إنقاذ نتنياهو من الخسارة الانتخابية مهمة صعبة لترامب
قبل أيام.. تساءل جيك تابر، من شبكة «سي إن إن»: ما إذا كانت إدارة ترامب لديها أي رد فعل على جهود بنيامين نتنياهو، لاستمالة حزب «عوتسما يهوديت» العنصري، لإعادة انتخابه، وهي خطوة مثيرة للشقاق، أكسبت رئيس الوزراء الإسرائيلي إدانة واسعة في الولايات المتحدة. وفي رده على هذا التساؤل، قال وزير الخارجية، مايك بومبيو: «نحن لا نتدخل في انتخابات ديمقراطية»، مضيفاً: «الحملات الانتخابية صعبة، ولنترك الشعب الإسرائيلي يحسم ذلك».
وكان رد بومبيو متوازناً ومعقولاً، وربما قد صدق ما قاله بالفعل. لكن يجب علينا ألا نصدق. إحدى الأساطير الأكثر روعة حول العلاقة الأميركية - الإسرائيلية، هي أنها لا تتدخل في سياساتنا، ولا نتدخل نحن في شؤونها.
بينما نقترب مما يمكن أن يثبت أنها انتخابات إسرائيلية بالغة الأهمية في الـ9 من أبريل؛ إذ يواجه رئيس الوزراء، لأول مرة في عقد من الزمان، احتمال الهزيمة؛ سيكون من الجيد تذكر القاعدة غير الذهبية بعدم التدخل الأميركي في الانتخابات الإسرائيلية. هل تريد إدارة ترامب إعادة انتخاب نتنياهو؟ وهل سيفعل الرئيس كل ما بوسعه لتحقيق ذلك؟
أراهن أن إجابة السؤالين هي نعم. من وجهة نظر ترامب، مساعدة نتنياهو، على مواجهة منافسيه تعتبر سياسة عظيمة، خصوصاً بالنظر إلى استحقاق عام 2020.
لنكن واضحين.. لقد كان الرؤساء الأميركيون يتكتمون حيال السياسة الإسرائيلية منذ عقود، لذلك إذا فعلها ترامب، فسيكون لديه الكثير من المرجعية التاريخية.
بصفتي مسؤولاً أميركياً، يعمل في المفاوضات العربية الإسرائيلية لأكثر من عقدين، يمكنني أن أتذكر ثلاث مرات على الأقل، لعبت فيها الإدارات الأميركية من أجل دعم مرشحيها المفضلين.
الأولى: خلال فترة جورج بوش الأب، كان للإدارة تأثير كبير في نتيجة الانتخابات. توترت العلاقات بين بوش ورئيس الوزراء آنذاك إسحاق شامير على أقل تقدير، إلى حد كبير حول قضية النشاط الاستيطاني الإسرائيلي خلال اجتماعهما الأول، وقد وعده الأخير بأن يوقفه، وهو التزام غير قابل للتنفيذ بالنظر إلى خط شامير المتشدد.
قبل مغادرة شامير إلى واشنطن لحضور اجتماع مارس 1989، نصحه وزير الخارجية، موشيه أرينز، بأن بوش قد «يقطع الحبل»، ولم يكن مخطئاً. فعندما سعى الإسرائيليون للحصول على ضمانات قروض إسكان بقيمة 10 مليارات دولار، لامتصاص تدفق اليهود السوفييت في عام 1991، قال بوش ووزير الخارجية، جيمس بيكر: «لا»، ودعما الكونغرس لتأجيل القضية، وفرضا شروطاً لم يقبلها شامير. واستمر ذلك خلال انتخابات عام 1992، التي وضعت شامير ضد بوش وبيكر اللذين كانا يفضلان الجنرال المعتدل السابق إسحاق رابين.
بعد شهرين من انتخابه، تلقى رابين ضمانات القروض. بوش وبيكر أرادا رابين كشريك، لأنهما اعتقدا أنه سيكون أكثر مرونة في السعي إلى التوصل إلى اتفاق سلام. ولاشك في أن أحد الأسباب الكبيرة، التي أدت إلى خسارة شامير، هو الإدراك (الصحيح) بأنه أساء إدارة العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
تدخل أكثر وضوحاً
كان التدخل الثاني أكثر وضوحاً، وحدث في ربيع عام 1996. واجه شمعون بيريز، الذي كان حينها رئيس الوزراء المؤقت في أعقاب اغتيال رابين، انتخابات متقاربة ضد نتنياهو حينها النجم الصاعد في حزب الليكود، الذي لم يكن أبداً المفضل لدى الرئيس بيل كلينتون. قنابل «حماس» التي أسفرت عن مقتل عشرات الإسرائيليين وجهت ضربة قاسية لما تبقى من عملية السلام، وفرص بيريز ضد نتنياهو. لذا سعت إدارة كلينتون لمساعدة بيريز. لقد أقنعت الرئيس المصري آنذاك حسني مبارك بعقد «قمة سلام». قبل أسابيع من الانتخابات، تمت استضافة بيريز في البيت الأبيض، وهي خطوة «غير صادقة» وصفت بأنها «تصويت لصالح شمعون بيريز». لكن كلينتون اعترف، في مقابلة عام 2018، بأنه عمل لمساعدة بيريز لإعادة انتخابه، لأنه سيكون من الجيد لعملية السلام.
