مجزرة نيوزيلندا مستوحاة من كراهية تصدرها الولايات المتحدة
مجزرة نيوزيلندا مستوحاة من الكراهية التي تصدرها أميركا، لهذا السبب نحن بحاجة للتعامل مع هذا الواقع، لقد نصحنا من قبل بلداناً أخرى بأن أفضل طريقة للحد من التطرف هي مهاجمة تمويله، فقد حان الوقت كي نتبع النصيحة نفسها التي نصحنا بها أمماً أخرى. ففي أعقاب الهجوم الإرهابي الذي وقع الأسبوع الماضي على مسجدين في كرايستشيرش بنيوزيلندا، الذي أودى بحياة 49 شخصاً، قلل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من شأن المشكلة، زاعماً أنه لا توجد مشكلة منهجية، وعقب على ذلك قائلاً «أعتقد أنها مشكلة صغيرة، إنهم مجموعة من الناس الذين يعانون مشكلات خطرة للغاية». وهذا بالضبط نوع من الإنكار والانحراف عن الحقيقة اللذين انتقدهما الغرب بشدة عندما جاءت مثل هذه الأفعال من دول عربية بعد أحداث الـ11 من سبتمبر.
ومنذ أوائل عام 2000، ظلت الولايات المتحدة وأوروبا تضغطان بشدة على عدد من الدول العربية لقمع المصادر الداخلية للتطرف، بحجة أن تقاعسهم عن ذلك سيضع مجتمعاتهم وشعوبهم على حد سواء في جميع أنحاء العالم في خطر. لقد أكدنا مراراً وتكراراً أن التركيز الشديد على دعاة وممولي الإرهاب هو وحده الذي يجعلنا نمنع وقوع الخطر.
وبعد مذبحة أخرى مستوحاة على ما يبدو من النعرة القومية البيضاء، فقد حان الوقت للبلدان الغربية أن تفكر في ما إذا كان ينبغي لها أن تتصرف بناءً على النصيحة التي قدمتها للآخرين. لقد جاء دورنا للتعامل مع دعاية التطرف على الإنترنت، ومع من يمولونها، وإن لم نفعل ذلك فإننا نخاطر بأرواح الناس في جميع أنحاء البلاد والعالم.
ظاهرة حقيقية
نحن نعلم بالفعل أن هذه الظاهرة حقيقية ومتنامية، فقد تحدث مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كريستوفر وراي، أمام «الكونغرس»، العام الماضي، وأكد أنه للمرة الأولى يحقق المكتب في أكبر عدد من القضايا الإرهابية اليمينية المتطرفة، التي كان مصدرها من الداخل، مثلها في ذلك مثل قضايا المتطرفين في الدول الإسلامية. وذكرت رابطة مكافحة التشهير أن جميع جرائم القتل الـ50 ذات الصلة بالتطرف، التي حدثت في الولايات المتحدة في عام 2018، كانت مرتبطة باليمين المتطرف.
ويرتكز اعتقاد القومية البيضاء على سيناريو فناء العرق الأبيض بشكل أساسي، ليحل محله ما يسمى «البديل العظيم»، وذلك بسبب وصول «آخرين» وصعودهم اجتماعياً واقتصادياً، ويعرفهم هذا الاعتقاد عادةً بأصحاب البشرة الداكنة، و«الديانة المختلفة»، وعادة ما يكونون مسلمين. ويزعم القوميون البيض أن التهديد كبير للغاية، بحيث أن العنف الشديد ضد هذا «العدو المفترض» ليس مبرراً فحسب، بل مطلوباً، من أجل القضاء على ما يرونه تهديداً وجودياً.
