دعا الخرطوم إلى تعضيد موقف القاهرة لمواجهة مخاطر الانهيار والغرق
الخبير عباس شراقي: إثيوبيا ستفاجئ العالم بسد جديد غير «النهضة» قريباً
قال خبير المياه المصري، الدكتور عباس شراقي، إن «إثيوبيا ستفاجئ العالم بسد جديد غير سد النهضة قريباً»، ولفت إلى أن «مفاوضات سد النهضة دخلت طريقاً مسدوداً، حيث لم يعد هناك ما هو فني للنقاش بشأنه»، وأنها ــ أي المفاوضات ــ بحاجة إلى «قرار سياسي». وأوضح شراقي أن «أخطر ما في قصة سد النهضة ليس النقص المائي في المستويين الراهن والقريب، لأن السد العالي يكفل حماية مصر من الشح المائي، وإنما في إسقاط مبدأ إعلام دول المصب مسبقاً بالسدود»، مؤكداً أن «إثيوبيا تعتزم بناء 33 سداً في المستقبل».
وتفصيلاً، قال خبير المياه واستاذ الموارد الطبيعية بكلية الدراسات الإفريقية العليا بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، في حوار خاص مع «الإمارات اليوم» بالقاهرة، إن «مفاوضات سد النهضة توقفت، لكن بناء سد النهضة مستمر، وإن كان ببطء، حيث إن المشكلة تتعلق بالتمويل وليس بالتفاصيل الفنية كما يتردد، لأن دور الجانب الإثيوبي في البناء معدوم، ولا يتعدى المتابعة الإدارية، ولا يتصور أن الشركة الأجنبية التي تبنيه تلقت الأموال المطلوبة وتوقفت، وإنما الأرجح أنها توقفت لتعثر التمويل».
وتابع شراقي أن «آخر المحطات التي توقفت عندها مفاوضات سد النهضة هي اجتماع اللجنة الفنية في نوفمبر 2017، في حضور المكتب الفرنسي الذي يقوم بالدراسات، وإعلان وزير الري المصري عدم التوصل إلى اتفاق، وإعلان اللجنة الفنية وصولها إلى نهاية الطريق، ورفعها تقريراً إلى المستوى الرئاسي، وإقرارها بأن الموضوع أصبح سياسياً، أو بحاجة إلى قرار سياسي، وبعدها لم يتم سوى ما سُمي (اجتماعات التساعية)، التي يشارك فيها ثلاثة ممثلين من مصر وإثيوبيا والسودان، هم عبارة عن وزير ري، ووزير خارجية، ومدير مخابرات، كان آخرها اجتماع أبريل 2018، وهو غير مؤثر، ولم يثمر شيئاً، واستهدف فقط استمرار التواصل، وكسر الجمود، وانتهى إلى نتائج بروتوكولية غير مؤثرة في الأزمة، مثل إنشاء صندوق تنمية مشترك بين الدول الثلاث، وإنشاء لجنة فنية مستقلة، وتحديد لقاءات لقادة الدول الثلاث، وغير ذلك لا توجد أي وساطات».
توقف المفاوضات
وتابع خبير المياه المصري أن «المفاوضات شبه متوقفة، وساعد ذلك إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد أن سد النهضة به فساد وتباطؤ في الشركة الإثيوبية المكلفة البناء، وأن المرحلة الأولى في السد سيتم افتتاحها سنة 2020، والنهائية 2022، وهذا جعل المفاوض المصري يرتخي أكثر، باعتبار أن الموضوع سيطول، مع أنه كان المفروض أن يحدث العكس، ويستغل التباطؤ للحصول بتقدم في التفاوض، وإنجاز الدراسات، والوصول إلى اتفاق. باختصار في السنوات السابقة كانت هناك مفاوضات بطيئة، وبناء سريع، والآن مفاوضات متوقفة وبناء بطيء».
