نتيجة قضايا قديمة عالقة
الاعتقاد بانتهاء الأزمة الهندية الباكستانية سابق لأوانه
بدت الأزمة بين الهند وباكستان كأنها في طريقها نحو الهدوء، قبل أيام، عندما تعهد رئيس الحكومة الباكستاني، عمران خان، بإعادة الطيار الهندي الأسير لدى باكستان إلى نيودلهي، الأمر الذي اعتبر لفتة سلمية. وأثنى البرلمان الباكستاني على إعلان خان، بالإجماع تقريباً، بمن فيهم تلك الأحزاب التي تعارض خان بشدة.
لكن من الخطأ الافتراض أن الأزمة انتهت، أو أنها من غير الممكن أن تندلع من جديد، خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة. وترغب الولايات المتحدة، ودول أخرى، في زيادة دورها في إدارة هذه الأزمة في جنوب آسيا، ودفع الهند وباكستان إلى مفاوضات شاملة بشأن المسألة الكشميرية.
وإثر إعلان خان، قال رئيس الحكومة الهندية، ناريندرا مودي: «بعد اكتمال موضوع الطيار، يمكننا العودة إليه من جديد. وبعد انتهاء هذا الموضوع يمكننا طرح موضوع حقيقي آخر».
ولم يكن مودي يقصد أن إعادة الطيار نابعة من ضعف باكستان فقط، وإنما أوحى بأن الهند يمكن أن تكرر ما فعلته في 26 فبراير مرة أخرى، وتنتهك الجو الباكستاني بطائراتها. ويمكن تفسير كلام مودي بأنه لحفظ ماء الوجه أيضاً، إذ يواجه حزبه «بهراتيا جاناتا» الانتخابات العامة في الربيع المقبل، في الوقت الذي ضعف فيه موقفه العام الماضي. ولكن فترة مودي كرئيس للحكومة، إضافة إلى الضغوط الانتخابية، توحي بأن ثمة خطر احتمال اختيار التصعيد مرة ثانية، إذ تميزت فترة حكمه باتخاذ قرارات خطرة، مثل كارثة تبديل العملة، وغارة 26 فبراير، التي اتخذتها الحكومة، وانعكست سلباً عليها.
وفي هذه الأثناء، كانت محطات التلفزة الهندية تضغط على مودي ليواصل التصعيد. وقالت محطة «ريبابلك»، الناطقة باللغة الإنجليزية، وهي أكبر المحطات الهندية، ويملكها عضو البرلمان من حزب بهراتيا جاناتا، راجيف تشاندراسيخار، إن الهند عملت على «تركيع» باكستان، وإن «المعركة الهندية الحاسمة بدأت الآن».
وكان مودي قد أمر القوات الجوية الهندية، وللمرة الأولى منذ نحو نصف قرن، بعبور خط السيطرة الفاصل بين كشمير الباكستانية وكشمير الهندية. وأدى التصعيد إلى نشوة مؤقتة لدى الشعب الهندي، إذ سرعان ما قامت القوات الجوية الباكستانية بإسقاط طائرة ميغ 21. والغريب أن المسؤولين الهنود ادعوا أنهم قتلوا ما بين 200 و300 من الميليشيات في باكستان، وهي الادعاءات التي رفضتها وسائل الإعلام العالمية. وما يدعو للأسف أن الصحافيين الهنود قاموا بدور كبير، لدعم حكومتهم في تشويه الحقائق.
واستناداً لما قاله رئيس الحكومة الباكستانية خان، فإن الهند كانت مستعدة لمزيد من التصعيد إلى أن تمت تهدئة الوضع. ومن غير الواضح ما إذا تمت التهدئة عن طريق حوار ثنائي، أو عبر طرف ثالث. لكن هل كانت الهند مستعدة لضرب باكستان مرة ثانية، وهل ستكون لدى باكستان القدرة والإرادة للرد على الهند. وهناك خطر داهم من مغبة تورط البلدين في ضربات متبادلة، من شأنها أن تقود - في نهاية المطاف - إلى مواجهة البلدين في حرب برية.
وتكمن المصلحة الأساسية بالنسبة للولايات المتحدة، والمجتمع الدولي، في أن تتجنب الدولتان النوويتان الحرب. وفي واقع الأمر إن الأزمة في جنوب آسيا ليست محاكاة لغرفة اجتماعات. كما أنها ليست عرضاً مسرحياً. إنما هي سيناريو حقيقي وحي بين قوتين نوويتين، ويعيش على أراضيهما نحو 1.5 مليار شخص.
وكما حذر رئيس الحكومة خان، في بداية الأسبوع الماضي، فإن الطريق إلى الحروب الكبيرة الكارثية السابقة كان معبداً بالحسابات الخاطئة. ومن الجلي أن باكستان والهند تتجنبان الإبادة المشتركة لبلديهما، لكن الحسابات السياسية غير الاستراتيجية، إضافة إلى القراءة الخاطئة للسلوكيات والقدرات والنيات للآخر، من شأنها أن تضع البلدين على حافة الهاوية. ولنزع فتيل هذه الأزمة والتوجه نحو حل القضايا الراهنة، سيكون من الخطأ الجسيم اختزال القضية في مجرد محاربة الإرهاب.
وأعلنت منظمة يُطلق عليها «جيش محمد»، تعتبرها الأمم المتحدة إرهابية ومقرها في باكستان، مسؤوليتها عن هجمات 14 فبراير. وينبغي على باكستان أن تتخذ الإجراءات اللازمة لمنع عمليات هذه المنظمة، ليس فقط لإجبارها على الالتزام بقرارات الأمم المتحدة، وإنما لأن المجموعة كانت تهديداً لباكستان، كما أنها تشوه صورة الكفاح الكشميري الشرعي، من أجل تقرير المصير.
