المملكة المتحدة تقرّر تجريدها من جنسيتها
شميمة بيجوم مسؤولة عن تصرفاتها بعد انضمامها لـ «داعش» بإرادتها
ثار الكثير من الجدل حول القاصر البريطانية، المنتمية إلى تنظيم «داعش»، شميمة بيجوم، التي من المحتمل أن يتم تجريدها من جنسيتها البريطانية. وتصدرت هذه الفتاة البالغة من العمر 19 عاماً عناوين الصحف، الأسبوع الماضي، عندما وضعت مولودها في أحد معسكرات اللاجئين شمال سورية، وعبرت عن نيتها العودة إلى بلادها. ويقول محاميها إن عائلتها تشعر بخيبة الأمل من نية وزارة الداخلية تجريدها من جنسيتها البريطانية.
في عام 1744، مثلت امرأة من لندن تدعى، آن هينلي، أمام المحكمة بتهمة السرقة، إلى جانب زوجها جيمس، واثنتين من النساء غير المتزوجات. أدلى جميع المتهمين الأربعة باعترافات كاملة، ولكن آن هي الوحيدة من بين الأربعة التي لم تتم إدانتها لأنها امرأة متزوجة، ولا يمكن اعتبارها مسؤولة عن جريمة شارك فيها زوجها أيضاً. دخلت صديقتاها غير المتزوجتين السجن، ولم تدخل هي لأنها كانت محمية بحكم قضائي يعتبرها غير مستقلة من الناحية الأخلاقية عن زوجها، بل ليس أقل من كونها طفلته.
لكن في عام 2019، تبدو هذه اللمحات التاريخية مجردة وبعيدة. نحن نعلم اليوم أن المرأة يجب أن تخضع للمعايير نفسها مثل الرجال، لأن جنس الشخص (ذكر أو أنثى) ليس بطاقة إعفاء من المسؤولية الجنائية. فبعد مشاهدة رد الفعل الوطني بشأن مجندة تنظيم «داعش»، شميمة بيجوم، يبدو أننا قد عدنا إلى الجدال حول براءة النساء وضعفهن أمام الظروف، وهي العوامل التي كان ينبغي أن نتركها وراءنا في نهاية القرن الـ18.
مسؤولية الزوج
ومثلما حدث بشأن السرقة التي ارتكبتها آن هينلي، ألقينا باللوم على زوج بيجوم بشأن انضمامها إلى «داعش»، على الرغم من ولائها للتنظيم. ومع ذلك، فبعد قرنين من الزمان، منذ أن كتبت الناشطة النسائية البريطانية الراحلة، ماري وولستونكرافت، عن نساء مثل هينلي، وأنهن مسؤولات مسؤولية كاملة عن أنفسهن، في السراء والضراء. هل نسينا أن الناشطات النسائيات قاتلن من أجل حق النساء في تحملهن المسؤولية الجنائية في الجرائم التي يرتكبنها؟
قضية شميمة بيجوم معقدة، وهي من القصص التي تعمل دائماً على شق صف الأمة، وبموجب القانون البريطاني كانت هذه المرأة طفلة عندما جندها «داعش»، نظراً إلى خبرة هذا التنظيم في غسل الدماغ. كانت تحت سن الرشد وفقاً للقانون البريطاني، عندما تزوجت من ياجو رايدايك، الهولندي الجنسية، حيث قارنها البعض بضحايا عصابات الجنس. لكن النساء الشابات قادرات على السيطرة على جزء من الجانب العاطفي لديهن، أليس هذا ركناً من أركان النشاط النسوي الحديث؟
من الناحية العملية، نادراً ما تحاكم المملكة المتحدة الرجال الذين لديهم علاقات غرامية مع نساء بين 13 و16 عاماً، ما لم يكن هناك فرق كبير في السن. كانت بيجوم أقل بقليل من 16 عاماً، وكانت خديجة سلطانة، إحدى البريطانيات اللاتي انضممن إلى «داعش»، أكثر بقليل من 16 عاماً، عندما غادرتا منطقة بيثنال غرين للانضمام إلى «زوجيهما»، لكن إلى أي مدى يمكننا أن نميز بين الفتاتين من الناحية الأخلاقية؟ وحتى وهي في سن الـ15، فقد تجاوزت بيجوم سن المسؤولية الجنائية في هذا البلد، ومن المتوقع أن يعرف جميعنا الفرق بين الصواب والخطأ في سن العاشرة. لقد انضمت لحشد سيئ. لكن الكثير من الشبان في هذا البلد يقعون في الجريمة ويتلقون تخفيفاً أقل في الحكم.
