حديث ترامب عن الانسحاب الأميركي من سورية متناقض وغير منسجم
يبدو أن سحب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، «السريع» و«الكامل» للقوات الأميركية من سورية قد أصبح موضع شد وجذب، بعد أسبوع من التوبيخ الذي تعرض له من زملائه الجمهوريين، والزعماء العسكريين الأميركيين، والأمم المتحدة، وحتى من إدارته في الآونة الأخيرة.
ويجيء إعلان ترامب في ديسمبر سحب 2000 جندي أو ما يقارب ذلك بمثابة مفاجأة كبيرة لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، ما دفع وزير دفاعه السابق، جيمس ماتيس، للاستقالة، احتجاجاً على هذا القرار، كما يعتبر أيضاً مفاجئاً لإسرائيل، ومجلس الشيوخ الأميركي، الذي يتم التشاور معه تقليدياً، أو على الأقل إحاطته قبل اتخاذ مثل هذه القرارات.
لذلك كان الأمر مفاجئاً عندما أخبر ترامب مقدمة البرامج، مارغريت برينان، في برنامج «فيس ذي نيشن» أو «مواجهة الأمة»، على قناة «سي بي اس» قبل أيام: «سنعود إذا كان يتعين علينا ذلك، لدينا طائرات سريعة جداً، لدينا طائرات شحن جيدة جداً، يمكننا العودة بسرعة كبيرة، نحن لن نغادر، لدينا قاعدة في العراق، وهي في موقع رائع».
وتحدث ترامب في مقابلة طويلة، وغير منسجمة في كثير من أجزائها، تعهد خلالها بإبقاء القوات الأميركية في العراق «لمراقبة إيران»، مضيفاً أن التدخل العسكري مازال خياراً في فنزويلا. وكانت تلك المقابلة هي المادة التي افتتح بها أسبوعاً من التصريحات المتناقضة حول هذه القضية. وفي يوم الإثنين، أقر مجلس الشيوخ، الذي يقوده الجمهوريون، قانوناً يعارض انسحاب ترامب المخطط وأي خطط مستقبلية لسحب القوات بشكل مفاجئ من سورية وأفغانستان. وقد يشير التوبيخ الذي تعرض له ترامب إلى أكبر انقسام في السياسة الخارجية بين قيادة الجمهوريين في مجلس الشيوخ وترامب حتى الآن في رئاسته.
ودافع زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، عن التشريع نفسه، الذي تم تمريره كجزء من مشروع قانون أكبر. أخيراً، وخلال خطاب ترامب عن حالة الاتحاد جلس، ولم ينهض للتصفيق، عندما أعلن ترامب أن «الدول الكبرى لا تخوض حروباً لا نهاية لها»، مضيفاً في وقت لاحق أن الوقت قد حان لمنح «المحاربين الشجعان في سورية ترحيباً حاراً في موطنهم».
قبل أيام أيضاً حذّر قائد القيادة المركزية للجيش الأميركي، الجنرال جوزيف فوتيل، لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ من خطر ظهور تنظيم «داعش» من جديد عقب انسحاب ترامب المخطط له من سورية. وأضاف فوتيل أن «الانسحاب المتسرع» قد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بشكل أكبر، ويجعل من السهل على إيران أو روسيا ملء الفراغ.
وفي ذلك اليوم، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، أيضاً من أن «داعش» لم يقترب من الهزيمة، بل تحول إلى شبكة سرية مهتمة بمهاجمة الطيران واستخدام المواد الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية. وفي تقرير مكون من 18 صفحة، تم تقديمه إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، واطلعت عليه «رويترز»، يقول غوتيريس إن «داعش» لايزال لديه ما يصل إلى 300 مليون دولار تحت تصرفه، وأن هناك ما يصل إلى 18 ألفاً من ميليشياته في العراق وسورية، بمن في ذلك ما يصل إلى 3000 من المقاتلين الأجانب.
وتقول «رويترز» إن التقرير يصف «داعش» بأنه «أكثر الجماعات الإرهابية الدولية طموحاً، والأكثر احتمالاً للقيام بهجوم واسع النطاق ومعقد في المستقبل القريب». وخلال حديثه إلى ممثلين من الائتلاف العالمي الذي يضم 79 دولة لهزيمة «داعش»، أعلن ترامب أن تنظيم «داعش» قد تم تدميره بالكامل، وادعى أن انسحاباً أميركياً لن يبعث «داعش» من جديد، في تناقض مباشر مع فوتيل، ومتجاهلاً مخاوف مجلس الشيوخ.