هذه المرة، لم ينجح التدخل الأميركي. لقد أدار بيريز حملة سيئة، وأصبح نتنياهو، الذي لم ينسَ أبداً تدخل كلينتون، رئيساً للوزراء. التدخّل الثالث جاء في ديسمبر 2000. هذه المرة، كان مدفوعاً برغبة كلينتون في مساعدة رئيس الوزراء المؤيد للسلام، إيهود باراك، ضد آرييل شارون المتشدد الآخر، في الانتخابات المقرر إجراؤها في فبراير 2001. قبل عيد الميلاد بوقت قصير، وضع الرئيس خطة لتوجيه المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية بشأن القضايا الأساسية. وكان كلينتون مستعداً للسفر إلى إسرائيل، حتى خلال فترة رئاسية انتقالية في محاولة للتوسط في اتفاق تاريخي بين باراك، والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. لم تكن الفكرة واقعية أو مدروسة. في النهاية، لم يسافر كلينتون، ومُني باراك بالخسارة أمام شارون في أكبر هزيمة سياسية في التاريخ الإسرائيلي. وفشل تدخل الولايات المتحدة مرة أخرى.
دونالد ترامب لا ينكر دعمه لنتنياهو، وعندما سُئل، الأسبوع الماضي، عن رد فعله إزاء احتمال صدور لائحة اتهام وشيكة من نتنياهو، أوضح الرئيس أنه يساند حليفه. وقال الرئيس الأميركي: «لقد قام (نتنياهو) بعمل عظيم كرئيس للوزراء. إنه صارم وقوي وذكي».
حكومة وسطية
في الواقع، ونظراً لرغبة ترامب في التوصل إلى اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فإن أهدافه قد تُخدم بشكل أفضل من قبل حكومة جديدة، على غرار تحالف «جانتز - لابيد» الأكثر وسطية، والذي يتنافس مع نتنياهو.
ومع ذلك، فليس من المؤكد أن حكومة أكثر وسطية من المرجح أن تحقق السلام. وبعد كل شيء، خطة سلام ترامب وصهره غاريد كوشنر الذي سعى لتسويقها في العواصم العربية، الأسبوع الماضي، تم تصميمها مع وضع نتنياهو في الاعتبار، إلى حد كبير.
لكن الطريق إلى إدانة نتنياهو، الذي يتعرض لخطر قانوني بسبب اتهامات بالرشوة والاحتيال وانتهاك الثقة، قد يستغرق أشهراً. الرأي العام الإسرائيلي متقلب ولا يوجد أي شرط قانوني بأن يتنحى رئيس الوزراء المتهم عن منصبه حتى تتم إدانته، وبالتالي فإن نتنياهو لم يمت بأي حال من الأحوال. في الوقت الحالي، ربما يكون لديه مسار أسهل لتشكيل الحكومة من معارضيه. ومن وجهة نظر ترامب، هناك أسباب للوقوف إلى جانبه.
نتنياهو، وهو ناطق باللغة الإنجليزية، وله شخصية كاريزمية موقرة في اليمين الأميركي، بسبب معارضته الشديدة لباراك أوباما واتفاقه النووي مع إيران؛ مستعد تماماً لأن يكون رصيداً سياسياً لترامب. وجعل الحزب الجمهوري بطل إسرائيل، خصوصاً في ظل الانقسامات مع الديمقراطيين، سياسة ذكية. ثم هناك عامل شخصي. لاشك في أن حالة ترامب تتطابق مع مأزق نتنياهو القانوني، والعكس صحيح. وكلاهما استخدم لغة متطابقة لمحاربة أعدائهما: مطاردة الساحرات، والمؤامرة اليسارية، وغيرهما.
واشنطن تشارك في الحملة
من الآن وحتى الـ9 من أبريل، من المرجح أن نرى مشاركة واشنطن في حملة «إعادة انتخاب نتنياهو» تزداد. سيكون المسؤول الإسرائيلي هنا لحضور اجتماع مارس لمنظمة «إيباك»، وهي مجموعة الضغط الرئيسة المؤيدة لإسرائيل، قبل أسبوعين فقط من الانتخابات الإسرائيلية. من المؤكد أن اجتماعاً في البيت الأبيض مضمون.
هل يستطيع ترامب إنقاذ نتنياهو من آلامه الداخلية؟ لا توجد طريقة لمعرفة ذلك. لكن هناك أمر واحد مؤكد: رئيس أميركي آخر يحاول اللعب في السياسة الإسرائيلية.
آرون ديفيد ميلر: نائب الرئيس مؤسسة «المبادرات الجديدة» وباحث في مركز «ويلسون»
- كلينتون اعترف، في مقابلة عام 2018، بأنه عمل
لمساعدة بيريز لإعادة انتخابه، لأنه سيكون
من الجيد لعملية السلام.
- ترامب لا ينكر دعمه لنتنياهو، وعندما سُئل الأسبوع
الماضي عن رد فعله، إزاء احتمال صدور لائحة اتهام
وشيكة من نتنياهو، أوضح أنه يساند حليفه.
- الرأي العام الإسرائيلي متقلب، ولا يوجد أي شرط قانوني بأن يتنحى
رئيس الوزراء المتهم عن منصبه حتى تتم إدانته، وبالتالي فإن نتنياهو
لم يمت بأي حال من الأحوال.