التعاطف مع بيجوم
وربما لهذا السبب أرى أن بعض زميلاتي الناشطات النسويات يجادلن بأنه يجب على النساء التعاطف مع بيجوم بنت جنسهن. ويضع «داعش» النساء في المرتبة الثانية بعد الرجال، وهي الحقيقة التي استلهمها الكثير من رجال «داعش» الذين نشأوا في الغرب، من جميع الخلفيات الثقافية، ما يعكس مدى عمق رغبة هؤلاء الرجال في أن يروا المكاسب التي حققتها المرأة تتراجع. وقد وعدت بيجوم بمكانة متفوقة ضمن طبقة الدرجة الثانية هذه، بأن تصبح زوجة وليست سبية، وهذا ما يجعلها متواطئة.
غادرت بيجوم وسلطانة وأميرة عباسي، الفتاة الثالثة من «بيثنال غرين»، بريطانيا في فبراير 2015، بعد ستة أشهر من الاستيلاء على مدينة سنجار واستعباد سكانها الإيزيديين. هذه الجرائم ضد الإنسانية - خصوصاً ضد النساء - لم تنجُ منها المجندات المحتملات. وكما أخبرني ماثيو باربر، وهو خبير في تجربة الإيزيديين، هذا الأسبوع، فإن «داعش» «استعرض عنفه في كل مرحلة من مراحل تطوره». لا يوجد شيء يسمى النشاط النسوي في المساعدة على بناء مجتمع قائم على إكراه النساء الأكثر حظاً في العيش كزوجات، واغتصاب سيئات الحظ.
لا شيء من هذا يشير إلى أن محاولة وزير الداخلية لتجريد بيجوم من جنسيتها فكرة جيدة، بل نعتقد أن حجته القانونية ضعيفة، كما هي الحال إذا افترضنا أن بيجوم، ومطالبتها المحتملة بالجنسية البنغلاديشية، سيفضي لتجريدها من الحقوق المدنية في بريطانيا. وبما أن الادعاءات اليومية بشأن شهادات المواطنة الثنائية أصبحت مرة أخرى جزءاً من التجربة اليهودية في بريطانيا، فهل نريد حقاً الإتيان بسابقة يمكن أن تجعل من السهل على رئيس الوزراء المقبل، تجريد السياسية، لوسيانا بيرغر، من جنسيتها، ببساطة لأنه يمكنها أن تطالب بالجنسية الإسرائيلية؟
كل ذلك يمثل وسيلة قانونية لتغطية ثغرة دستورية محبطة، حيث إن الحكومة تستغل هذه الثغرة لأن المملكة المتحدة ليس لديها إطار قانوني متماسك للتعامل مع التحولات الجذرية في القرن الـ21 لمفاهيم المواطنة والولاء. وكما كتب النائب، توم توغندهات، فإننا نحتاج إلى إصلاح شامل لقوانين الخيانة من أجل مواجهة هذا التحدي الجديد.
ومع ذلك، وفي الوقت الذي نقرر بشكل جماعي ما الذي يمكن أن نعمله بشأن النساء الشابات، مثل شميمة بيجوم، يجب أن ندرك كيف أن الناشطات النسويات قاتلن بشدة من أجل أن تكون النساء مسؤولات عن أفعالهن، وحتى جرائمهن. في عام 1778 ذهبت ماري نولز، الناشطة النسوية، لتتناول العشاء مع الكاتب والأديب، صامويل جونسون، وانتهى بها المطاف إلى الاشتباك معه في حجة مثيرة للجدل، حول ما إذا كانت المرأة لديها القدرة على تغيير دينها، جادلت نولز بأنها مسؤولة أخلاقياً عن ضميرها، عندها قال الدكتور جونسون «يا للعجب! هل هذا المخلوق خاضع للمساءلة، هل الفتاة مخلوق مسؤول؟»، هذا هو ما نهضنا ضده في عام 1778، وهذا ما صرنا عليه الآن. دعونا نسقط الأنماط القديمة للأنوثة، بيجوم ليست غير قادرة على مقاومة الإغراء، طفلها بريء ويحتاج إلى الحماية.
كيت مالتباي كاتبة رأي
غادرت بيجوم وخديجة سلطانة وأميرة عباسي،
منطقة «بيثنال غرين» في بريطانيا في فبراير 2015،
بعد ستة أشهر من الاستيلاء على مدينة سنجار
واستعباد سكانها الإيزيديين.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news