التجول في الأقصى.. رحلة روحانية بين جنبات الحضارة الأثرية
تشكل زيارة مدينة القدس والصلاة في المسجد الأقصى المبارك، والتجول بين ساحاتها ومعالمها التاريخية، حلماً يداعب قلب كل فلسطيني وعربي ومسلم في أي بقعة من بقاع الأرض.
فمن ينجح في دخول المدينة المقدسة فإنه سينعم بجولة تاريخية فريدة من نوعها في ساحات تعج بالحضارة والتاريخ على مساحة تبلغ 144 دونماً، للصلاة في أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وزيارة معالم أثرية مضى على وجودها آلاف السنين، أهمها المسجد القبلي، والمصلى المرواني، وقبة الصخرة المشرفة.
فمع بداية ساعات الفجر الأولى من يوم الجمعة، يغادر الفلسطينيون سكان الضفة الغربية وأراضي الداخل المحتل منازلهم، ويستقلون الحافلات المتوجهة إلى المسجد الأقصى المبارك، في رحلة روحانية للصلاة في المسجد، والتجول بين ساحاته ومعالمه برفقة زوجاتهم وأطفالهم.
دخول المسجد الأقصى يكون عبر بوابات الأسوار التاريخية التي تحتضن وتلف المسجد والبلدة القديمة في القدس، حيث يبلغ عددها 11 باباً، جميعها يسلكها المتجول إلى الحرم القدسي الشريف، عدا باب المغاربة الذي تسيطر عليه إسرائيل منذ عام 1967، حيث جعلته لدخول اليهود والمستوطنين إلى حائط البراق الذي تطلق عليه حائط المبكى.
جولة روحانية
«الإمارات اليوم» شقت جولتها إلى المسجد الأقصى عبر باب العامود أحد الأبواب الرئيسة للمسجد الأقصى المبارك، حيث ينزل المتجول عبر مدرجاته التاريخية من الخارج، ويأخذه ممر عريض للمرور أسفل بوابته الضخمة التاريخية البالغ طولها ثمانية أمتار، والتي أنشأت في العصور القديمة، وبعد أن يجتاز هذه المسافة، يجد نفسه داخل أزقة ضيقة تشكل الساحات الداخلية لباب العامود صاحب الحضارة الأثرية، والمشاهد المعمارية الخلابة، فهو مرصع بزخارف هندسية تجذب كل من شاهدها.
طريق يمتد طوله كيلومتر من باب العامود إلى المسجد الأقصى، على جنباته يجد الزائر مباني سكنية عتيقة يفوح من بين جدرانها عبق الماضي المجيد، تعلوها أسقف من الكرميد، ومحال تجارية أسفل تلك المباني، وفي الممرات بسطات لبيع المأكولات المقدسية، والمشغولات التراثية، وكل ما يحتاجه المتجول، وخلال مروره يسمع أصوات مآذن المساجد، وقرع أجراس الكنائس، ليعجل خطواته حتى توصله إلى مداخل الحرم القدسي الشريف.
في نهاية ممرات وأزقة الساحة الداخلية لباب العامود، يوجد بوابة كبيرة ذات لون أخضر تفضي إلى ساحات المسجد الأقصى، وما إن تطأ قدم الزائر هذه الباحات تبدأ المحطة الأهم في الجولة التاريخية، حيث ينتاب الجائل شعوراً ينعش القلب، ويسعد الروح، ويشتم هواء عليلاً يتسلل من بين الأشجار المتواجدة في كل مكان.
كل من يدخل إلى ساحات الأقصى يشاهد مناظر معمارية تسر الناظرين، حيث يجد قبة النبي في وسط المكان، وممرات مبنية على أعمدة رخامية ضخمة تسمى أروقة المسجد الأقصى البالغ عددها سبعة أروقة، وبينها تتواجد الأشجار العالية الخضراء، ومقاعد خشبية.