مصادر هذه الأفكار السامة ليست سرية، فبالنظر إلى عدد الأعمال العنيفة المستوحاة من قومية العرق الأبيض، نجد أن مرتكب مجزرة كنيسة تشارلستون بأميركا، ديلان روف، أقر بتأثير «مجلس المواطنين المحافظين» في اليمين المتطرف، وكذلك الحال مع الناشطين ريتشارد سبنسر وجاريد تايلور، بشأن «الصحوة العرقية»، التي قادتهما إلى مهاجمة فصل دراسي للكتاب المقدس في كنيسة إيمانويل في تشارلستون، ساوث كارولينا، ما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص وإصابة ثلاثة. وتواصل مهاجم الكنيس اليهودي في بيترسبرغ بنسلفانيا «شجرة الحياة»، روبرت باورز، مع مجموعة «الهوية المسيحية» على وسائل التواصل الاجتماعي قبل مهاجمته هذا الكنيس، ما أسفر عن مقتل 11 شخصاً وإصابة سبعة.
أما في أوروبا، فقد استشهد كبير مستشاري البيت الأبيض السابق، ستيف بانون، مراراً وتكراراً، بالروائي جان راسبيل، الذي دعت روايته العنصرية «معسكر القديسين» إلى قتل جميع المهاجرين على الحدود. ومن بين عدد لا يحصى من المشاعر المتصاعدة للبيض الفوقيين، تبرز هوية الجيل الجديد، التي ارتبطت في أوروبا بعنف النازيين الجدد، والتي توثق مقاطع الفيديو البذيئة لمضايقة سفن إنقاذ المهاجرين في عرض البحر الأبيض المتوسط، بينما تدفعهم إلى الأمام وتحمسهم كاتبة العمود في صحيفة الصن البريطانية الأوسع انتشاراً، كيتي هوبكنز.
هذه الأفكار التي تتبناها هذه الجماعات ليست هامشية، فعلى الرغم من أن معظم جماعات اليمين المتطرف لا تؤيد العنف بشكل صريح، إلا أن هناك عدداً كبيراً من المنظمات من هذا النوع، التي تكرس نفسها لنشر الرسائل القومية المليئة بالكراهية والعنصرية، وكراهية الإسلام، ورسائل بيضاء تحت ستار السياسة، تغذي مجموعات متطرفة، وتتغذى منها. إن الطريقة التي تحصل بها أي من هذه المنظمات اليمينية المتطرفة على أموال لمواصلة عملياتها هي في ذاتها أكثر غموضاً من أيديولوجيتها، على الرغم من أن بعض القرائن تأتي من ملفات علنية، ومن أعمال استقصائية جيدة.
في عام 2016، أدرج مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية وجامعة كاليفورنيا في بيركلي 74 مجموعة استثمرت 206 ملايين دولار في مشروعات «رهاب الإسلام» من عام 2008 إلى عام 2013. وتشمل هذه الأنشطة «محدد موقع خريطة التطرف» في أميركا، وهي قاعدة بيانات تضم كل طالب مسلم تقريباً من رابطة الطلاب والمساجد في الولايات المتحدة، التي ليس لها صلات معروفة بالعنف. وكشفت صحيفة هآرتس عن دعم مؤسسة ديلر لمجموعة من الجماعات اليمينية المتطرفة، بما في ذلك حزب قيرت فيلدرز الهولندي المعادي للمسلمين.
وقد حدد تقرير مركز التقدم الأميركي، الصادر تحت عنوان «مؤسسات الخوف»، مبلغ 57 مليون دولار مستثمرة في قضايا اليمين المتطرف في عام 2011، بما في ذلك حملة الناشطة الأميركية، باميلا جيلر، الداعية لوقف أسلمة أميركا، وحملة الناشط ديفيد يروشالمي ضد الشريعة الإسلامية في الولايات المتحدة، وكلاهما يعزز المفاهيم الخاطئة بأن الإسلام يمثل تهديداً للحضارة الغربية، وأن إدارة أوباما قد شجعت الشريعة. وفي الوقت الذي تحترم فيه الحكومات الأوروبية والأميركية دائماً الحريات المدنية لدعاة وممولي القومية البيضاء، هناك الكثير مما يجب على هذه الحكومات فعله لمحاربة هذه الأيديولوجية، التي كلفت الكثير من الأرواح - من النرويج إلى تشارلستون، وتشارلوتسفيل، وفرجينيا، وأوك كريك، وويسكونسن وبيتسبيرغ في الولايات المتحدة، والآن كرايستشيرش في نيوزيلندا.
