عليها تعلم الدرس وتجنب الأخطاء
مخاوف من تحول إثيوبيا إلى يوغسلافيا جديدة
في غضون أشهر قليلة، شهدت إثيوبيا تحولاً درامتيكياً، إذ قام رئيس الحكومة الجديد آبي أحمد، بتوقيع اتفاق سلام مع إريتريا، بعد سنوات من التوتر بينهما، ومنح الآلاف من الأشخاص والمنظمات العفو والأمان، بعد أن كانوا يعتبرون من الإرهابيين. وتمت دعوة جميع المجموعات المعارضة، سواء كانت في إثيوبيا أو خارجها، للانضمام إلى التحول السلمي. وأصبحت المؤسسات الإعلامية قادرة على تغطية الأحداث بحرية. وتم إنشاء مجالس الإصلاح، ومجموعات العمل لمراجعة القوانين التي كانت أساسية في عملية قمع الحقوق المدنية والسياسية، كما أن نصف وزراء الحكومة مشكلين من النساء.
ويأتي هذا التغير السريع وغير المسبوق، في ظل انخفاض للاضطرابات مثير للقلق.
وتعتبر إثيوبيا عملاقاً متعدد الأعراق، حيث يعيش فيها نحو 100 مليون نسمة ينتمون إلى أكثر من 80 مجموعة عرقية، الأمر الذي يمنح تحولها أهمية إقليمية أكبر، غير أنه لا يخلو من المخاطر، لأن الصراعات الإثنية ربما تزداد شدة وعدداً، نتيجة ردة فعل القوى المحافظة الرافضة للإصلاح السريع، أو نتيجة التحرير المفاجئ للحياة العامة.
وفي الحقيقة، ثمة تشابه كبير في النظام السياسي الإثيوبي الآن مع يوغسلافيا في تسعينات القرن الماضي. وكما هي الحال في يوغسلافيا، فإن إثيوبيا دولة فيدرالية مؤلفة من تسع وحدات منظمة على طول خطوط عرقية هي مناطق التيغراي، وصومالي، والأمهرا، وأوروميا والتي تأخذ اسمها من المجموعة العرقية التي تعيش فيها. وتمثل هذه المناطق 80% من إثيوبيا.
ويمثل تعزيز مكانة كل مجموعة عرقية من خلال الحكم الذاتي لها سلاحاً ذا حدين، ففي الوقت الذي أدى السماح لهذه المجموعات بالحكم الذاتي إلى تخفيف شدة التوترات الناجمة عن سيطرة مجموعة عرقية محددة، أصبح الانتماء إلى العرقية في المقام الأول، الأمر الذي يشكل خطر تزايد التوتر العرقي في نهاية المطاف بين المجموعات.
وكان يسيطر على يوغسلافيا حزب «رابطة الشيوعيين» متعدد الجنسيات، والذي أصبح كونفدرالية الأحزاب الجمهورية، بحكم الأمر الواقع بحلول عام 1990. وبالمثل قام بحكم إثيوبيا الجبهة الديمقراطية الثورية لشعب إثيوبيا طوال عقود من الزمن، وهي ائتلاف من أحزاب سياسية مناطقية عرقية، سيطر عليها حزب جبهة تحرير شعب تيغراي الاشتراكي.
تحولات سياسية
وخضعت يوغسلافيا لتحولات سياسية في ثمانينات القرن الماضي، تماماً كما خضعت له إثيوبيا الآن. وظهرت قضايا مستقبل النظام السياسي والاقتصادي إلى الواجهة، وكذلك صراع على السلطة أصبح مغلفاً بالسياسة العرقية. وحتى الآن ليس هناك ما يثير المخاوف، إذ إن المطالب الانفصالية لمجموعات صغيرة في منطقة صومالي الإثيوبية ظهرت منذ عقود، ما جعل المنطقة ميدان صراع حتى الأمس القريب، إلا أن ذلك أمراً بات معهوداً. وكذلك منطقة تيغراي يمكن أن تشتعل فيها شرارة الأزمة أيضاً. ومن دون الإدارة الحذرة للمرحلة الانتقالية يمكن أن تتعرض إثيوبيا للانقسام والتشظي على طول خطوطها العرقية.