وبين طرقات الفناء الخارجي للمسجد الأقصى، توجد بركة للوضوء، وأسبلة شرب المياه العذبة، أهمها سبيل قايتباي المسقف بقبة حجرية لفتت أنظار الرحالة العرب والأجانب الذين زاروا المسجد، إلى جانب سبيل البديري وسبيل قاسم باشا، فيما توجد في ساحة الأقصى الشريف 25 بئراً للمياه العذبة، ثمانية منها في صحن الصخرة المشرفة، و17 في فناء الأقصى.
يكمل المتجول مشواره في ساحات الفناء الخارجي، ليصل إلى درجات عالية الارتفاع، تأخذه بعد الصعود عليها إلى مسجد قبة الصخرة المشرفة ذات اللون الذهبي اللامع، والموجود في موقع القلب من المسجد الأقصى، وهو جزء أصيل ومهم من معالم الأقصى، فالمسجد الأقصى هو كامل المنطقة المحاطة بالسور التاريخي، ويقع جنوب شرق مدينة القدس، ويضم مساجد عدة رئيسة من أبرزها مسجد قبة الصخرة المشرفة، الذي يعد أحد أهم وأبزر المعالم المعمارية.
وإلى جانب الصخرة المشرفة، يوجد الجامع القبلي ذو القبة السوداء الرصاصية أقصى جنوب المسجد الأقصى في جهة القبلة، وبجانب الجامع القبلي ومسجد قبة الصخرة يوجد مصلى الأقصى القديم، وبالاتجاه إلى أسفل الزاوية الجنوبية الشرقية للأقصى يوجد المصلى المرواني.
200 معلم
هذه جولة خاطفة بين مساجد وساحات وأروقة المسجد الأقصى المبارك، وللحديث بالتفصيل عن تلك المعالم، التقت «الإمارات اليوم» رئيس أكاديمية الأقصى للوقف والتراث ناجح بكيرات، حيث يقول: «إن المسجد الأقصى هو أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم. ظل على مدى قرون طويلة مركزاً لتدريس العلوم ومعارف الحضارة الإسلامية، وميداناً للاحتفالات الدينية الكبرى، والمراسيم السلطانية».
ويضيف أن «المسجد الأقصى ثاني مسجد وضع في الأرض بعد المسجد الحرام، ودليل ذلك ما رواه البخاري عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام، قال: قلت ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة فصلّ، والأرض لك مسجد».
ويذكر بكيرات أن مساحة المسجد الأقصى تبلغ نحو 144 دونماً (الدونم ألف متر مربع)، ويحتل نحو سدس مساحة البلدة القديمة، وشكله مضلع أو شبه مستطيل غير منتظم، طول ضلعه الغربي 491 متراً، والشرقي 462 متراً، والشمالي 310 أمتار، والجنوبي 281 متراً.
ويشير رئيس أكاديمية الأقصى للوقف والتراث، إلى أن المسجد الأقصى يتكون من أبنية عدة، ويحتوي على معالم يصل عددها إلى 200 معلم، منها قباب وأروقة ومحاريب ومنابر ومآذن وآبار، كما يوجد فيه مزولتان شمسيتان لمعرفة الوقت. ويلفت إلى أن للمسجد الأقصى أربع مآذن، هي مئذنة باب المغاربة ومئذنة باب السلسلة ومئذنة باب الغواني ومئذنة باب الأسباط.
ويضم المسجد الأقصى بين أكنافه، بحسب بكيرات، سبعة جوامع ومصليات، وهي الجامع القبلي، وأول من بناه عمر بن الخطاب عند الفتح الإسلامي، وتبلغ مساحته نحو 4000 متر مربع وله 11 باباً، والمصلى المرواني نسبة إلى الخليفة عبدالملك بن مروان، وقد بناه الأمويون وتبلغ مساحته نحو 3800 متر مربع، ومصلى الأقصى القديم ويقع تحت الجامع القبلي ومسجد قبة الصخرة المشرفة التي بناها الخليفة عبدالملك بن مروان عام 66 هجرية، وانتهى منها عام 72 هجرية.