تناقض واضح
حتى مقابلته في برنامج «مواجهة الأمة» - التي أصر فيها على «أننا سنكون هناك وسنبقى هناك، لحماية إسرائيل» - بدا متناقضاً مع تصريحات يوم الأربعاء «يجب أن يُعلن رسمياً في وقتٍ ما، على الأرجح في الأسبوع المقبل، أن الخلافة (داعش) ستكون انتهت 100%»، كما قال ترامب، مضيفاً أن «داعش» يسيطر الآن على أقل من ميلين مربعين في سورية.
في برنامج «مواجهة الأمة»، ضغط برينان على ترامب إن كان بإعلانه الانسحاب سلفاً، يكون قد فعل بالضبط ما انتقد عليه بشدة سلفه باراك أوباما في العراق (إعلان الانسحاب)، وكان من الصعب فهم إجابة ترامب: «لا، لا، لا، هناك فرق، عندما انسحب الرئيس أوباما من العراق أصبح العراق تابعاً لنا نظرياً، وبعبارة أخرى، كان العراق يتبع لنا». لقد ثار جدل مستفيض حول سؤال برينان؛ ففي يناير، قتل مفجر انتحاري تابع لـ«داعش» أربعة أميركيين، من بينهم جنديان، وكان التفجير على ما يبدو جزءاً من محاولة لاستهداف القوات الأميركية، وتسريع انسحابها.
قبل أيام، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن وزارة الدفاع (البنتاغون) تستعد لسحب «جزء مهم» من القوات بحلول منتصف مارس، مع انسحاب كامل يجري في أبريل. ويأتي هذا في الوقت الذي اعترفت فيه الإدارة بعدم وجود خطة لحماية الحلفاء الأكراد الذين ساعدوا في هزيمة «داعش» ضد تهديدات تركيا والأسد.
ترقب دائم
كان للسياسة الخارجية لترامب عنصر واحد ثابت في العامين الماضيين، وهو عدم توقع ما سيفعله لاحقاً. وكثيراً ما يجعل ترامب «البنتاغون» أو حلفاءه في حالة ترقب دائم، سواء عقد اجتماعات مغلقة مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أو ألغى من جانبه مناورات عسكرية في كوريا الجنوبية دون إخبار «البنتاغون» أو سيؤول، أو كما حدث مع مفاجأته في سورية.
وقد عقدت إدارة ترامب يومي الـ13 والـ14 من الشهر الجاري مؤتمراً في وارسو، يهدف إلى «تغيير سلوك إيران» في الشرق الأوسط، كما قال وزير الخارجية، مايك بومبيو. هذه القمة شهدها مبعوث الأمم المتحدة الخاص الجديد، جير بيدرسن، الذي لخّص الوضع في سورية، وقدم إحاطة تتألف من ست لجان، يهدف كل منها إلى محاربة سمة معينة للأخطار التي قد تشكلها إيران. ويفترض أن تركز اللجان على الإرهاب والتطرف، والأمن السيبراني، وتطوير الصواريخ الباليستية، وحماية الممرات البحرية، وحقوق الإنسان. من المؤكد أن المؤتمر يعد بمثابة اختبار رئيس للإدارة الأميركية، ويبحث عن شكل من أشكال استراتيجية الولايات المتحدة طويلة الأجل في الشرق الأوسط.
عنصر واحد ثابت للسياسة الخارجية لترامب في العامين الماضيين، وهو عدم توقع ما سيفعله لاحقاً. وكثيراً ما يجعل ترامب «البنتاغون» أو حلفاءه في حالة ترقب دائم، سواء عقد اجتماعات مغلقة مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أو ألغى من جانبه مناورات عسكرية في كوريا الجنوبية دون إخبار «البنتاغون» أو سيؤول، أو كما حدث مع مفاجأته في سورية.
تقرير يصف «داعش» بأنه أكثر الجماعات الإرهابية الدولية طموحاً، والأكثر احتمالاً للقيام بهجوم واسع النطاق ومعقد في المستقبل القريب.