لكن الهند قامت بدعم مجموعات «بالوش» الانفصالية، التي تستهدف المدنيين وقوات الأمن في باكستان، وعلى سبيل المثال، عن طريق تفجير قطارات الركاب. وكان إسلام أكشو، وهو أحد أفراد ميليشيا «بالوش»، الذي خطط للهجوم على القنصلية الصينية في كراتشي، وأرسل ابنه كي ينفذ بنفسه تفجيراً انتحارياً، يستهدف العمال الصينيين في باكستان، تلقى علاجاً طبياً في الهند.
وقامت حكومة مودي بإطلاق سراح المتطرفين الهندوس، المتورطين في هجمات إرهابية تستهدف مواطنين باكستانيين، ومسلمين هنوداً، بما في ذلك تفجير قطار «سام جوتا» السريع. وأدت هذه الهجمات مجتمعة إلى إزهاق أرواح المئات من الأشخاص. ومن بين هؤلاء الذين تم إطلاق سراحهم سوامي إسيماناند، وهو زعيم عصابة إرهابية، وقد التقطت له العديد من الصور مع مودي نفسه في مناسبات مختلفة، وخلال العديد من السنوات.
ويتعين على واشنطن، والقوى الكبرى مثل الصين وروسيا، مواصلة لعب دور في إدارة الأزمة، لمنع إسلام آباد ونيودلهي من اتخاذ خطوات تصعيدية أخرى، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات الهندية. لكن عندما تنتهي الانتخابات الهندية، وتظهر حكومة جديدة، فإن الهند وباكستان بحاجة إلى استئناف حوار شامل حول جميع القضايا العالقة بينهما، خصوصاً النزاع على كشمير.
ولطالما كان الدافع الرئيس لقيام الميليشيات في كشمير هو الوجود الهندي. وظل مسلمو كشمير يعيشون حالة من القمع تحت حكم أسرة دوغرا راج الهندوسية، حتى التقسيم البريطاني للهند عام 1947. وإثر عمليات الإبادة التي أدت إلى هروب مئات آلاف المسلمين من جامو عام 1947، حكمت الهند الكشميريين بقسوة، بحيث بات جلياً - منذ البداية - أنها تريد الاستيلاء على أراضي كشمير، لكنها تستهين بشعبها. وحتى إن السياسي الانتهازي، شيخ عبدالله، الذي تعاون مع نيودلهي تم حبسه لأكثر من عقد من الزمن، بناء على أوامر من أول رئيس لحكومة الهند، جواهر لال نهرو.
وهذه خلفية لأسباب الصراع الكشميري، الذي تجدد عام 1989، واستمر بوتيرة منخفضة حتى يومنا هذا.
ويعتبر الوجود الهندي في كشمير هو السبب وراء هجوم 14 فبراير الماضي، إذ إن كلاً من صاحب التفجير الانتحاري علي أحمد دار، والشخص الذي يعتقد أنه اشترى السيارة التي استخدمت في الهجوم، ساجد بهات، كانا من السكان المحليين الذين انضموا إلى المتمردين ضد الوجود الهندي، بعد أن تعرضا للتعذيب على أيدي قوات الأمن الهندية.
ووفق ما ذكره أقرباء دار، فإن قوات الأمن الهندية قامت بتعذيبه، بينما كان في طريقه إلى المدرسة عام 2016. وخلال العام ذاته، ادعوا أنه أصيب بطلق ناري من قوات الأمن الهندية، بينما كان يشارك في تظاهرة. وبالنسبة لباهت، قد قال عمه إنه تم أخذه إلى المعسكر من قِبَل القوات الأمنية الهندية، وتعرض للضرب.
ثورة شعب
وتواجه الهند في كشمير ثورة شعب، فبعد أيام من هجوم 14 فبراير، تعرضت القوات الأمنية الهندية للرجم بالحجارة من قبل مدنيين محليين، خلال قيامهم بهجوم مباغت ضد الميليشيات الكشميرية. وبات هذا الظهور مألوفاً هذه الأيام في كشمير، إذ إن المدنيين الكشميريين يقومون بصدامات فعالة ضد قوات الأمن الهندية. وبالنظر إلى أنهم يشعرون بأنه ليس لديهم ما يخسرونه خلال قيامهم بذلك، فإن ذلك يعني أن الهند هي التي تخسر.
وفي حقيقة الأمر، إن اختزال القضية في مجرد مكافحة الإرهاب، يمثل تجاهلاً للدوافع الأساسية للهجمات الرئيسة في كشمير، التي تحتلها الهند حتى لو لم تكن هناك علاقات مباشرة مع اللاعبين الباكستانيين.
وعلى المدى القصير، ينبغي على الولايات المتحدة، والقوى الكبرى، التركيز على تخفيف الأزمة بين الهند وباكستان. لكن عليها، أيضاً، التحرك نحو منع الأزمات. ويتطلب ذلك حواراً شاملاً بين الهند وباكستان على القضايا المهمة، بما فيها مستقبل كشمير.
عريف رفيق: صحافي أميركي من أصل باكستاني
- استناداً لما قاله رئيس الحكومة الباكستانية،
عمران خان، فإن الهند كانت مستعدة لمزيد
من التصعيد، إلى أن تمت تهدئة الوضع. ومن غير
الواضح ما إذا تمت التهدئة، عن طريق حوار ثنائي،
أو عبر طرف ثالث.
- الأزمة في جنوب آسيا ليست محاكاة لغرفة
اجتماعات، كما أنها ليست عرضاً مسرحياً، إنما
هي سيناريو حقيقي وحي بين قوتين نوويتين،
ويعيش على أراضيهما نحو 1.5 مليار شخص.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news