ومن بين جوامع المسجد الأقصى، مسجد البراق ويقع في الناحية الجنوبية الغربية من المسجد الأقصى وسمي بذلك نسبة إلى المكان الذي ربط فيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم دابته البراق في رحلة الإسراء والمعراج، إلى جانب مسجد المغاربة ويقع في الزاوية الجنوبية الغربية من المسجد الأقصى جنوبي حائط البراق.
ولدخول المسجد الأقصى كما يخبر بكيرات، يوجد خمسة عشر بابا، خمسة منها مغلقة أهمها باب المغاربة الذي أغلق بعد احتلال إسرائيل للقدس، والأبواب المفتوحة، تقع سبعة منها في الشمال وباب في الشرق واثنان في الغرب وواحد في الجنوب، منها باب الأسباط وأبواب حطة والعتم والغوانمة والناظر والحديد والقطانيين والمطهرة والسلسلة.
ويلفت إلى أن ساحات المسجد الأقصى، تضم عدداً من القباب والمصاطب، التي كانت مخصصة لأهل العلم والمتصوفة والغرباء، ومن أشهر القباب قبة السلسلة، وقبة المعراج، وقبة النبي.
ويشير رئيس أكاديمية الأقصى للوقف والتراث، إلى أن المسجد الأقصى يضم بين أكنافه وساحاته سبعة أروقة، رواق أوسط وثلاثة من جهة الشرق ومثلها من جهة الغرب، وترتفع هذه الأروقة على 53 عموداً من الرخام، و49 سارية من الحجارة، ومن أهم تلك الأروقة، الرواق المحاذي لباب شرف الأنبياء، والرواق الممتد من باب السلسلة إلى باب المغاربة.
ويقول بكيرات «إن الأروقة هي عبارة عن ممرات مسقوفة بطول الواجهة الشمالية للمسجد الأقصى، وقد بنيت على عدة مراحل في العهدين الأيوبي والمملوكي، وتحديداً بين عامي 1213و1367 ميلادية، وذلك بهدف تسهيل المرور بين المساجد والمصليات داخل المسجد الأقصى ومعالمه التاريخية».
• المسجد الأقصى يضم سبعة أروقة: رواق أوسط وثلاثة من جهة الشرق ومثلها من جهة الغرب، وترتفع هذه الأروقة على 53 عموداً من الرخام، و49 سارية من الحجارة، ومن أهم تلك الأروقة الرواق المحاذي لباب شرف الأنبياء، والرواق الممتد من باب السلسلة إلى باب المغاربة.
مغارة الأرواح
من بين معالم المسجد الأقصى الأثرية التي تعد خير شاهد على حضارة وقدسية المكان، مغارة الأرواح، وهي الكهف الذي احتضن عدداً من الأنبياء منذ الأزل.
ويقول الباحث في تاريخ القدس المهندس المعماري جمال عمرو، إن «مغارة الأرواح هي عبارة عن كهف يتسع لعدد من المصلين، وتقع أسفل الصخرة المشرفة، فتبدو كأنها معلقة بين السماء والأرض، حيث ينزل إليها من الناحية الجنوبية لمسجد الصخرة بإحدى عشرة درجة، وشكلها قريب من المربع، وطول كل ضلع نحو أربعة أمتار ونصف، ولها سقف ارتفاعه ثلاثة أمتار، وفي السقف ثغرة اتساعها متر واحد، وعند الباب قنطرة مقصورة بالرخام على عمودين».
ويضيف أن «مغارة الأرواح مكونة من تجويف واسع غير منتظم وفي أعلاها تجويف قطره نحو 40 سم، وجدرانها من الصخرة المشرفة ذاتها، ويوجد في تلك المغارة محرابان صغيران، أحدهما من بناء الأمويين والآخر من الفاطميين».
• المسجد الأقصى يحتل نحو سدس مساحة البلدة القديمة، وشكله مضلع أو شبه مستطيل غير منتظم، طول ضلعه الغربي 491 متراً، والشرقي 462 متراً، والشمالي 310 أمتار، والجنوبي 281 متراً.