وبعد وفاة رئيس يوغسلافيا جوزيف بروز تيتو عام 1980 تراخت قبضة حكم حزب رابطة الشيوعيين على مناطق واسعة من يوغسلافيا، ما أدى إلى إدخال إصلاحات اقتصادية، وإعلام حر، ونقاشات عامة، ولكن إلى ظهور التشدد القومي أيضاً.
العنف ينتشر
وانتشر العنف في يوغسلافيا عندما حاولت النخبة السياسية الاستيلاء على الحكم مستغلة البنية العرقية الفيدرالية للدولة. وتقسمت الدولة إلى جمهوريات عدة وإقليمين، سيطر على معظمها مجموعات عرقية وطنية، كما هي الحال في البوسنة، وفويفودينا. وتمكن الوطنيون من الاستيلاء على الجمهوريات، ما أدى إلى حدوث انفصالات وتطهير عرقي وحروب.
ونتيجة نهاية الحرب الباردة لم يحظ الصراع في يوغسلافيا باهتمام المجتمع الدولي. ونظراً لغياب النخبة التي تعمل على التوحيد، وانهيار الأفكار الوحدوية، أدى ذلك إلى زيادة الانحدار نحو العنف. وتمت إدارة أعمال الاضطهاد الاجتماعي من قبل سياسيين مهرة أمثال سلوبودان ميلوزوفيتش، ضد مجموعات إثنية وطنية معينة مثل الألبان في كوسوفو.
ولكن ثمة سمات مختلفة في إثيوبيا جاءت لمصلحتها، أولاً، أن الوحدات الإثنية التي تتشكل منها إثيوبيا لم تكن دولاً منفصلة سابقاً، وثانياً الولاء للدولة الإثيوبية قوي بغض النظر عن العرق. وأما في يوغسلافيا فقد دافع حزب رابطة الصرب الشيوعية عن مركزية الدولة في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، حتى لو كان ذلك بالقوة، في حين طالبت الأحزاب في سلوفينيا وكرواتيا بالانفصال. وفي إثيوبيا كان الوضع مختلفا، إذ إن الأحزاب السياسية التي اعتادت دعم أجندتها السياسية بالمطالبة بتقرير المصير وأحياناً الانفصال، وهو حق يكفله الدستور الإثيوبي، غيرت هذه الأحزاب موقفها وبدأت تنادي بوحدة إثيوبيا. ومع ذلك يظل هناك العديد من المخاطر مثل إدارة تيغراي المحلية التي تنادي بالانفصال.
تهديد ضمني
وهناك تهديد ضمني من حزب جبهة تحرير تيغراي الاشتراكي الذي تمتع بسيطرة كبيرة على المشهد السياسي والاقتصادي خلال العقود الماضية، تتمثل بالحفاظ على السلطة. ويشعر هذا الحزب بالاستياء من التحول في البلاد، خوفاً من ملاحقة جنائية انتقائية لمسؤوليه السابقين والحاليين (معظمهم بسبب انتهاكات صارخة لحقوق المعارضين السياسيين والفساد).
وتكون عملية تحرير أي نظام سياسي في مجتمع يتسم بالاستقطاب العرقي محفوفة بالمخاطر. إذ إنه بعد التحرير ستركز حرية التعبير على البحث عن المجرمين والكشف عن المظالم في العهد السابق. وإضافة إلى ذلك فإن الكتل العرقية والأحزاب والحركات السياسية يمكن أن تنتظم في إطار المجموعات العرقية، كما هي الحال في إثيوبيا.
فأولاً، سيسمح لها ذلك بإقناع ناخبيها حول التهديد الوجودي لمجموعتهم العرقية، الأمر الذي يستدعي ضرورة التصويت للأحزاب العرقية.
وثانياً، فإن التصويت العابر للعرقية الواحدة يكون صعباً، لأن ذلك يتطلب برنامجاً أكثر تفصيلاً وتوضيحاً من مجرد إشاعة الخوف على المجموعة العرقية.