وأشار شراقي إلى أن «هناك قضايا جوهرية في الخلاف بين مصر وإثيوبيا، وهي ستمثل صعوبة حقيقية إذا تمسك كل طرف بوجهة نظره، وأهمها جميعاً الحصة المائية لمصر في مياه نهر النيل، فمصر لديها حصة تبلغ 55.5 مليار متر مكعب، وإثيوبيا لا تعترف أبداً بمبدأ وجود هذه الحصة، فإذا وصلنا إلى أي اتفاق يتم فيه ذكر هذه الحصة ترفض التوقيع، معللة بذلك أن الحصة ترتكز على اتفاق بين مصر والسودان عام 1959 لا يخصها ولا يلزمها، وليست طرفاً فيه، وذكر هذه الحصة جوهري بالنسبة لمصر، ليس فقط كونها حقاً مكتسباً، وإنما أيضاً لأنه بناء على الإقرار بها سيتم تحديد الضرر المائي للسد على مصر، بمعنى أنني كمفاوض أقول له إن ما سيقل عن الـ55.5 مليار متر مكعب من المياه ضرر فتوقف هنا، وهي نقطة فاصلة، أما من حيث الجانب المصري فالتنازل عن هذا المبدأ يعني التنازل عن حق تاريخي، وحلها في رأيي الوصول إلى صيغة قانونية تتجنب ذكر الحصة، بحيث لا يضيع حق مصر التاريخي، ولا تأخذ توقيع إثيوبيا عليها، هذه النقطة الجوهرية عطلت الجانب الفني، فالمكتب الفرنسي يطالب باتفاق على مقياس الضرر، والطرفان لا يتوافقان عليه».
خلاف فني
وذكر شراقي، أن الخلافات بشأن سد النهضة، تشمل أيضاً خلافاً فنياً، بخلفية سياسية، يتعلق بالقياس، يتعلق بما إذا كان سيشمل النيل الأزرق والنيل الأبيض أم النيل الأزرق فقط، وهذا أيضاً بحاجة إلى قرار سياسي على أعلى مستوى، لذا فالأمر كله أصبح بيد الرؤساء في الدول الثلاث، وبهذا الخصوص، نحن نرى أن هناك فرصة ذهبية بوجود أبي أحمد في سدة الحكم في إثيوبيا، فهو يختلف تماماً عن سابقيه ميليس زيناوي، وديسيلين الذي سار على نهجه، فزيناوي كان يصعب عليه التنازل عن المشروع، لأنه اقترن باسمه، واعتبره مشروعاً قومياً يخلده، وحشد الشعب الإثيوبي بمجموعاته العرقية والثقافية الثمانين، حيث التفوا حوله على هذا الأساس، بل وتجاوزوا كل الصراعات البينية بينهم، باعتبار بناء السد هدفاً قومياً، وقد أعطى أبي أحمد إشارات كلامية طيبة، لكن زيناوي وديسيلين أيضاً فعلا ذلك، إلا أن جديد أبي أحمد عبّر عن إرادته السياسية في سلام حقيقي مع الخارج، مع كل دول الجوار، بما في ذلك إريتريا التي تصالح معها، وأبرم معها اتفاق سلام، وتبادل معها السفارات، وقد كشف بذلك أنه رجل سياسة معتدل، وراغب في حل مشكلات بلده الإقليمية، وأكد ذلك بزيارته لمصر، كما كشف عبر مسيرته القصيرة في السلطة أنه ليس لديه تعصب أو حب سلطة، لكن هذا كله لم يترجم حتى الآن في تقديم حل واقعي للأزمة من جانبه، حيث مازلنا لا نملك سوى إعلان المبادئ الذي وقّع في 2015، ولم يطبق، وهو إطار نظري يواجه عند أدنى تطبيق بأكوام من المشكلات، ومن ذلك مثلاً أن البند الخامس من الإعلان ينص على «التعاون في الملء الأول للسد»، وحين يناقش هذا المبدأ يواجه بخلافات جدية.
