في تحقيق الاتفاق، ولكن هذا يعتبر اقتراحاً محفوفاً بالمخاطر.
لا يمكن لأحد أن يكون متأكداً من نتيجة الاستفتاء الثاني، على الرغم من أن أولئك الذين يفضلون البقاء في الاتحاد الأوروبي، يعتقدون أن الرأي العام قد تغير في هذا الاتجاه. ويشعر بعض المحللين، أيضاً، بالقلق من أن إجراء تصويت ثانٍ، بغض النظر عن نتائجه، سيؤدي إلى انقسام أكبر في السياسة البريطانية، مع عواقب لا يمكن التنبؤ بها على سياسات البلاد ومؤسساتها.
إلى ذلك، أظهرت استطلاعات أخيرة، أعدها مجلس البحوث الاقتصادية والاجتماعية تحت رعاية جامعة «كوين ماري» في لندن وجامعة «سوسيكس»، الهوة الواسعة بين الطرفين. ووجد الاستطلاع أن 60% من ناخبي حزب العمال سيشعرون بالسعادة، و8% مسرورون جداً، و14% مرتاحون في حال كان هناك استفتاء ثان. غير أن 58% من المحافظين سيشعرون بالخيانة، فيما سيشعر 15% بالغضب، و6% بخيبة أمل.
خيارات اخرى
هناك بعض الخيارات الأخرى، أحدها هو تغيير الموعد النهائي إلى وقت لاحق، وهو استراتيجية يمكن تنفيذها في كثير من الأحيان في الولايات المتحدة، عندما يحين موعد نهائي لتمويل الحكومة، لكن هذا الأمر معقد بسبب انتخابات هذا الربيع للبرلمان الأوروبي.
لقد أدى غياب القيادة الفعالة على رأس الأحزاب إلى تعقيد الأمور، ولكن بصورة أساسية، لا توفر الانقسامات الداخلية سوى القليل من التوجيه للسياسيين. إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو الانقسام الكبير في السياسة البريطانية، لكن القبلية تظل قوة قوية تمنع التعاون بين الأحزاب.
الوضع الحالي يظهر حدود رئيسة الوزراء والسياسيين الآخرين، وفي هذه المرحلة، وبالنظر إلى كل ما حدث، لا أحد لديه أي ثقة بتوقع كيف ستنتهي الأمور.
لقد أصبح الأمر سيئاً لدرجة أن أولئك الذين يتابعون هذه العملية يجدون من الراحة التحدث عن الرئيس دونالد ترامب بدلاً من الخروج البريطاني.
لم يبق هناك الكثير من المناورة بعد أشهر من المناقشات مع الاتحاد الأوروبي الذي لا يريد جعل شروط الطلاق سهلة. وفي الوقت نفسه، فإن الموعد النهائي في 29 مارس لمغادرة الاتحاد الأوروبي يقترب مع احتمال عدم إبرام صفقة.
60 %
من ناخبي حزب العمال سيشعرون بالسعادة، و8% مسرورون جداً و14% مرتاحون في حال كان هناك استفتاء ثانٍ. غير أن 58% من المحافظين سيشعرون بالخيانة فيما سيشعر 15% بالغضب و6% بخيبة أمل.