أولاً، يجب على حكوماتنا وقادتنا الاعتراف صراحة بالأيديولوجيات البغيضة التي تفضي إلى مثل هذه الهجمات، وكذلك الهوية العرقية و/أو الدينية ذات الصلة بالضحايا. وتشير تغريدة ترامب، يوم الجمعة، إلى أولئك الذين «ماتوا بلا معنى»، دون أن يذكر الحقيقة الصريحة والواضحة بأنهم مسلمون وقعوا ضحية للإرهاب اليميني (فشل بيان البيت الأبيض المصاحب بالمثل في ذكر هذه الحقائق).
ثانياً، يتعين على حكوماتنا أن تشرح للمواطنين أن الخطاب السياسي الذي يحط من قدر الإنسان ليس فقط مجرد خطاب يرفض ما يطلق عليه «التصحيح السياسي»، بل يمكن أن يؤدي إلى العنف، وعلى الحكومات أيضاً أن ترفض بشكل صريح الدعاية والسياسيين الذين يتاجرون بهذه اللغة لتحقيق مكاسب سياسية. ويتمثل المشروع السياسي للعديد من القوميين البيض في جعل السياسيين الرئيسيين يتبنون لغتهم وجوانب وجهات نظرهم، وأي سياسي يفعل ذلك تجب إدانته بشكل لا لبس فيه، خصوصاً من قبل حزبه.
ثالثاً، يجب التحقيق في مصادر تمويل الدعاية القومية البيضاء، وكشفها، وفي حالة ارتباطها بالنشاط الإجرامي، تجب مقاضاتها إلى أقصى حد يسمح به القانون. ويتحمل المجتمع المدني والقطاع الخاص مسؤوليات مهمة، فبعد الكثير من التأخير بدأت المنصات عبر الإنترنت، وخدمات الدفع والأمن والاستضافة ترفض تقديم الخدمة للقوميين البيض والنازيين الجدد، وغيرهم من الجماعات التي تروج العنف. ويجب أن يستمر هذا، على الرغم من أنه لايزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به، خصوصاً من جانب منصات التواصل الاجتماعي، التي يمكنها استهداف الإعلانات بفعالية، ولكن يجب عليها فعل المزيد لتقليل تعرض المشاهدين للدعاية المتزايدة التهديدات. وتحتاج المجموعات الدينية والاجتماعية والسياسية الرئيسة إلى تجديد الكفاح ضد الأيديولوجيات التي تهدد سلامة المواطنين في جميع أنحاء العالم، من خلال تذكير زملائهم في الأديان ومؤيديهم وأعضائنا بالتزامنا المشترك بمكافحة الفاشية والسيادة البيضاء بجميع أشكالها السامة. لقد حان الوقت لترتيب منازلنا الخاصة، وفضح دعاة وممولي أيديولوجية شريرة، والاستثمار في عمل الشرطة ونشاط المجتمع المدني اللازم لهزيمتهم.
قمع مصادر التطرف
منذ أوائل عام 2000، ظلت الولايات المتحدة وأوروبا تضغطان بشدة على عدد من الدول العربية لقمع المصادر الداخلية للتطرف، بحجة أن تقاعسهم عن ذلك سيضع مجتمعاتهم وشعوبهم على حد سواء في جميع أنحاء العالم في خطر. لقد أكدنا مراراً وتكراراً أن التركيز الشديد على دعاة وممولي الإرهاب هو وحده الذي يجعلنا نمنع وقوع الخطر.
• بعد مذبحة أخرى مستوحاة من النعرة القومية البيضاء، فقد حان الوقت للبلدان الغربية لتفكر في ما إذا كان ينبغي لها أن تتصرف بناءً على النصيحة التي قدمتها للآخرين.
سايمون كلارك - كبير زملاء مركز التقدم الأميركي