وقال شراقي «الموقف التفاوضي المصري مر بمراحل عدة، فخلافنا مع إثيوبيا كان على تأثير سد النهضة السلبي على مصر والسودان، وذهبنا ونحن لدينا رؤية للأضرار التي ستلحق بنا، مثل نقص المياه، ونقص الكهرباء المولدة من السد العالي، ومن رؤية للمشكلات الهندسية للسد، نتيجة بنائه في منطقة جيولوجية بها عدد من الفوالق، وللتصميم المبالغ فيه من السعة التي تبلغ سبعة أضعاف سعة تصميمه الأصلي الأميركي عام 1964، والذي وصل بها من 11 مليار متر مكعب إلى 74 مليار متر مكعب».
وكشف شراقي أن «مخاطر سد النهضة على مصر ليست مائية في المقام الأول، وإنما سياسية، متعلقة بفرض الإرادة الإثيوبية أحادياً، لأن مصر مائياً لديها السد العالي، الذي يحتوي على 140 مليار متر مكعب، ويُمكِّن مصر من استيعاب أي نقص في المياه أثناء الملء الأول لسد النهضة، لكن فكرة بناء سدود دون وضع الدول المشاركة في النهر في الصورة هو الخطر، خصوصاً أن إثيوبيا تخطط لبناء 33 سداً أخرى، منها ثلاثة سدود على النهر الأزرق، وقريبا جداً، ولأسباب فنية، ستفاجئ إثيوبيا العالم بسد جديد، سيعلن عنه قريباً، لحماية سد النهضة».
وتابع «هذا الوضع خطر، ليس فقط على مصر، وإنما بالنسبة للسودان.. صحيح أن سد النهضة على المستوى القريب سيحمي السودان من الفيضانات، وسيمكنها من التحكم في 50 مليار متر مكعب في شهري أغسطس وأكتوبر، وسيمنع عنها الطمي الذي يعطل السدود، وسيمنحها نقلة في علاقتها بالكهرباء، لكن على المستوى البعيد يشكل عليها خطراً أكبر بكثير مما يمثله على مصر، لأن انهيار السد يمكن أن يغرق مدناً سودانية، ليس فقط بما يمثله اندفاع 74 مليار متر مكعب من منطقة ترتفع 300 متر عن الخرطوم، بل بما يمكن أن يرافق ذلك، لا قدر الله، من إمكانية انهيار سد الروصيرص، الذي يخزّن سبعة مليار متر مكعب، وسد سنار الذي يخزن مليار متر مكعب، وسد مروي الذي يخزن 11 مليار متر مكعب، لذا فإن من مصلحة السودان تعضيد الموقف التفاوضي المصري».
• مخاطر سد النهضة على مصر ليست مائية في المقام الأول، وإنما سياسية متعلقة بفرض الإرادة الإثيوبية أحادياً، لأن مصر مائياً لديها السد العالي، لكن فكرة بناء سدود دون وضع الدول المشاركة في النهر في الصورة هو الخطر.
• يشكل سد النهضة على السودان خطراً أكبر مما يمثله على مصر، لأن انهيار السد يمكن أن يغرق مدناً سودانية، ليس فقط بما يمثله اندفاع 74 مليار متر مكعب من منطقة ترتفع 300 متر عن الخرطوم، بل بما يمكن أن يرافق ذلك من إمكانية انهيار سدود مثل الروصيرص.
• هناك قضايا جوهرية في الخلاف بين مصر وإثيوبيا، وهي ستمثل صعوبة حقيقية إذا تمسك كل طرف بوجهة نظره، وأهمها جميعاً الحصة المائية لمصر في مياه نهر النيل، فمصر لديها حصة تبلغ 55.5 مليار متر مكعب، وإثيوبيا لا تعترف أبداً بمبدأ وجود هذه الحصة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news