هجوم كشمير يبعث التوتّر بين الهند والصين من جديد
عشية عيد الميلاد عام 1999، كنت أشاهد فيلماً في شقتي بالعاصمة نيودلهي عندما سمعت أن طائرة تابعة للخطوط الجوية الهندية كانت في طريقها من كاتماندو إلى دلهي؛ قد اختطفت. ومع وجود نحو 176 راكباً، هبطت الطائرة لأول مرة في مطار «أمريتسار» بالهند، حيث بقيت لمدة 45 دقيقة تقريباً. ثم توجهت إلى لاهور في باكستان لإعادة التزود بالوقود، ثم إلى دبي، حيث تم إطلاق سراح 26 رهينة. وأخيراً، توجهت الطائرة إلى مطار قندهار في أفغانستان، التي كانت تحت سيطرة «طالبان».
في الأيام التالية، كافحت حكومة حزب «بهاراتيا جاناتا»، في الهند، لتأمين إطلاق سراح الرهائن. طالب الخاطفون بإطلاق سراح ثلاثة زعماء إسلاميين متشددين من السجون الهندية. وكان أقارب الرهائن الذين أصيبوا بإصابات خطرة يوجهون نداءات مؤثرة لتأمين العودة الآمنة لأحبائهم.
في ليلة رأس السنة الجديدة، استسلمت نيودلهي، وتنقل وزير الخارجية الهندي جاسوانت سينغ، الذي كان يمضي أطول وأصعب أسبوع في حياته، وسط المتشددين الى قندهار ومعه الأسرى للتبادل. وكان من بين الإسلاميين الذين أطلق سراحهم في ذلك اليوم، أحمد عمر سعيد شيخ، الذي يحمل الجنسيتين الباكستانية والبريطانية، وقد شارك في مقتل الصحافي الأميركي دانيال بيرل، والآخر هو مسعود أزهر الذي شكل جماعة «جيش محمد»، التي مقرها باكستان، ويعتقد أنها نفذت هجوماً على البرلمان الهندي عام 2001، والذي أوصل الهند وباكستان إلى حافة الحرب.
بعد نحو 20 عاماً، عاد أزهر إلى العناوين الرئيسة، بعد أن أعلن «جيش محمد» مسؤوليته عن مقتل 44 من أفراد قوات الأمن في التفجير الانتحاري الذي وقع الأسبوع الماضي في منطقة كشمير المضطربة في الهند. وفي أعقاب الهجوم، هاجمت نيودلهي إسلام أباد، عدوها اللدود، لإعطاء «الحرية الكاملة» لأزهر لجلب التخطيط للهجمات على أرضها، وطالبت بإجراءات فورية ضده.
لكن الغضب الهندي ليس موجهاً فقط إلى جارتها الغربية، إذ بينما يستوعب الهنود هذه الضربة، فإنهم يعربون عن غضبهم تجاه مذنب آخر: الصين، التي أحبطت بشكل متكرر الجهود الهندية لجعل مجلس الأمن الدولي يصنف أزهر إرهابياً، رسمياً.
وبدأت محاولة نيودلهي للقيام بذلك في أوائل عام 2016، بعد أن هوجمت قاعدة للجيش الهندي من قبل مسلحين يزعم أنهم مرتبطون بالجماعة المتطرفة، التي كانت قد صنفت إرهابية في عام 2002. وأيد معظم أعضاء مجلس الأمن التماس الهند لتصنيف مماثل لزعيم الجماعة. لكن بكين، التي تربطها علاقات استراتيجية قوية مع إسلام أباد، رفضت هذا الاقتراح وأعاقت هذا الإجراء، وأجهضت مراراً جهود الهند.
والآن، في أعقاب هجوم كشمير، عادت هذه المناوشات الدبلوماسية الغامضة أمام الرأي العام. ويتهم محللون وصنّاع السياسة وصحافيون هنود، بكين بحماية رجل يلقون عليه باللوم في سلسلة من الهجمات المميتة. وعلى وسائل الاعلام الاجتماعية، هناك احتقان كبير في المشاعر. وفي ذلك، علق شيف أرور، وهو محلل تلفزيوني متخصص في القضايا العسكرية والاستراتيجية، على «تويتر» قائلاً: «يجب ألا تكون هناك أي مفاهيم خاطئة حول من يحمي (جيش محمد)»، متابعاً «هذه الجماعة بطاطا صغيرة، والقوة الحقيقية التي تحميها هي الصين». ويوضح الإعلامي الهندي الشهير، «في الوقت الذي يرتفع فيه عدد القتلى اليوم، دعونا لا ننسى كيف عمدت الصين باستمرار إلى وقف العمل ضد الجماعة».
ويرى المحلل في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، ر.ك.ميسرا، إن على نيودلهي ضرب الصين «حيث يؤلم، كما فعلت الولايات المتحدة». واقترح على نيودلهي فرض رسوم على الاستيراد بنسبة 100% على جميع المنتجات الصينية، لأن «الهند يمكن أن تعيش من دون هواتف صينية».
أما صحيفة «إنديان إكسبريس»، التي لا تعرف عادة الخطاب الملتهب، فقد قالت في افتتاحية إن «نيودلهي لم تعد قادرة على الصمت ويجب أن تعبر عن رغبتها في الحد من العلاقات الثنائية والتجارية مع الصين إذا استمرت بكين في حماية باكستان في ما يخص القضايا المتعلقة بالإرهاب».
بكين محرجة
كل هذا محرج لبكين، فالعلاقات بين الصين والهند عادة ما تكون محفوفة بالمخاطر، في ظل نزاع حدودي غير محسوم ومنافسة متأصلة. لكن في الوقت الذي تواجه فيه العداء من الولايات المتحدة، تحاول بكين تحسين علاقاتها مع الهند، وهي سوق سريعة النمو، تستفيد منه الصين الآن بنحو 60 مليار دولار.
قضايا قليلة لها صدى كبير لدى الهنود مثل تهديدات الإرهاب. يجب على الصين أن تفكر بعناية الآن في مدى استعدادها لحماية أزهر، أو أن المطالب العامة الهندية بالحماية من المد المتزايد للواردات الصينية ستزداد بالتأكيد.
ومع أن التناقضات بين الهند والصين ستبقى، وفقاً لمحللين، ويمكن أن تشهد تصعيداً، إلا أن لدى القوتين النوويتين، العديد من المصالح المشتركة. إنهما تحاولان عدم إيصال العلاقة بينهما إلى نقطة الغليان، كما حدث في عام 1962، عندما اندلعت حرب في القطاع الشرقي من الحدود المتنازع عليها. علاوة على ذلك، هناك حاجة للتعاون بينهما الآن، لأن النظام الاقتصادي العالمي وقواعد منظمة التجارة العالمية مهددة من قبل الولايات المتحدة في ظل قيادة الرئيس دونالد ترامب.
أمي كازمن : كاتبة ومحللة سياسية
يتهم محلّلون وصنّاع
السياسة وصحافيون
هنود، بكين بحماية
رجل يُلقون عليه
باللوم في سلسلة
من الهجمات
المميتة.