وبخلاف يوغسلافيا، فإن التحول في إثيوبيا يحدث في سياق عالمي أكثر إيجابية، إذ إن جميع الدول الكبرى في العالم تدعمه أو على الأقل راضية عنه، خصوصاً الصين التي ضخت المليارات على شكل منح وقروض من أجل إنشاء البنية التحتية في هذا البلد. وحتى الآن، يبدو أن رئيس الحكومة آبي يحظى بدعم واسع لدى الشعب الإثيوبي، من المجموعات كافة العرقية الأمر الذي لم يحظ به أي زعيم إثيوبي في التاريخ الحديث لهذا البلد.
ولكن أفعاله لم تنته بعد، إذ إن إثيوبيا تشهد نزوحاً داخلياً وصراعات عرقية غير مسبوقة. فهناك نحو مليوني شخص نزحوا من بيوتهم بسبب الصراعات داخل المجموعات العرقية التي يقال إن حزب جبهة تحرير تيغراي الاشتراكي هو الذي أججها. وكانت ادعاءات بممارسات التمييز العنصري من قبل حكومات محلية ضد أشخاص ومجموعات تنتمي إلى مجموعات عرقية أخرى هي الأسباب الرئيسة لهذا القلق. وما أدى إلى تفاقم الأمور أن المؤسسات الفيدرالية والمحلية لم تكن بالمستوى والقدرة اللازمين لمعالجة مثل هذه التحديات.
ولتجنب الانزلاق الذي شهدته يوغسلافيا، يحتاج القادة الإثيوبيون إلى معالجة وإطفاء فتيل التوترات العرقية فوراً. وحدث العديد من هذه الصراعات بل إنها شهدت تصعيداً نتيجة التحريضات المختلفة. وكما هي الحال في يوغسلافيا، فإن التوترات نجمت عن مسؤولين ساخطين على عملية التحول في البلاد، إذ يعمدون إلى حشد الدعم لأنفسهم من خلال سياسة التخويف، وكذلك الذين يرون في وحدات التحالفات العرقية إمكانية لإنشاء كتل سياسية تستند إلى العرقية.
فلوران بيبر : أستاذ في تاريخ وسياسة جنوب شرق أوروبا في جامعة غراز النمساوية.
حكم محايد
إن تحدي السياسات المثيرة للانقسامات والخلافات يتطلب جهداً واضحاً من قبل الحكومة الفيدرالية، للتوسط وإدارة الصراعات والبقاء كحكم محايد. وإضافة إلى ذلك، فإن المشروع الإيجابي والمشترك للتحول في البلاد، يمكن أن يساعد على لجم التوترات العرقية. ولكن مثل هذه القيادة، والهيكلية الشرعية والفيدرالية المحايدة كانت تفتقر إليها يوغسلافيا.
ولضمان المعاملة العادلة لجميع أفراد الشعب من قبل الحكومات المحلية والفيدرالية، لابد من توزيع عادل للسلطة والموارد، والإدارة الفعالة للنظام الحكومي على كل المستويات، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تقليل الشعور بالظلم، والاستغلال، والحرمان الذي ربما كان في الماضي يحفز بعض اللاعبين في إثيوبيا على الانفصال عن الدولة.
كان تفكك يوغسلافيا والحرب التي نجمت عن ذلك تمثل تحذيراً مفاده أن تحول الدول العرقية ذات الهوية الجماعية المتنوعة والمنقسمة تشكل مخاطر معينة. وحتى الآن تجنبت حالة التحول في إثيوبيا بعض المزالق التي تعرضت لها يوغسلافيا، ويعتمد نجاحها في هذا المجال على تجنب الأخطاء ذاتها التي وقعت في يوغسلافيا.
- حتى الآن، يبدو أن رئيس الحكومة آبي يحظى بدعم واسع لدى الشعب الإثيوبي، من المجموعات العرقية كافة، الأمر الذي لم يحظ به أي زعيم إثيوبي في التاريخ الحديث لهذا البلد.
- لضمان المعاملة
العادلة لجميع أفراد
الشعب من قبل
الحكومات المحلية
والفيدرالية، لابد من
توزيع عادل للسلطة
والموارد، والإدارة
الفعّالة للنظام
الحكومي على كل
المستويات، وهذا
يمكن أن يؤدي إلى
تقليل الشعور
بالظلم، والاستغلال،
والحرمان الذي ربما
كان في الماضي
يحفز بعض اللاعبين
في إثيوبيا على
الانفصال عن الدولة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news